مراحل تكوّن (كومار) في بلدي !!..
الكاتـب/ سـالـم غـنّـام الجـعـفـري
مراحل تكوّن (كومار) في بلدي !!..
كومار شاب من إحدى دول آسيا قَدِم الى مطار بلدي لا يحمل حقيبة ولا عطراً ولا حتى كرفته.
كومار لا ينطق سوى لهجته المحلية ، وشيئا من الإنجليزية المخلوطة بلهجته السريعة مصحوبة بهزة رأسه.
فكومار موظف بسيط لا يتجاوز راتبه الشهري ستين ريالاً عمانياً ؛ يسكن كومار مع رفاقه العشرة في غرفة واحدة لا تجد فيها متسعاً إلا لأنبوب الغاز وجهاز الطبخ.
أتى كومار بشهادة عريضة منشأها بلده !! تتضمن أنه اجتاز مجموعة من البرامج الحاسوبية وبعض اللغات !! كفيله العماني يكتشف أن عامله الجديد ليس له علاقة ولا دراية بالآلات والمعدات التي جلبه من أجلها !!.
كومار في قرارة نفسه يعتبر هذه الآلات كأنها من عالم خارجي ، فهو لم يرها من قبل ، يضطر الكفيل لإدخال كومار في دورات تدريبية على هذه المعدات والعمل على تشغيلها ، طبعاً على حساب المؤسسة البسيطة فثمن الدورات لا يعادل إرجاع كومار إلى بلده واستبداله بآخر ، ولربما استبدله بثالث !!.
كومار يحاول للمرة الأولى أن يضع كرفته على عنقه ؛ فقد نجح في تشغيل الآلات وقد تعلم شيئاً أخر أكثر أهمية من ذلك ؛ حيث بدأ ينطق كلمات عربية !! وهذه الكلمات لم يتعلمها إلا من رفاقه بالغرفة ، ومن أهمها (أرباب في زيادة معاش)!!.
تراود كومار فكرة الغياب ليوم واحد عن عمله دون أسباب مسبقة ، وكأنه يقول بصوت وشعور عنترة : وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر ، المؤسسة شبه مغلقة ؛ الكفيل بالإشارة يفهم ؛ ازداد راتب كومار إلى مائة ريال أخف الضررين !!.
في الفترة المسائية يقوم كومار بزيارة بسيطة لأصحاب النشاط الذي يمارسه كفيله يفتتن أحدهم بمهارات كومار وينال استحسانه ، وكومار لديه الدورات ، وممارسة مهام العمل ، وزبائن ، وشيئاً من العربية ؛ يعرض عليه ضعف الراتب ؛ العرض المغري يجعل من كومار ذا دموع غزيرة يقنع من خلالها كفيله أنه لابد من سفره إلى بلده كون أحد والديه يحتضر وقارب على الموت ، وفوق كل هذا يجب إلغاء تأشيرته فمن المحتمل أن لا يعود إلى هنا مرة أخرى.
يعود كومار بعد سنتين ببزة وكرفته وحقائب إلى الكفيل الثاني ، ولم تمضِ سنة إلا وسافر كومار الى الهند لنفس الأسباب ليعود بعدها إلى الكفيل الثالث المحبوب دوماً ؛ يشترط كومار على الكفيل أن يعطيه السجل التجاري وعقد الإيجار وجميع الأوراق الرسمية وحتى الختم !! مقابل استلام الكفيل ورقة نقدية ذات الخمسين ريالاً شهرياً ؛ فانقلبت القوانين والأوضاع رأساً على عقب !! أصبح كومار من يعطي راتباً !! خاتما الذهب على إصبعي يده اليمنى وسلسلة الذهب التي على عنقه وسيارته التويوتا ذات الدفع الرباعي وكرشه الصغير المنتفخ كجيبه المملوء نقداً عمانياً تدل على عيشه الرغيد في غير بلده ، فمحلاته مقابل محلات كفلائه السابقين ويختلف عنهم أن أسعاره منخفضة جداً !!.
مراحل تكوّن كومار هذه تجعل من الكفيل الأول جاحظ العينين يحدق مراراً في كومار.
والكفيل الثاني يقول في نفسه “من حفر حفرة لأخيه وقع فيها”.
أمّا الكفيل الثالث فيقتات من فتات الورقة النقدية الواحدة ، ولكن من عشرات الكوماريّين !!.
وفي كل هذه المراحل يحظى كومار بحصانة قانونية تدعمها لوائح وأنظمة حقوق الإنسان ، وحرية الجاليات العاملة في بلدي مكسبة الكفلاء حسرةً على ما أنفقوه من جهد ووقت ومال على هذه الأجناس ، وكأنهم حضانة لتفقيس الكوماريّين.