فن الدبلوماسية .. إتيكيت اختيار وتقديم الهدايا..
الدكتـور/ سعدون بن حسين الحمداني
دبلوماسي سابق – كلية عُمان للإدارة والتكنولوجيا
فن الدبلوماسية .. إتيكيت اختيار وتقديم الهدايا..
الهدية هي لغة من لغات الحب المتعددة معبرة معطرة بطيب الاشتياق والاحترام وهي عالم واسع، يعكس فن وحضارة وثقافة شعوب ، بالإضافة الى أنه يعكس كاريزما الشخص وثقافته وبيئته ، انتقاؤها بدقة يعكس مدى ونسبة الحب والاهتمام بالآخرين ؛ تتبارى المدارس الدبلوماسية بوضع أسس حديثة وراقيه بفن إتيكيت اختيار وتقديم الهدايا فلا يمكن تقديم الحلوى الى مريض راقد بالمستشفى يتشافى من مرض السكر أو عملية فتح القلب.
هناك نوعين من الهدايا الأولى وهي الرسمية والتي تمثل محبة واحترام وتقدير للضيف وغالباً ما تكون من تراث وكرم الدولة، والثانية شخصية والتي تنبع من تعاطف وتواصل من طرف الى آخر والتي تتفرع الى عدة أنواع.
فعلى سبيل المثال نقرأ بان الحضارة الصينية قديماً وحديثاً، هي من أكثر حضارات شُعوب الأرض إهتماماً بتقديم الهدايا بأشكال مختلفة عاكسة معاني كثيرة تضرب في عمق ثقافة شعب من أعرق شعوب الأرض غالباً ما تكون يدوية الصنع بحرفية وحنكة يشهد لها العالم، مثل الفخاريات الصينية المعروفة عالمياً باسم “شينوا ” Shinea من أغلى وأحلى ما يمكن تقديمه على شكل هدية، منحوتة ومرسومة يدوياً وتأخذ أشكالاً مختلفة كالمجوهرات والتحف والجداريات والسجاد والحرير بصفة خاصة، يغلف الصينيون هداياهم بأوراق الموز بعد معالجتها بطرق مختلفة.
وكذلك اليابانيون، هداياهم تعكس رقي الحضارة القديمة والحديثة وأبرزها اللؤلؤ والحرير الطبيعي والمنمنمات جميعها يغلف بأوراق يدخل في صناعتها الحرير وخيوط الفضة، ويعتقدون أن الهدية هي تعبير عن كل مكنونات النفس، حتى السلبية منها كالغضب الذي له هدايا خاصة ترمز له، مثل صورة عاكسة لشكل بركان في حالة فوران وثورة، وهدايا أخرى تعكس الحب والتواصل كجداريات صغيرة تعكس بحيرات من الفضة بريشة أشهر التشكيليين في اليابان، الزهور وهدايا يابانية تعرف (بالأكينبا).
أما تاريخ الهدايا فإنه يبدأ من الفراعنة ؛ حيث ابتكر فكرة لفها بالورق وربطها لتزيينها ، ويتطرق القرآن الكريم الى ذلك فيخبرنا بأن الملكة بلقيس قد قدمت للنبي سليمان عليه السلام هدية ؛ قوله تعالى : “وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون”..الآية النمل 35 ، وبذلك فهي تطبق مبدأ التفاوض بفن الدبلوماسية وتبعد بلدها وشعبها من ويلات الحروب والتدمير كجزء تعبيري عن المحبة والتواصل الانساني.
أما العصر الإسلامي فإن الهدية سُنة نبوية، ومبعث سعادة وفرح، وتشرح القلوب ، وقد حرص النبي – صلى الله عليه وسلم – على تشريع كل ما مِن شأنه أن يؤلف القلوب، حيث قال: (تَهَادُوا تَحَابُّوا) رواه البخاري.
أما إذا ندخل عالم الهدايا واتيكيت تقديمها، فذلك تركز المدارس المتخصصة على فن اتيكيت طريقة اختيار الهدايا وتقديمها وكيفية طرحها، لأنها تدلل على فن وثقافة الشخص، علما بأن الهدايا مؤخراً تعكس تطور المجتمعات المختلفة، لأنها جزء من منظومة التعامل الإنساني على كل المستويات.
أما في شرقنا الجميل وعالمنا العربي، الاعتقاد السائد هو أنه لابد وأن تكون الهدية غالية الثمن، كبيرة الحجم، ربما يعكس هذه المعاني والثقافات، عادات وتقاليد الكرم الطائي الذي مازال يحكم العديد من سلوكياتنا في مناسبات مختلفة، ويعكس ثقافة التفاني التي تحكم العديد من المجتمعات العريقة، ربما يكون الهادي للهدية قد صرف مبالغ كبيرة حتى يُظهر تقديره للآخرين، عكس ما نجده في الغرب فباقة ورد بسيطة في عيد ميلاد او تخرج من جامعة مع ابتسامة نابعة ومن القلب وبشاشة الوجه افضل بكثير من هدية يملها النفاق الاجتماعي الذي يسود مجتمعاتنا بالوقت الحاضر.
أما بالنسبة الى الهدايا الشخصية فهي تعتبر احدى المشاكل التي تؤرق الكثير من الناس، حيث ستنتابك الحيرة والتردد في إتخاذ القرار قبل شرائها من حيث نوعها وقيمتها وهَل اختيارها ستفي بالغرض أو بعض الناس يذهب الى تقديم المبلغ بدلاً من شراء شيء معين وهذا ما يحصل في حفلات الزواج للعوائل المتوسطة والفقيرة لأن المبلغ سوف يسد ويغلق أحد الأبواب لهم، وفي وقتنا الحاضر فإن العوائل تسأل عن الاحتياج للزوجين الجدد ليتعاون الجميع بشراء هدايا تساعدهم في حياتهم اليومية مثل (الأجهزة الكهربائية) وهي أعلى مراحل وقيم التكافل الاجتماعي بدلاً من التوجه لأخذ قروض لشراء هذه الأجهزة وبالتالي تكون أكثر فائدة لهم.
وهناك عدة أنواع من الهدايا لكل مناسبة فهناك مناسبات مثل : التخرج/ المولود الجديد/ العمل/ شراء البيت/ شراء السيارة/ عيد الميلاد/ دعوات العشاء والغداء وحفل الشاي/ الترقية/ التعافي من العميلة الجراحية/ الخطوبة وغيرها.
أغلب الهدايا الجميلة التي تظهر الفرحة والسعادة وتكون معبرة هي باقات الورد ذات اللون الأبيض مع قليل من الورد أو الزهور باللون الأحمر لتعبر عن الفرح والسعادة للمقابل وخاصة في حفلات التخرج والمولود.
ولا ننسى أن نرسل رسالة شكر لكل من أرسل لنا هدية مهما كان نوعها ، لمشاركته فرحتنا وذلك للتعبير عن امتناننا له.