كـمـثـل الشـيـطـان !!..
الكاتب / سالم بن حمد الحكماني
كـمـثـل الشـيـطـان !!..
خلق الله الانسان لعمارة الأرض وكرمه بالعديد من الصفات والسمات الشخصية التي تفرد بها عن باقي مخلوقات الله ، واكرمها على الاطلاق ان فضله الله بالعقل ليفكر ويتدبر في مخلوقات الله ، وما بث سبحانه من عظم خلقه في السموات والأرض وما بينهما ، وليكن على صلة بخالقه العظيم سبحانه الذي خلق فسوى ، وقدر فهدى ، واحصى كل شيء عددا ، وكتب الآجال والارزاق في مواعيد وازمنة وامكنة محدودة ووفق علمه وتدبيره وقدرته ومشيئته جل في علاه.
وعندما أكرمنا الله بالعقل عن سائر مخلوقاته أتاح لنا مجالا واسعا للتفكير والتدبر واحكام هذا العقل ، وان نوجهه الوجهة السليمة وفق ضوابط بينها لنا ديننا الحنيف وفي اطار نظام الهي محكم يكون للعقل فيه النصيب الأوفر والوافر من الحظوظ ، وعلى الانسان العاقل ان يوجه عقله الوجهة السليمة التي تتماشى مع فطرة خلقه ، وسماحة وعلو روحه ، ومكانته كانسان له القدرة على التفكير والتأمل ، وتتماشى أقواله وافعاله أيضا مع اقوال وافعال بني جنسه من الطيبين ، أصحاب العقول النيرة والفكر السليم ، وأصحاب الذوق الرفيع ، أصحاب الهمم العالية والسيرة الحسنة الذين يراعون عواقب الهمز واللمز ، ويراعون فرط اللقط مما يطلقه من يكب الناس على وجوههم في النار ، يراعون ما اقترفته الجوارح ، ولا يطلقون العنان لبطش الايدي وكبوات النفوس الدنيئة التي قد تؤدي الى الهلاك فيما لو لم يحكم الانسان العقل البشري في مثل هذه المواقف.
والشيطان قد خلق وحبل الغواية ملفوف على عنقه ، يستدرج أصحاب العقول الضعيفة والنفوس الدنيئة وضعاف الايمان ، بل يستدرج من ليس له قناعه وايمان لما خلق له ، وعندما تضعف النفس البشرية امامه نتيجة ضعف الايمان الداخلي والوازع الديني عندها تكبر الغواية ويسهل على الشيطان جر فريسته الى مهاوي الردى ودروب الضلال والهلاك.
ونعوذ بالله من شياطين الإنس والجن الذين يوسوسون للإنسان في كل وقت وحين ، قال سبحانه وتعالى : {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} سورة الأنعام / الآية : 112 وشياطين الانس اكثر فتكا من شياطين الجن واكثرهم غواية للإنسان ، لأنه ليس للإنسان سبيل الى طردهم والابتعاد عنهم الا من رحم الله ، وألهمه الله الاعتصام بحبله المتين عن غوايتهم وشرورهم ، اما شياطين الجن فان الله قد ارشدنا الى التعوذ منهم ومن وساوسهم ، وان نتحصن بالذكر الحكيم اناء الليل واطراف النهار ، وفي قوله تعالى : {شياطين الإنس والجن} قال : من الجن شياطين ، ومن الإنس شياطين ، يوحي بعضهم إلى بعض ، قال قتادة : وبلغني أن أبا ذر كان يوما يصلي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم” : تعوذ يا أبا ذر من شياطين الإنس والجن” فقال : أو إن من الإنس شياطين ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم “.
هناك نوعان من الأصدقاء ؛ صديق يجعل حياتك نوراً وضياءً ، ويحب لك الخير – كل الخير – تشتاق النفس الى صحبته ، وتحزن عند فراقه وغيابه ، لأنه طيب النفس ، حسن العشرة ، يحب لك الخير ما احبه لنفسه ، يرعاك كلما يلقاك ويتلهف للجلوس معك ، يصحبك الى مواطن العزة والكرامة ، تنهل النفس من سجاياه الحميدة وخصال صفاته العطرة ، لا يطيق الفراق ولا يطيق البعد ، هذا النوع خذ بيده الى الخير وعض على صداقته بالنواجذ ، ولا تفرط في صحبته لأنه منهاج حياة في السراء والضراء ، وقد بعثه الله اليك ليكون لك معينا وهاديا الى صنوف الخيرات وأنواع البر والإحسان.
ونوع آخر من الأصدقاء لا تطيق النفس الجلوس معه ولو للحظات معدودة ، صفته الظاهرة الأنا ، وبعيد كل البعد عن الأناة ، لا تستفيد منه النفس في شيء ، ولا يريح قلبك الجلوس معه ، قد يدلك على فعل المنكرات وارتكاب السوء والفواحش واصناف الذنوب والخطايا ، فهذا من الأولى تركه ولو على قارعة الطريق ، لأنك لن تحتاج اليه واذا احتجت اليه فلن ينفعك قطعا ، ولأنه لم يحفظ لسانه ولم يحفظ جوارحه في وجودكما فتأكد انه لن يحفظ ذلك كله في غيابكما.
عن أَبي موسى الأَشعَرِيِّ رضي الله عنه ، أَن النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إِنَّما مثَلُ الجلِيس الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ: كَحَامِلِ المِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحًا طيِّبةً، ونَافِخُ الكِيرِ إِمَّا أَن يَحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا مُنْتِنَةً متفقٌ عَلَيهِ. وهكذا هم الأصدقاء أيضا ، وقد بينا الفرق بين النوعين منهما.
ومن شياطين الانس من يوسوس لك بترك صلاة الجمعة قائلا : ان الله غفور رحيم ، فقل له : إن تكملة الآية “وإنه شديد العقاب ” وبذلك يحرمك من الاجر والثواب العظيم في ذلك اليوم الطيب ، ومن أفعال شياطين الانس أيضا : اذا جلست في المسجد تذكر الله او تقرأ القرآن قبل الصلاة فانه يأتيك ليحدثك في الأمور الدنيوية ، ويضيع عليك اجر هذه الدقائق المعدودة ، وكانه شيطان ارسل اليك ليحرمك الاجر ويحرمك هذه اللحظات التي يستجاب عندها الدعاء ، ومن صنوف غواية شياطين الانس وأصدقاء السوء أيضا للإنسان الجلوس على الانترنت لساعات طويلة لا تجد منهم من يعينك ويرشدك الى ترك ذلك ، وفي هذا تضيع عليك لحظات ثمينة واوقات أكثر ثمنا تقضيها فيما لا ينفعك في الدنيا والاخرة ، بل وتكون عليك حسرة يوما من الأيام وانت واقف امام الله للحساب.
ذكرت مثل هذه الأمور امام صديق لي ، وانه يجب على الانسان انتقاء الصديق ليكون له عونا على نوائب الدنيا ، وخاصة في هذه الأيام وفي هذا العصر الذي امتلأت جيوبه بالفتن والشرور واصناف الغواية ، وابتعد اهله وخاصته عن سبيل الرشاد والهدى ، وتشربت ساعاته في الليل والنهار بصنوف من اللهو والابتعاد عن ذكر الله ، وترك الباقيات الصالحات التي عند ربك ثوابها {خير عند ربك ثوابا ، وخير أملا}.
عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال : (استَكثِروا منَ الباقياتِ الصَّالِحاتِ، قيلَ : وما هيَ يا رسولَ اللَّهِ؟ قال: المِلَّةُ، قيلَ: يا رسولَ اللَّهِ وما هيَ؟ قال: التَّكبيرُ والتَّهليلُ والتَّسبيحُ والحمدُ للَّهِ ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللَّهِ).
يقول صديقي : وماذا أبقيت للحرية الشخصية في توجهاتك ؟! دع الناس ودع الشباب يتمتعون بحياتهم الكريمة في ظل هذا التطور والانفتاح الجميل على العالم ، دعهم يتمتعون بالتقنيات الحديثة واقتناء الأجهزة المتطورة والحياة الكريمة ، قلت له : أنا لست ضد ذلك ، ولست ضد التطور والحداثة ولكنني ضد أن يؤثر هذا التطور والتقدم – كما يسمّيه البعض – على طبيعة الحياة وعلى أفعال الناس بحيث أن نترك كل ما أمرنا به من خير وصلاح وبر ، ونلهو بكل ما هو ضار وغير ونافع ، ولا نجد فائدة منه إلا النّزر اليسير ، قال لي : لا تضيق على الشباب وعلى الناس رفاهيتهم اللامحدودة !! دعهم يتمتعون بأحدث الوسائل والتقانة ، ودعهم يستمتعون بشبكة الانترنت العالمية ، ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة ففيها الفائدة الكبيرة والنفع الأكبر لهم.
قلت لصديقي : لا تكن {كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين، فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين} سورة الحشر/ الآيتين : 16 و 17.