بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

النزاهة بين ميزان العدل والمصلحة الشخصية..

أصـيـلة بنت حمـد الحبـسية

 

النزاهة بين ميزان العدل والمصلحة الشخصية..

 

لا ريب أن النزاهة تحتل مقاماً سامياً في منظومة القيم الأخلاقية الإسلامية النبيلة، بل إنها هي المسؤول الأول عن مجموعة من أقوال وسلوكيات الإنسان السوية.

وتتمثل قيم النزاهة في العديد من المظاهر الأخلاقية والمبادئ الإيجابية كالأمانة والعدالة والمساواة والمصداقية والرقابة الذاتية التي تمكّن الفرد من التنزه والترفع عن كل سلوك جانح يخل بموازين العدل والمساواة، بمعنى آخر : إن النزاهة هي بمثابة الميزان الذي يفصل بين العدل والمصلحة الشخصية.

وتكمن أهمية النزاهة في عدة مجالات؛ منها : تحقيق المصلحة العامة، والحد من الفساد بأنواعه في مؤسسات الدولة، والتعاملات الشخصية، بالإضافة إلى تقوية الثقة بين نظام الدولة ومؤسساته وبين المواطنين، وزيادة الشعور بالأمن والأمان والانتماء للوطن.

فحينما تُبتلى الأمم باعتلالات معنوية وآفات أخلاقية يضعف شأنها وتنهار أركانها، وليس هناك شي أضرٌ بها وأودى إلى هلاكها واندثارها من قيام المسؤولين فيها أو الأفراد بسلوكيات تضر بالمصالح والممتلكات العامة؛ فمن جراء فقدان قيم النزاهة انتهكت مظالم كثيرة، وضيعت حقوق وواجبات، وفقدت ثروات وطنية، وأهدرت طاقات وكفاءات شبابية، وكل هذا يُعزى إلى شعوب تنهشها السلوكيات اللاأخلاقية، والأطماع الشخصية التي خلفها انعدام تلك القيم الإنسانية النبيلة.

وجدير بالذكر أن قيم النزاهة لا تنحصر فيما هو مادي فقط؛ بل إنها في إطارها العام تنطوي على الجانب المعنوي والفكري والاجتماعي والاقتصادي، وكلها تجتمع تحت سقفٍ واحد في هدفٍ وغاية واحدة تسمو بالفرد إلى التنزه عن كل ما يراود النفس للطمع فيما ليس لها، وعدم التجرؤ على انتهاك حقوق الأخرين والممتلكات العامة.

إن وراء تواري قيم النزاهة أزمة أخلاقية عظيمة باتت تتخذ صوراَ وأشكالاً متعددة بَدْءاً من أقوالنا ومروراً بتعاملاتنا المالية اليومية كالرشوة والمحسوبية والمحاباة والواسطة والابتزاز والاعتداء على حقوق الآخرين؛ مما أدى بنا ذلك إلى التقهقر والرجوع إلى الوراء؛ فتهدمت أركان التقدم والتنمية بكافة قطاعاتها الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية.

إن ترسيخ قيم النزاهة في نفوس أبناء مجتمعاتنا يستدعي العمل الدؤوب في تأسيس منهج تعليمي ثقافي مبني على غرس مبادئ وقيم الشريعة الإسلامية النبيلة، والاخلاق الإنسانية النزيهة في نفوس أبناءنا، واستغلال الوسائل الإعلامية عامةً ووسائل التواصل الاجتماعي خاصةً في نشر التوعيات حول أشكال وأهمية قيم النزاهة؛ حتى نجعل تبنّي هذه القيم أمراً مُلِحاً وواجباً أخلاقياَ سامياً للحد من استفحال ظاهرة الفساد بشتى أشكاله، والمساهمة في تفعيل مقتضيات هذه القيم التي بفضلها يزيد الوعي الفردي والجماعي بأهمية مكافحة الفساد، وتحقيق ذلك لن يتم دون الارتماء بالعقول في محافل العلم، والارتقاء بها في صروح الثقافة والمعرفة؛ حيث إن توفير القوانين وحدها لا تكفي إن لم تكن مدعومة بسلطة تنفيذية صارمة مصحوبة بضمير حي رادعٍ ورقيب؛ فمن دون تلك الضوابط الإجرائية التي يدعمها الالتزام الأخلاقي الداخلي لا يمكن أن تُستعاد قِيَم النزاهة المفقودة التي تتطلب تربية قِيَمية إنسانية تقوم على بناء جدار مانع يحمي الفرد والمجتمعات من المطامع الشخصية، وكافة مظاهر الفساد؛ حتى تجعله فرداً سوياً ونزيهاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى