مقالات وآراء

الديمقراطية بين الغـوغائية والعـقلنة..

 

 

الكاتـب/ طلال بن حمد الربيعي

 

 

الديمقراطية بين الغـوغائية والعـقلنة..

 

تنحدّر كلمة ديمقراطية من اللغة اليونانية وهي كلمة مركبة من مقطعين : الأول DEMOS وتعني عامة الناس، والثاني KRATIA وتعني حُكم، و بذلك يكون المعنى كاملاً حسبما جاء في الأدبيات الإغريقية القديمة “حُكم الشعب” أو “حُكم الشعب لنفسه”، وقد نوقشت قضايا تتعلّق بالديمقراطية خلال مئات السنين، ولكن ليس هناك تعريف للمفهوم يمكن أن يوافق عليه جميع البشر في هذا العالم، ويعود هذا الى أمور عديدة من بينها أن الديمقراطية شيء يتطوّر ويتغير باستمرار؛ إلا أن هناك أشياء يتفقّ عليها الكثيرون وترتبط بالديمقراطية،  كالمساواة في كرامة جميع البشر وحقوقهم،  وكذلك حرية الصحافة، وحرية التعبير عن الرأي، وأن الجميع متساوون أمام القانون، وحرية الانتخابات.

بالرغم من النجاحات التي حققتها الديمقراطية لشعوب كثيره حول العالم؛ إلا أن الفكرة مازالت غامضه أو ضبابية لدى  شعوب أخرى حيث لاحظنا أن وجودها في بعض الدول لم يحقق أي رفاهيه أو تطور لتلك الدولة، وإنما حدثت انقسامات طائفيه وعرقيه وطبقيه.

هنا يتبادر إلى أذهاننا بعض الأسئلة؛ هل الديمقراطية هي الحل الأنجع لمشاكلنا أم أنها شعارات برّاقه فقط ؟.

قبل الإجابة على هذا السؤال دعونا نطرح سؤالاً أهم وهو : ما الذي يفكر فيه الإنسان البسيط ويشغل حيزا كبيرا من همومه ؟ هل الديمقراطية والانتخابات أم توفير الاحتياجات الأساسية المتمثلة في المسكن والمأكل والتعليم والصحة والعمل ؟ ولنكن أكثر واقعيّين في طرحنا نسأل : هل هناك علاقة بين الديمقراطية والرفاهية ؟ قبل الإجابة على هذه التساؤلات لابد لنا من الرجوع إلى التاريخ وتتبع تطور مفهوم الديمقراطية؛ فلو رجعنا إلى بداية الظهور الحديث للديمقراطية المعاصرة والتي أرست دعائمها الثورة الفرنسية التي قامت في العام 1789م  رغم أن مبدأ سيادة الأمة تبلور قبل الثورة الفرنسية بعدة عقود وذلك من خلال كتابات “جون لوك” و “مونتيسكيو” و “جان جاك روسو” مؤسسي نظرية العُقْد الاجتماعي التي تعتبر أساس نظرية سيادة الأمة، حيث كان ملوك أوروبا يتمتعون بسلطه مطلقة أو ما يسمى (تفويضاً إلهيّاً) مدعومين بتأييد الكنيسة ورجال الدين فكان الانتقال إلى الديمقراطية وسيادة الأمة انتقالاً ثورياً دامياً خاصةً في فرنسا.

لكن هل هناك ظروف اقتصادية واجتماعية غير الظروف السياسية ساعدت على ظهور الديمقراطية ؟ ولماذا بعد عشرة قرون (العصور الوسطى) من الانقطاع ؟

من وجهه نظري فإن للتطورات الاقتصادية والاجتماعية دور كبير في هذا التحول نحو الديمقراطية، لا يمكن إغفاله؛ فالثورة الصناعية في أوروبا كان لها دور في ذلك؛ حيث بدأت تتشكل المدن الصناعية وظهرت طبقة جديدة لم تكن موجودة في النسيج الاجتماعي الأوروبي؛ فهي  ليست ذات أصول إقطاعية أو عسكرية وليست من الفلّاحين؛ هذه الطبقة هي الطبقة البرجوازية أو ما نستطيع تسميتها بالطبقة المتوسطة وأصحاب الحرف، ومع تنامي هذه الطبقة وزيادة عددها كان لابد لها من أداة سياسية هامة يمكن استخدامها لحماية حقوقها السياسية والاجتماعية والدفاع عن مصالحها الاقتصادية. فظهرت على السطح فكرة الديمقراطية والمساواة والمشاركة في الحكم وعدالة القانون… الخ؛ ستظهر فيما بعد طبقه أخرى وهي البروليتاريا سنتحدث عنها في مقال آخر.

إذن كما أسلفنا فإن التطور الاقتصادي والاجتماعي أو ما نسميها بالثورة الصناعية في أوروبا الغربية إنعكس على الجانب السياسي؛ فكان له دور كبير في تبلور الديمقراطية وتطورها؛ حيث أدى لاحقاً إلى ترسيخ المفهوم الديمقراطي في الحياة العامة، وتحوله تدريجيا إلى قيمة اجتماعية – ثقافية.

فعندما نقول : إن الديمقراطية هي قيمة اجتماعية وثقافية فهنا نؤكد على أنها ليست آلية انتخابات فقط أو مجموعه من الإجراءات الشكلية كما يتصورها البعض وينادي بها .. وعندما طبقناها بهذا الشكل أدى بنا إلى كارثة وغوغائية واصطفافات مذهبية وطائفية ومناطقية كالحال في العراق ولبنان … الخ.

فالديمقراطية لتتحقق لابد لها من ثلاثة عوامل رئيسية : وجود طبقة متوسطة كبيرة، وإعلام حرّ محايد، وهذا لا يكفي طبعا بدون وجود ثقافة ووعي حقيقي لدى أفراد المجتمع.

إن الديمقراطية المتعارف عليها اليوم في الغرب؛ هي ممارسة مؤسسية نشأت وتطورت في سياق ثقافي وتاريخي حداثي، وبما أن الديمقراطية ممارسة مؤسسيه فهي لا تتم في الهواء، وإنما تحتاج إلى برلمانات وأحزاب وحركات سياسية ونقابات عمالية ومهنية ومنظمات شعبية… الخ؛ أي أنها بحاجة إلى مجتمع متسامح يؤمن بالاختلاف والتعددية.

لذلك ظل “توماس جيفرسون”، وهو أحد الآباء المؤسّسين للولايات المتحدة الأمريكيّة، مقتنعاً أنه لا يمكن تعميم حق الانتخاب بين مواطنين فقراء يمكن شراء أصواتهم، ناهيك عن سهولة التّلاعب بهم.

فالديمقراطية ثقافه ووعي وقيمه تنتج في المجتمع، ولا يمكن أن تكون إلا كذلك أو ستصبح غوغائية.

وختاما يقول فيكتور هوغو : تبدأ الحرية عندما ينتهي الجهل؛ لأن منح الحرية لجاهل؛ كإعطاء السلاح لمجنون..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى