بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

مجلس التعاون الخليجي – آسيا الوسطى : نموذج جديد للدبلوماسية الإقليمية

السفير/ عليشير قاديروف
رئيس قسم في معهد الدراسات الاستراتيجية والإقليمية التابع لرئاسة جمهورية أوزبكستان

تحظى مسألة تحوّل دور الدبلوماسية الإقليمية في العالم المعاصر باهتمام خاص من قِبل المجتمع الدولي والخبراء. إذ أصبح الحوار الدبلوماسي بين المناطق المختلفة أداة رئيسية ليس فقط لتعزيز الروابط الدولية، بل أيضًا لمعالجة التحديات العالمية بفعالية في ظل تزايد الترابط والاعتماد المتبادل بين الدول.

وفي هذا السياق، يُعدّ نموذج التعاون بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية (GCC) وآسيا الوسطى (CA) مثالاً فريداً للتفاعل بين الأقاليم، وتكمن فرادة هذا النموذج في أنه يجمع بين منطقتين ذواتي أهمية جيوسياسية بالغة، لكل منهما خصائصها التنموية الخاصة، ولكنهما تتشاركان في روابط تاريخية وثقافية ودينية عميقة.

المنظور التاريخي للعلاقات الدبلوماسية..

شهدت التفاعلات بين آسيا الوسطى وشبه الجزيرة العربية، والتي تمتد لأكثر من ألفي عام، تحولات كبرى عبر العصور.
فقد أنشأ طريق الحرير العظيم، الذي ظهر في القرن الثاني قبل الميلاد، أول منظومة مستمرة للتواصل الاقتصادي بين المنطقتين. وكانت دول آسيا الوسطى بمثابة نقاط عبور رئيسية لتبادل السلع – من الحرير الصيني وورق سمرقند إلى العطور والمجوهرات العربية.

وفي القرن الثامن الميلادي، أضفى انتشار الإسلام بُعداً روحياً وفكرياً على هذا التفاعل. فأصبحت مدن مثل سمرقند وبخارى مراكز علمية في العالم الإسلامي، وقدم علماء آسيا الوسطى البارزون – مثل البخاري، الخوارزمي، وابن سينا – مؤلفات أساسية أرست قواعد الحضارة الإسلامية بأكملها.
لكن، منذ القرن السادس عشر، بدأت هذه الروابط التقليدية في التراجع نتيجة للتغيرات الجيوسياسية واكتشاف طرق التجارة البحرية. وفي القرن العشرين، زاد من هذا التباعد عزلة الاتحاد السوفيتي.

ومع استقلال دول آسيا الوسطى في عام 1991، بدأ فصل جديد في العلاقات بين المنطقتين.

المراحل الرئيسية لتشكّل الحوار الدبلوماسي..

مرّت عملية بناء حوار دبلوماسي منظم بين مجلس التعاون الخليجي وآسيا الوسطى بعدة مراحل هامة، أسهمت كل منها في تعزيز التعاون بين المنطقتين :

المرحلة الأولى 1991–2000 :

شهدت هذه الفترة إقامة العلاقات الثنائية، حيث بدأت الأطراف بالتعرّف على أنظمة الحكم والفرص الاقتصادية لدى كل منهما. وتم افتتاح أولى البعثات الدبلوماسية، وتوقيع اتفاقيات دولية تأسيسية، كانت في الغالب ذات طابع إطاري. وتطورت العلاقات تدريجياً، نظراً لحاجة الجانبين إلى الوقت لفهم خصوصيات وآفاق التعاون بين دول آسيا الوسطى ودول مجلس التعاون الخليجي.

المرحلة الثانية 2001–2010 :

تميزت هذه المرحلة بتطور العلاقات الثنائية وتشكيل إطار قانوني للتعاون. حيث تم توقيع العديد من الاتفاقيات في مجالات متنوعة، منها الاقتصاد، الثقافة، والتعليم. وتم التركيز بشكل خاص على تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي والاستثماري.

وخلال هذه الفترة، نُفّذت أولى المشاريع الاستثمارية الكبرى التي شارك فيها رأس المال العربي في آسيا الوسطى. وشملت المجالات الرئيسية: تطوير نظم الري وتحديث البنية التحتية الزراعية في أوزبكستان وكازاخستان، ومشاريع النفط والغاز في تركمانستان، بالإضافة إلى دعم المبادرات الإنسانية والتعليمية في طاجيكستان وقيرغيزستان.

المرحلة الثالثة 2011–2020 :

اتسمت هذه الفترة بتنوع مجالات التعاون ومحاولات أولية لإضفاء الطابع المؤسسي على الحوار. حيث توسّع نطاق التفاعل ليشمل قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب وحماية البيئة.

ومن الجدير بالذكر أن أولى الاتصالات متعددة الأطراف جرت خلال هذه المرحلة، بما في ذلك اجتماعات وزراء الخارجية.

وكان من أبرز الأحداث الدبلوماسية خلال هذه الفترة، اجتماع وزراء خارجية آسيا الوسطى وجامعة الدول العربية في الرياض عام 2014، والذي وضع الأساس المفاهيمي لتكثيف الحوار بين الإقليمين لاحقًا، وقد شكّل هذا الاجتماع سابقة مؤسسية لتشكيل إطار أكثر تركيزًا لتعاون مجلس التعاون الخليجي مع آسيا الوسطى.

وقد أشار محللون إلى أن نتائج الاجتماع في العاصمة السعودية أظهرت إمكانات كبيرة للتعاون بين المنطقتين، مما شجّع النخب السياسية على السعي نحو صيغ أكثر فاعلية للتعاون.

ومن المهم التأكيد على أن أحد العوامل الرئيسية التي ساهمت في تعزيز هذا التفاعل هو الإصلاحات الداخلية في دول آسيا الوسطى، وخصوصًا في أوزبكستان، إلى جانب تعزيز التعاون الإقليمي داخل آسيا الوسطى نفسها.
وقد أوجدت هذه العمليات بيئة أكثر ملاءمة لتطوير العلاقات الخارجية وجذب الاستثمارات الأجنبية.

وفي هذا السياق، يُعتبر تأسيس “توافق سمرقند” عام 2017 أمرًا جديرًا بالاهتمام. ففي مؤتمر دولي رفيع المستوى عُقد في سمرقند، قامت دول آسيا الوسطى بتوحيد مواقفها تجاه التعاون الإقليمي، مما مهّد الطريق نحو تعاون أكثر تنظيمًا. وقد حظيت هذه المبادرة باعتراف دولي رسمي عندما اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في يونيو 2018 قرارًا خاصًا يدعم عمليات التكامل الإقليمي.
وأسهمت هذه التطورات في تهيئة الظروف لتشكيل نماذج أكثر شمولاً للتعاون الدولي، بما في ذلك الحوار بين مجلس التعاون الخليجي وآسيا الوسطى.

المرحلة الرابعة 2021– حتى الآن :

تمثل هذه المرحلة الانتقال من التعاون الثنائي إلى التعاون متعدد الأطراف. وقد تُوّج هذا المسار بانعقاد القمة التاريخية الأولى بين مجلس التعاون الخليجي وآسيا الوسطى، والتي افتتحت فصلًا جديدًا في العلاقات بين المنطقتين.

وقد سبق هذا الحدث الكبير تحضيرات دقيقة، شملت سلسلة من المشاورات على مستوى الخبراء، ومفاوضات متعددة المراحل بين وزراء الخارجية، إضافة إلى وضع جدول أعمال شامل للتعاون بين الجانبين.

القمة الأولى بين مجلس التعاون الخليجي وآسيا الوسطى في جدة
في 19 يوليو 2023، استضافت مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية القمة التاريخية الأولى لقادة دول مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الوسطى.

وقد مثّل هذا الحدث مرحلة جديدة في العلاقات بين المنطقتين، وأرسى الأساس لتعاون متعدد الأطراف بشكل منهجي ومنظّم.
وقد ترأس القمة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بمشاركة رؤساء الجمهوريات الخمس لآسيا الوسطى وقادة دول مجلس التعاون الخليجي.

وفي كلمته الافتتاحية، شدد ولي العهد على الروابط التاريخية التي تجمع بين المنطقتين، كما أبرز الإمكانيات الاقتصادية للتعاون قائلاً:
“قمة اليوم ليست إلا امتدادًا لتلك الروابط، وتهدف إلى إطلاق بداية واعدة تستند إلى إرثنا التاريخي المشترك، وفرصنا ومواردنا البشرية، ونمونا الاقتصادي، الذي أسهم في بلوغ الناتج المحلي الإجمالي المجمع لدولنا نحو 2.3 تريليون دولار”.

وكان أبرز مخرجات القمة اعتماد خطة العمل المشتركة بين مجلس التعاون ودول آسيا الوسطى للفترة 2023–2027، والتي حددت المجالات الرئيسية للتعاون، بما في ذلك الحوار السياسي والأمن، والتعاون الاقتصادي وفرص الاستثمار، وتعزيز التبادل الثقافي والإنساني، وإقامة شراكات فعالة بين قطاعات الأعمال.

وقال ولي العهد السعودي:
“نرحب باعتماد خطة العمل المشتركة بين مجلس التعاون ودول آسيا الوسطى للفترة 2023–2027، والتي تتضمن العمل على الاستقرار السياسي، وتعزيز الحوار، والتعاون الاقتصادي والاستثماري، وإقامة شراكات فعالة”.

كما دعا المشاركون في القمة إلى تكثيف الجهود لضمان أمن الطاقة، وتعزيز مرونة سلاسل الإمداد الغذائي العالمية.
وقدم قادة آسيا الوسطى مقترحات محددة للتعاون:
* رئيس أوزبكستان شوكت ميرضيائيف اقترح إنشاء مجلس مشترك للمستثمرين يضم ممثلين عن قطاع الأعمال، وعقد أول اجتماع له في مدينة سمرقند. كما دعا إلى إنشاء منطقة تجارة حرة مع دول الخليج، وحثّ الشركاء على المشاركة الفعالة في مشروع السكك الحديدية العابرة لأفغانستان، الذي يربط دول الخليج بآسيا الوسطى عبر أقصر مسار. واقترح أيضًا إطلاق فضاء سياحي موحد بدون تأشيرات تحت مسمى “الخليج – آسيا الوسطى”.
* رئيس قيرغيزستان صادر جباروف دعا دول الخليج للمشاركة في بناء سكة الحديد الصين–قيرغيزستان–أوزبكستان، إضافة إلى محطة “كامبار–آتا–1” الكهرومائية.
* رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف اقترح إنشاء آلية لعقد اجتماعات دورية لوزراء الزراعة، وتطوير التعاون في مجال الطاقة.
* رئيس طاجيكستان إمام علي رحمن ركّز على ضرورة إنشاء صندوق متخصص لدعم الاستثمار والتنمية.
* رئيس تركمانستان سردار بردي محمدوف اقترح إنشاء لجنة مشتركة للنقل ضمن إطار “آسيا الوسطى – مجلس التعاون الخليجي”.

وقد أكد القادة على أهمية تعزيز العلاقات السياسية والاستراتيجية على المستويين الجماعي والثنائي، واستمرار التنسيق السياسي لتحقيق الأمن والاستقرار على المستويين الإقليمي والدولي.

وفي هذا الإطار، تم إنشاء آلية دائمة تتمثل في عقد اجتماعات منتظمة لوزراء خارجية دول آسيا الوسطى ودول مجلس التعاون، لضمان استمرار الحوار السياسي بين المنطقتين.

ومن أبرز قرارات القمة أيضًا، تحديد أوزبكستان كدولة مضيفة للقمة القادمة.
القمة الثانية في سمرقند
في أعقاب النجاح الذي حققته القمة الأولى بين مجلس التعاون الخليجي وآسيا الوسطى، بدأت تحضيرات نشطة لعقد القمة الثانية، المقرر انعقادها في أوزبكستان في مايو 2025. ويُعد اختيار مدينة سمرقند، إحدى أقدم مدن آسيا الوسطى ذات التاريخ العريق والإرث الثقافي الغني، مكانًا رمزيًا لانعقاد القمة. فعلى مدار قرون، كانت سمرقند مركزًا رئيسيًا للتبادل التجاري، والتقدّم الفكري، والدبلوماسية الدولية.

ومن منظور تاريخي، لطالما نظرت سمرقند إلى العالم كوحدة متكاملة لا تعرف الحواجز المصطنعة أو الانقسام. وتُمثل هذه الرؤية جوهر الظاهرة المعروفة باسم “توافق سمرقند”، والتي أصبحت في العصر الحديث أساسًا لنموذج جديد كليًا في التفاعل الدولي.

تتضمّن التحضيرات للقمة الثانية سلسلة من الخطوات الهامة تهدف إلى تنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها خلال القمة الأولى، ووضع جدول أعمال القمة المقبلة على أعلى المستويات.

وفي ديسمبر 2024، جرى اتصال هاتفي بين رئيس أوزبكستان شوكت ميرضيائيف وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، تم خلاله بحث التحضيرات الجارية للقمة.

وشكّلت الاجتماع الوزاري الثاني للحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون الخليجي وآسيا الوسطى، والذي عُقد في طشقند في 15 أبريل 2024، محطة رئيسية ضمن هذه التحضيرات. وقد خُصص هذا اللقاء لمراجعة تنفيذ نتائج القمة الأولى، وتحديد خطوات التعاون المستقبلية.

وفي ختام الاجتماع، شدد الوزراء على أهمية تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية بين المنطقتين، بما في ذلك التعاون في تعزيز مرونة سلاسل التوريد، وتطوير شبكات النقل والعبور، والأمن الغذائي، وموارد الطاقة والمياه، إلى جانب تنفيذ مشاريع استثمارية مشتركة وتطوير الطاقة النظيفة.

كما أولوا اهتمامًا خاصًا للتحضير لعقد المنتدى الاستثماري الأول بين دول الخليج وآسيا الوسطى، والذي أُقيم في الرياض في 29 مايو 2024.

ومن بين النتائج المتوقعة لقمة سمرقند:
* اعتماد وثائق استراتيجية جديدة تُحدد مسارات تطوير التعاون المستقبلي بين المنطقتين،
* إطلاق مشاريع ومبادرات مشتركة،
* تعزيز الإطار المؤسسي للتعاون.
وسيكون هناك تركيز خاص على التحول الرقمي، والابتكار، والذكاء الاصطناعي، والاقتصاد المستدام، والزراعة الذكية.
تعمل أوزبكستان، بصفتها الدولة المستضيفة، على تحضيرات مكثفة للقمة، مستفيدة من خبرتها في تنظيم فعاليات دولية مماثلة.
فعلى غرار التحضيرات لقمة “آسيا الوسطى – الاتحاد الأوروبي” التي عُقدت في سمرقند يومي 3 و4 أبريل 2025، من المتوقع تنفيذ ترتيبات واسعة النطاق لضمان الأمن، واللوجستيات، والبنية التحتية المناسبة لهذا الحدث رفيع المستوى.

وتُعد ضمان استمرارية وتطوير مخرجات القمة الأولى من أهم المهام في التحضير للقمة الثانية، إلى جانب صياغة استراتيجية تعاون طويلة الأمد تراعي مصالح جميع الدول المشاركة وتتصدى للتحديات المعاصرة.
المجالات الرئيسية للتعاون بين دول آسيا الوسطى ودول مجلس التعاون الخليجي

يُعد التعاون الاقتصادي والاستثماري من الركائز الأساسية للتفاعل بين دول مجلس التعاون الخليجي وآسيا الوسطى. ويشير المحللون إلى أن النشاط الاقتصادي لدول الخليج في آسيا الوسطى شهد توسعًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، مدفوعًا برغبة دول الخليج في تنويع اقتصاداتها، وكذلك تحسن مناخ الاستثمار في دول آسيا الوسطى.

ومن أبرز الدوافع وراء اهتمام دول الخليج بالمنطقة، هو سعيها إلى التحول نحو اقتصاد متنوع وتقليل الاعتماد على قطاع النفط والغاز. وفي هذا السياق، تتناغم استراتيجيات التنمية طويلة الأمد التي تعتمدها دول الخليج، والتي تهدف إلى بناء اقتصادات غير نفطية والاستثمار في التقنيات الخضراء، مع رؤى دول آسيا الوسطى، التي تنظر إلى التقدم الابتكاري في دول الخليج كنموذج تنموي جذاب.

وتُعد آسيا الوسطى سوقًا واعدًا يضم أكثر من 80 مليون مستهلك، وتمتلك المنطقة 7% من احتياطات النفط والغاز في العالم، بالإضافة إلى احتياطات كبيرة من المعادن النادرة والاستراتيجية. وتقدّر احتياطات 10 مواد حيوية تُستخرج في المنطقة بنسبة تتراوح بين 5.2% و38.6% من إجمالي الاحتياطي العالمي.

ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، سيُتجاوز عدد سكان المنطقة 100 مليون نسمة بحلول عام 2050، وستظل واحدة من أصغر المناطق سنًا، إذ يبلغ متوسط العمر فيها نحو 30 عامًا.

وشهد اقتصاد المنطقة نموًا ملحوظًا خلال السنوات السبع الماضية، حيث ارتفع من 273.3 مليار دولار إلى 450 مليار دولار، ما يدل على الإمكانيات الكبيرة في مجالي الاستثمار والتجارة.

ويمتاز التعاون الاقتصادي بين الجانبين بطابعه القطاعي المتعدد. إذ توجه الاستثمارات الخليجية إلى مختلف القطاعات في اقتصادات آسيا الوسطى، مثل:
* الطاقة
* الزراعة
* البنية التحتية
* العقارات
* السياحة
* الخدمات المالية
ويُعد التعاون في الطاقة المتجددة من أبرز مجالات التفاعل. حيث تنفّذ شركات رائدة من دول الخليج، مثل ACWA Power، مصدر، مبادلة، TACA ونيبراس للطاقة، مشاريع لإنشاء محطات طاقة شمسية ورياح في آسيا الوسطى.
فعلى سبيل المثال، تخطط أوزبكستان لبناء منشآت بطاقة إجمالية تتجاوز 15 غيغاواط، تشمل أنظمة لتخزين الطاقة، وهو ما يساهم في تطوير منظومة الطاقة المستدامة واعتماد التكنولوجيا الحديثة في المنطقة.

ومن المبادرات المهمة المطروحة:
* إعداد خارطة طريق شاملة للتعاون في مجال الطاقة المتجددة
* إنشاء برنامج بحثي في “جامعة المناخ” في أوزبكستان
والتي من شأنها أن توحّد بين الإمكانات التكنولوجية لدول الخليج والموارد الطبيعية لآسيا الوسطى.

ويحظى تحفيز الاستثمارات باهتمام خاص، حيث ناقش المشاركون في الاجتماع الوزاري الثاني للحوار الاستراتيجي آليات جديدة لتشجيع الاستثمار.
ومن الأدوات المقترحة لتنسيق المشاريع الكبرى في البنية التحتية والطاقة، مجلس المستثمرين الخليجي – آسيا الوسطى.

ويكتسب تطوير البنية التحتية الرقمية أهمية متزايدة، حيث يُقترح إنشاء منصة تجارة إلكترونية موحدة بين آسيا الوسطى ودول الخليج، مما سيسهم في رفع حجم التجارة الرقمية، خصوصًا في ظل التحديات العالمية التي تؤثر على سلاسل التوريد التقليدية.
البنية التحتية للنقل واللوجستيات:
أصبحت البنية التحتية للنقل واللوجستيات عنصرًا بالغ الأهمية لتعميق الاندماج الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي وآسيا الوسطى.

وتشمل المبادرة التي اقترحها رئيس أوزبكستان في قمة جدة تنفيذ مشروع سكة حديد العبور عبر أفغانستان. ويُقدّر الخبراء أن هذه المبادرة الاستراتيجية يمكن أن تُقلل من زمن نقل البضائع بين المنطقتين بنسبة تتراوح بين 30 إلى 40%، كما يمكن أن تخفض تكاليف اللوجستيات بنسبة تتراوح بين 15 إلى 20%.
بالإضافة إلى ذلك، أبدت دول مجلس التعاون الخليجي اهتمامًا كبيرًا بالمشاركة في بناء ممرات النقل العابرة للقارات، بما في ذلك السكك الحديدية بين الصين وقيرغيزستان وأوزبكستان و سكك حديد أوزبكستان – أفغانستان – باكستان، التي يمكن أن تُحسن بشكل كبير ترابط آسيا الوسطى مع الأسواق العالمية.

السياحة أصبحت أيضًا عنصرًا هامًا في التعاون الاقتصادي بين المنطقتين. فقد تم توسيع الرحلات الجوية المنتظمة بين عواصم المنطقتين، وتم تطوير مسارات سياحية مشتركة. كما أن تطبيق نظام الإعفاء من التأشيرات بين دول آسيا الوسطى ودول الخليج يعزز تدفقات السياح ويُسهم في تعزيز الروابط التجارية.

الأمن ومكافحة الإرهاب يحتلان مكانة بارزة في أجندة التعاون بين الجانبين. فكلا المنطقتين تواجهان تحديات أمنية خطيرة، تشمل الإرهاب، والتطرف، وتهريب المخدرات، والجريمة العابرة للحدود، وفي هذا السياق، أصبحت تنسيق الجهود الأمنية أولوية رئيسية في التفاعل بين المنطقتين.

في قمة جدة، أكد قادة دول مجلس التعاون الخليجي وآسيا الوسطى على ضرورة التنسيق السياسي المستمر لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي. كما أبرز البيان المشترك الصادر بعد القمة أهمية تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب، والتطرف، وأشكال الجريمة العابرة للحدود.

تحظى أفغانستان باهتمام خاص من المجتمع الدولي، حيث إن السلام المستدام في أفغانستان يُعد أمرًا حيويًا ليس فقط لاستقرار المنطقة بل أيضًا للأمن العالمي. إذ أن أفغانستان التي تُشارك حدودًا مع ثلاث دول من آسيا الوسطى تُعد عاملًا حاسمًا في استقرار المنطقة بأسرها، ما يتطلب تضافر الجهود من جميع الأطراف، بما في ذلك دول الخليج وآسيا الوسطى.
كما تشمل التعاون الأمني مكافحة تمويل الإرهاب، ومواجهة التطرف والدعاية المتطرفة، خصوصًا في الفضاءات الإلكترونية. وتتمتع دول المنطقتين بخبرات كبيرة في هذه المجالات، ويمكن أن يُعزز توحيد الجهود من فعالية التصدي لهذه التهديدات.
وفي إطار تأسيس التعاون الأمني المؤسسي، تجري مناقشات لتأسيس آلية استشارية منتظمة بين السلطات المعنية من دول الخليج وآسيا الوسطى، بالإضافة إلى إجراء ندوات مشتركة، مؤتمرات، وفعاليات أخرى تهدف إلى مشاركة الخبرات وتطوير منهجيات مشتركة لمواجهة التحديات الأمنية.

من المهم التأكيد على أن التعاون الأمني بين دول مجلس التعاون الخليجي وآسيا الوسطى يقوم على مبادئ احترام السيادة، والسلامة الإقليمية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، مما يُشكل أساسًا قويًا للتفاعل بين الجانبين.
تُمكّن هذه المبادئ الأساسية، التي تمتد لتشمل جميع مجالات الحوار بين المناطق، من بناء شراكات طويلة الأمد قائمة على المساواة و الاحترام المتبادل لمصالح جميع الأطراف.

علاوة على ذلك، تمثل هذه الروابط نموذجًا جديدًا جذريًا للدبلوماسية الإقليمية، يتميز بالطابع الشامل للتفاعل و التنفيذ متعدد الأبعاد للمبادرات.
يمتد إمكان هذا النموذج إلى ما هو أبعد من التعاون الثنائي، ليكتسب أهمية استراتيجية في سياق تشكيل ممرات النقل واللوجستيات الجديدة، والتحالفات في مجال الطاقة، وآليات الاستثمار عبر الامتداد الواسع من شبه الجزيرة العربية إلى حدود الصين، وفي الوقت نفسه، تخلق القيم الثقافية والحضارية المشتركة و التراث التاريخي أساسًا قويًا للتعاون طويل الأمد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى