مفاهـيم الدبلوماسية والمتحدث الرسمي..
الدكـتـور/ سعـدون بن حسـين الحمـداني
دبلوماسي سابق ، عـضو جمعـية الصحفـيين العـمانية
مفاهـيم الدبلوماسية والمتحدث الرسمي..
كثير من الدول المتقدمة بدأت بعد الحرب العالمية الثانية وخاصة في سبعينات القرن الماضي باستحداث منصب أو وظيفة المتحدث الرسمي (م. س) سواء على مستوى الدول أو على مستوى الشركات الاقتصادية الكبرى، لأن من مهام وظيفة المتحدث الرسمي (م. س) هو إعطاء المعلومة الصحيحة والموثقة وغير محرفة والصادرة من الجهة التي ينتمي إليها (ما عدا المتحدث الرسمي العسكري في حالة الحرب).
هناك عدة أبواب ومجالات تغوص في مفاهيم المتحدث الرسمي ومنها: المهارات/ الخصائص/ النظريات والمفاهيم/ التعريف والتاريخ/ الأهمية الإعلامية والتكتيكية/ تأثير المتحدث الرسمي على الدبلوماسية/ صلاحية المتحدث الرسمي (م. س)/ وظائف وأدوار (م. س )/ جاذبية وكاريزما وصفات (م. س)/ المستوى الأكاديمي والمهني (م.س) وغيرها من الامور التي تلعب دوراً جوهرياً في ذلك.
إذ تشير سجلات التاريخ أن بدايات المتحدث الرسمي بدأت في العصر العباسي حيث الكثير من الحكام كانوا يخصصون شخصاً معيناً ليقوم بدور (م. س) دون أن يحمل ذلك المسمى، لإذاعة أخبار معينة خصوصاً ما يتعلق بالأوامر والنواهي أو إذاعة أخبار الانتصارات وغيرها فقد عُرفت وظيفة (المنادي أو المذيع) ، وهو رجل يقوم بإعلان القرارات والفرمانات التي يصدرها الحاكم أو السلطان، إذ يدور المنادي في الأسواق وبين الحارات، إما مشياً على الأقدام أو ركوباً على الدواب، ليخبر الناس بالقرار أو الفرمان مصاحباً ذلك بضرب الدف أو الطبل ليلفت انبتاه الناس. أما بعد عصر النهضة أو عصر الصناعة في نهاية القرن الخامس عشر ومع بدأ اختراع الطباعة، بدأ الحكام يعلنون عن أخبارهم وسياساتهم عبر المنشورات المطبوعة وتعتبر هي المتحدث الرسمي لهم، وعرفت هذه الظاهرة في الدول الغربية كون الطباعة نشأت فيها .
يعرف (م.س) بأنه هو الواجهة الرسمية المعتمدة التي يمثلها سواء كمؤسسة حكومية أو أهلية وعليه أن يمتلك المهارات الأساسية لفن الاتصال والتواصل الاجتماعي والكاريزما المؤثرة في المحيط الإعلامي لما يملكه من مستوى أكاديمي ومهني طويل في هذا المجال، والمصداقية في نقل المعلومة الى الجمهور بالاضافة الى الحنكة اللغوية لكتابة المعلومات بطريقة إقناعية، وتنظيم ذلك بطريقة تسلسلية صحيحة لإبراز الفكرة الأساسية مستعيناً بقدر الإمكان بالحقائق لتدعيم ما يريد الإشارة إليه مع استبعاد أي تناقض قد يظهر في الأفكار المطروحة والأكاذيب، لذلك يجب على (م. س ) التأكد من دقة المعلومات التي حصل عليها، فكلما تم صياغة الأفكار بطريقة بسيطة وسلسة الأداء وواضحة المعالم ليصبح المتحدث أكثر خبرة في إقناع الآخرين بما يحمل في جعبته.
لذلك فإن وظيفة (م.س) ليست شخصية تلقي الخطب والبيانات الرسمية على الجمهور ووسائل الإعلام فحسب بل إنها العقل الإعلامي الذي يمتلك المهارات المتنوعة والموهبة الحرفية والمهنية ما يؤهله لتحقيق الأهداف بشكل يرضي المسؤولين (على اختلاف مناصبهم سواء الحكومي ، الاهلي ، القطاع المختلط).
من أهم أعمدة المتحدث الرسمي (م. س) هي : المرسل وهو مصدر الرسالة أو الحدث الذي سوف يبدأ النطق فيه ويبث ما في جعبته للجمهور / الرسالة : تحتوي على معلومات وجوهر القضية المراد إيصالها مدعومة بالأرقام والوثائق والأدلة ووسائل الإيضاح من فيديوهات أو صور على ان تكون دقيقة وواضحة ومحدثة /وسيلة الاتصال: هي المجال أو الموجه أو القناة التي تنتقل بها الرسالة من المرسل الى المستقبل مثال؛ (اللقاءات الصحفية المباشرة/ المؤتمرات/ الإذاعات / التلفاز/ شبكة الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي الاخرى).
المُستقبل : تحدد الجهة المستهدفة قبل الشروع باللقاء أو المؤتمر الصحفي فلا يمكن اطلاقاً دعوة محرري الأخبار الاقتصادية لموضوع أو كارثة طبيعية أو حدث سياسي أو دبلوماسي/ رد الفعل أو الاستجابة : وهو أمر طبيعي جداً بعد بث الخبر من قبل المتحدث الرسمي حيث يكون هناك ردود افعال مختلفة وأن هناك من يصطاد بالماء العكر لذلك على (م. س) ان يكون جاهز وبكفاءة عالية ومهنية محنكة بالإجابة على الاسئلة المطروحة كرد فعل بعد الانتهاء من التصريح.
إن من أهم خصائص كاريزما المتحدث الرسمي هو الاتصال غير اللفظي الذي يتضمن الإيماءات وتعبيرات الوجه التي تساعد بدرجة كبيرة في العملية ايصال الحدث أو القضية ومن المهم جداً أن يكون المتحدث جزءا من الفريق الاستراتيجي، فإذا كان هناك مسؤول حكومي يعتزم أن يتخذ قراراً او تحديث فإنه بحاجة إلى معرفة كيف سيفهم الناس هذا الإجراء. ينبغي على (م. س) أن يكون متحدثا فعالا ًولديه علاقة وثيقة مبنية على الاحترام المتبادل مع المسؤول الحكومي، سواء كان رئيساً للوزراء أو رئيساً أو وزيرا أو رئيس وكالة حكومية أخرى.
وقد انتشر مفهوم المتحدث الرسمي في عصرنا الحديث بشكل واسع وقد قامت المؤسسات الاقتصادية الكبرى باستغلال فكرة المتحدث الرسمي أو الإعلامي للترويج للمنتج وإقناع الجمهور بها، كما واختارت بعض المؤسسات الحكومية وبعناية فائقة متحدثين إعلاميين رسميين يمتلكون الخبرة الكاملة والدراية التامة بأهداف الحدث وتفاصليه. وظفت بعض الدول المتحدث الرسمي او الإعلامي بشكل أفادها في تحقيق الأهداف التي سعت إليها، بينما لم تستطع دول أخرى الاستفادة الكاملة بدور المتحدث الرسمي وتوظيفه بالشكل المطلوب..
وفي الختام يفضل أن يكون (م. س) حاضراً على طاولة الاجتماع، وأن يساهم في المناقشة في مراحل الصياغة الأولية بدلا من محاولة تدارك الأمر فيما بعد أو مواجهة ردود فعل شعبية سلبية.