
ما وراء القمر
ياسمين عبدالمحسن إبراهيم
المدير التنفيذي لشركة رواق الابتكار
مدربة في مجال اكتشاف وتطوير المهارات
مهتمة بمجال تطوير الأعمال
يُعتبر ضوء القمر واحدًا من أجمل المناظر التي تأسر الأعين وتسحر القلوب، حيث يتغنى به الشعراء وتُسطَّر فيه القصائد. ولكن، رغم جاذبيته وتأثيره الساحر، فإن هذا الضوء ليس إلا انعكاسًا للنور الذي استلهمه من رفيقته الأبدية، الشمس. القمر، في جوهره، لا يملك نوره الخاص، بل هو يكتسبه من الشمس التي تمنحه الإشراق ليضيء السماء ليلاً. هكذا هي الحياة، نحن مثل القمر، نحتاج إلى الرفقة كي نُضيء، وإلى من يمدنا بالنور في ظلمات الطريق.
من أسباب ذبول الإنسان في الحياة: عدم الانتماء لأحد، وانعدام طَعم الحياة بسبب انعدام الأُنس — هكذا قال مصطفى حسني داعية إسلامي مصري، فكأنّه لامس قلوبًا كثيرة تُخفي وحدتها خلف الابتسامات. نعم، فالحياة مهما ازدانت بالأشياء، تبقى باهتة إذا خلت من شخص نأنس به، نشاركه الحديث، وتطمئنّ أرواحنا بقربه.
الإنسان مخلوقٌ اجتماعيٌّ بطبعه، خلقه الله ليتآلف ويتواصل، لا ليعيش في عزلة موحشة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “المؤمنُ يألفُ ويُؤلف، ولا خيرَ فيمن لا يألفُ ولا يُؤلف” [رواه أحمد].
فالأنس ليس مجرد شعور عابر، بل حاجة فطرية، تُغذي الروح، وتمنحها القدرة على الاستمرار وسط تعب الحياة.
إنّ الرحلة في هذه الدنيا ليست فردية، ولن تكون كذلك مهما ظن البعض، فلا تنخدع بالأفكار التي تُزيِّن العزلة وتُجمِّل الوحدة. الإنسان لا يكتمل إلا بالآخر، ولا تطيب له الحياة إلا بمَن يرافقه فيها. والمتعة لا تكمن في بلوغ الهدف، ولا في عبور الطريق، بل في القلب الذي يسير بجانبك، يشاركك الضحك حين تفرح، ويُهوِّن عليك حين تتعب، ويُذكّرك أنّك لست وحدك مهما اشتدّ الدرب.
فبين النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه كان هناك حبٌّ ووفاءٌ يفوق الكلمات. ففي أصعب اللحظات، كان أبو بكر هو الرفيق الذي حفظ للنبي الأمان، وكان لحظة الهجرة رمزًا للصداقة الحقيقية التي لا يشوبها شائبة.
الرفقة الطيبة لا تُقدَّر بثمن، فهي التي تُخفف عنا أثقال الأيام، وتجعل الطريق وإن طال، ممهّدًا بالحب والاحتواء. وكما قيل في الحكمة: “الصديق وطنٌ صغير، وعونٌ عند الشدة، ونسمةُ راحةٍ حين تَضيقُ الدنيا.”
كثيرةٌ هي لحظات النجاح التي لا تكتمل إلا بمشاركة من نحب، وكثيرةٌ هي الأوقات الصعبة التي لا ننجو منها إلا بوجود من يُهوّنها علينا. والمثير أن دراسات علم النفس تُؤكّد أن العلاقات الاجتماعية الداعمة تُسهم في تحسين الصحة النفسية والجسدية، وتُقلّل من التوتر، بل وتُطيل العمر.
يقول الشاعر:
وما طابَ عيشٌ لا يُؤنسُهُ رفيقٌ… ولا صفا وقتٌ بلا خلٍّ يُصادقُهُ.
فلا تتردّد في البحث عن الصُحبة الصادقة، ولا تخجل من حاجتك إلى الأُنس، فكلنا نحتاج من يمسك بأيدينا في التعب، ويضحك معنا من القلب، ويرى فينا الإنسان، لا الإنجاز.
إجعل حياتك مليئة بالقلوب، لا بالأشياء. واختر لنفسك رفيقًا لا تُحسَب معه الأيام، بل تُزهِر.