بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

هـمـسة لمحبّـي السَّهـر..

الكاتبة/ رحمة بنت مبارك السلمانية

 

هـمـسة لمحبـي السَّهـر..

 

إن الحياة جميلة وتستحق أن نعيشها بكل ما فيها من جماليات دون أن نطمس جمالها بالسيء من العادات، والعمر هِبة من رب الأرض والسماوات الذي أمر الإنسان باستغلاله في إعمار الأرض، ولكن يبدو أن أنماط الحياة التي أخذت تزداد سوءاً عاماً بعد عام بل يوماً بعد يوم؛ هي ما يعكر صفو الحياة، ونظراً لوفرة وتنوع وتطور وسائل الترفيه والتقنية ودخولها في أدق تفاصيل الحياة البشرية  أدى ذلك إلى حدوث طفرة في الكثير من السلوكيات اليومية والعادات الصحية التي يمارسها بنو البشر، وأكسبتنا عادات خاطئة وسيئة من أهمها العبث بأوقات النوم أو السهر، فللأسف الشديد بات غالبية الناس يسهرون لساعات طويلة ولوقت متأخر بعد منتصف الليل أمام شاشات التلفاز أو شاشات الهاتف أو أي من الأجهزة المحمولة الأخرى، والبعض منهم قد حولوا ليلهم نهاراً ونهارهم ليلاً حارمين أنفسهم من النوم ليلاً، والذي هو وقت راحة واسترخاء لجميع أعضاء الجسم الخارجية والداخلية، ليناموا في ساعات النهار، إذ يُعد السهر من أشد العادات خطورة وأكثرها هدراً للصحة.

هناك أسباب متعددة وأوقات معينة تتسبب بزيادة السهر لدى غالبية الناس، فالسهر غالباً يكون مرتبطاً بظروف أو أوقات معينة كأيام الإجازات والمناسبات الاجتماعية كالأعياد وحفلات الأعراس والتجمعات العائلية، كما يزيد السهر لساعات الصباح الأولى خلال أيام شهر الصيام إذ يتعمد الكثير من الموظفين إلى الخروج في إجازة خلال شهر رمضان بالتحديد؛ حتى يتسنى لهم العبث بأوقات نومهم وتحويل الليل إلى نهار بمعنى الكلمة دون عوائق أو موانع، ويقضون ساعات النهار في سبات عميق هرباً من الشعور بالجوع والعطش، بالإضافة إلى السهر في أوقات الامتحانات، حيث يضطر الكثير من الطلبة في أعمار مختلفة للسهر حتى يتمكنوا من اتمام مذاكرة مادة أو مقرر الامتحان، وبعضهم الآخر يسهرون لا إرادياً مرغمين بسبب معاناتهم من الأرق وعدم القدرة على النوم بسبب القلق والتوتر.

إن السهر هو أحد العوامل المسببة للكثير من الأمراض الجسمانية والنفسية والعصبية؛ لأنه يسهم في اختلال وظائف الجسم واضطراب الهرمونات، بالإضافة إلى أن السهر مرتبط بالكثير من العادات الخاطئة الأخرى مثل تناول الوجبات السريعة والتي تحتوي في الغالب على الكثير من الدهون والسعرات الحرارية، وشُرب أصناف متنوعة من المنبهات والمشروبات الغازية أو المحلاة في وقت متأخر، وكذلك الجلوس لساعات دون القيام بأي جهد أو نشاط بدني وقضاء وقت طويل في التحديق إلى الشاشات، فكل ذلك يتسبب في إجهاد وإضعاف صحة الإنسان بشكل عام، لأنها عادات سيئة وغير صحية، إذ لم نشهد من قبل خلال العقود الماضية ازدياد في أعداد المصابين بأمراض ارتفاع ضغط الدم والسكري وأمراض القلب والشرايين والسمنة وآلام المفاصل والعمود الفقري والصداع وأمراض العيون، بينما في الوقت الحالي أضحت هذه الأمراض شائعة بدرجة كبيرة بين معظم الناس.

لقد خلق الله تعالى الليل للنوم والنهار للعمل وكسب الرزق لحكمة هو أعلم بها وقال في محكم كتابه “وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشا (11)”[1]، إذ أن الساعة البيولوجية التي تساعد على عمل بعض وظائف الجسم الحيوية تنشط وتعمل خلال الليل وأيضاً هرمون النمو يفرزه الجسم خلال فترة النوم ليلاً وعند الصباح الباكر، فإن السهر يسبب خلل في تلك العمليات الحيوية واضطراب في إفراز الهرمونات.

في الوقت الراهن باتت مشكلة السهر أكبر وأوسع لأنها تشمل أعماراً مختلفة منهم البالغون والمراهقون والأطفال وحتى الرُّضَّع، وتلك مسألة خطيرة يجب التنبه لها، فالسهر يؤثر على نمو الطفل بدنياً وذهنياً؛ لأن الطفل في الواقع يحتاج لساعات نوم طويلة لبناء عظام جسمه وبناء عقله، لذلك فإن الأطفال الذين يسهرون سيقل نمو أجسامهم وتكون أطوالهم أقصر وأدمغتهم أقل كفاءة وأقل ذكاءً من أقرانهم الذين يتمتعون بنوم كافي خلال الليل أو ينامون مبكراً.

في الواقع أن السهر يُقَصِّر العمر، فقد كشفت بعض الأبحاث عن حقيقة تلك المقولة، وأثبتت أن السهر بالفعل قد يقصر عمر الإنسان ويؤدي إلى تسببه بأمراض القلب والشرايين والسكتات والجلطات القلبية، كما يسبب السهر ضعف المناعة وضعف التركيز ويسبب تآكل خلايا الدماغ، مما يؤدي إلى النسيان وقد يؤدي إلى الإصابة بمرض الزهايمر المبكر، كما يؤدي إلى ظهور التجاعيد والخطوط على البشرة وانتفاخ الجفون وظهور الهالات السوداء، بالإضافة إلى تقلبات المزاج وزيادة التوتر.

[1] الآيات من ٩ إلى ١١ من سورة النبأ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى