مقالات وآراء

عُقْدُ الماس الجميل الذي أضاع العمر الأجمل..

الكاتب الصحفي/ محمود الكنزي

 

عُقْدُ الماس الجميل الذي أضاع العمر الأجمل..

 

عندما حكم القاضي على أحد الشباب بالإعدام شنقاً حتى الموت، ضحك ساخراً، وقال بكل شجاعة : الحُكْم حُكْم الله .. لا حُكْمُكُم المُزَيّف !!..

فأيامنا تمضي ويمضي معها العمر دائماً بمقادير مكتوبة لا يعلمها إلا الله..

هناك قصة مشهورة في الأدب الفرنسي إعتمدت على واقعة حقيقية حدثت في باريس قبل فترة طويلة ..

كانت هناك شابة جميلة تدعى (صوفي)، ورسام صغير يدعى (باتريك) نشأ في إحدى البلدات الصغيرة .. وكان باتريك يملك موهبة كبيرة في الرسم، بحيث توقع له الجميع مستقبلاً مشرقاً ونصحوه بالذهاب إلى باريس .. وحين بلغ العشرين تزوج صوفي الجميلة، وقررا الذهاب معاً إلى عاصمة النور والجمال باريس .. وكان طموحهما واضحاً منذ البداية حيث سيصبح (هو) رساماً عظيماً (وهي) كاتبة مشهورة .. وفي باريس سكنا في شقة جميلة وبَدَءا يحققان أهدافهما بمرور الأيام .. وفي الحي الذي سكنا فيه تعرفت صوفي على سيدة ثرية لطيفة المعشر ..

وذات يوم طلبت منها إستعارة عُقْد لؤلؤ غالي الثمن لحضور زفاف في بلدتها القديمة .. ووافقت السيدة الثرية وأعطتها العقد وهي توصيها بالمحافظة عليه .. ولكن صوفي إكتشفت ضياع العُقْد بعد عودتهما للشقة فأخذت تجهش بالبكاء، فيما انهار باتريك من أثر الصدمة .. وبعد مراجعة كافة الخيارات قررا شراء عُقْد جديد للسيدة الثرية بنفس الشكل والمواصفات .. ولتحقيق هذا الهدف باعا كل مايملكان، واستدانا مبلغاً كبيراً .. واشتريا عُقْداً مطابقاً وأعاداه للسيدة التي لم تشك مطلقاً في أنه عُقْدُها القديم.. غير أن الدين كان كبيراً، والفوائد تتضاعف باستمرار فتركا شقتهما الجميلة، وانتقلا إلى غرفة صغيرة في حي قديم..

ولتسديد ماعليهما، تخلت صوفي عن حلمها القديم وبدأت تعمل خادمة في البيوت ..

أما باتريك فترك الرسم وبدأ يشتغل حمالاً في الميناء .. وظلّا على هذه الحال خمسة وعشرين عاماً ماتت فيها كل الأحلام، وضاع الشباب، وتلاشى الطموح .. وذات يوم ذهبت صوفي لشراء بعض الخضروات لسيدتها الجديدة وبالصدفة شاهدت جارتها القديمة فدار بينهما الحوار التالي :

– عفواً .. هل انت صوفي ؟

– نعم .. من المدهش أن تعرفيني بعد كل هذه السنين ..

– يا إلهي تبدين في حالة مزرية !! ماذا حدث لك ؟! ولماذا اختفيتما فجأة ؟!

– أتذكرين يا سيدتي العُقْدَ الذي استعرته منك ؟

– لقد ضاع مني، فاشترينا لك عُقْداً جديداً بقرض ربوي، ومازلنا نسدد قيمته !!.

– يا إلهي !! ولماذا لم تخبريني يا عزيزتي ؟! لقد كان عُقْداً مقلّداً لا يساوي خمسة فرنكات !!.

أحياناً نخشى مواجهة الحقيقة، لكن الخسارة تكون أكبر عند عدم مواجهتها .. لذلك إن أقصر السبل وأنجحها في حل المشاكل هو المواجهة والوضوح .. وقد تكون المواجهة قاسية في بعض الأحيان، لكنها أرحم من الهروب من الواقع .. وقد يكون الوضوح مؤلماً بعض الشئ، لكنه أقلّ ضرراً من التجاهل !!..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى