غـزوة أُحُــد..
خـالـد عـمـر حـشـوان
غـزوة أُحُــد..
غزوة أحد هي ثاني غزوة للمسلمين بعد عام واحد من غزوة بدر، وسميت بذلك نسبة إلى جبل أحد القريب من المدينة المنورة والذي وقعت أحداث الغزوة في أحد السفوح الجنوبية له في يوم السبت السابع من شهر شوال للعام الثالث للهجرة الموافق 23 مارس لعام 625م بين المسلمين وقبيلة قريش.
سبب غزوة أحد :
بعد هزيمة قبيلة قريش في غزوة بدر الكبرى، قامت قريش يجمع حلفائها للانتقام من المسلمين لاستعادة مكانتها بين القبائل العربية والانتقام لقادتها ورجالها الذين قتلوا في بدر، وقتال المسلمين في المدينة الذين أصبحوا يهددوا تجارتهم في رحلتي الشتاء والصيف.
نبذة عن جيش المسلمين وجيش قريش :
* جيش المسلمين :
استعد المسلمين لهذه الغزوة بألف مقاتل بقيادة الرسول عليه الصلاة والسلام وأنسحب منهم حوالي ثلاثمائة مقاتل (أي ثلث الجيش) قبل المعركة بسبب خيانة المنافقين.
* جيش قريش :
استعدت قريش بثلاثة آلاف مقاتل و700 درع و3000 بعير و200 فرس و15 ناقة للنساء، وكان الداعم الأول لجيش قريش هو أبو سفيان بحوالي خمسين ألف دينار، وتم دعمهم برجال مقاتلين من قبائل الأحباش وكنانة وأهل تهامة، وكان يقود الجيش أبو سفيان وخالد بن الوليد قائدا للفرسان (قبل إسلامه) ويعاونه عكرمة بن أبي جهل وأما قيادة اللواء فكانت لبني عبد الدار.
خيانة رأس النفاق عبد الله بن أُبَيْ ين سلول قبل المعركة :
كانت أسوأ خيانة في غزوة أحد مبكرا حين انسحب المنافق عبد الله بن أبي سلول بثلث الجيش عند بستان يقع بين المدينة وجبل أحد بحجة عدم وقوع قتال مع المشركين ومعترضا على قرار القتال خارج المدينة رغما عنه وهي حيلة ابتدعها لإيقاع البلبلة في صفوف جيش المسلمين، ورغم محاولة عبد الله بن عمرو بن حرام إقناع المنافقين بالعودة إلا أنهم أبوا ( رفضوا) وجاء فيهم قول الله تعالى في سورة آل عمران ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ 166 ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا ۖ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ﴾ 167.
خطة المسلمين في غزوة أحد :
خطط الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام على أن تكون المدينة أمامه وجبل أحد من خلفه ووضع خمسين مقاتل من الرماة على قمة هضبة عالية مشرفة على الميدان ويقودهم عبدالله بن جبير وأمرهم بالبقاء في أماكنهم وعدم المغادرة إلا بإذنه وقسم الجيش لعدة أقسام وقام بقيادة المقدمة بنفسه.
أحداث الغزوة الكبيرة :
وصل جيش قريش منطقة عينين في بطن السبخة وعسكر هناك وأمر الرسول عليه الصلاة والسلام سكان المدينة بالبقاء فيها، وعندما تقارب الجمعان، نادى أبو سفيان بعدم رغبة مكة لقتال يثرب (اسم المدينة سابقا) وقوبل عرضه بالاستنكار، وبدأت المعركة بهتاف الرسول عليه الصلاة والسلام لجيشه “أمت، أمت” وقتل المسلمين أصحاب اللواء من بني عبد الدار وقتل على بن أبي طالب طلحة حامل لواء قريش، فأخذ اللواء بعده أبو سعد الذي قتله سعد بن أبي وقاص، فحمل لواء قريش عبد حبشي لبني عبد الدار يسمى (صوأب) وقتل أيضا، فحملت اللواء عمرة بنت علقمة الحارثية الكنانية زوجة غراب بن سفيان الكناني وبقي اللواء مرفوعا.
انتشر المسلمين في كتائب متفرقة وأصابت نبال المسلمين كثيرا من خيل قريش وبدأ جيشهم بإلقاء الدروع والتروس تخففا للهرب، وفي هذه اللحظة صاح رماة الجبل “الغنيمة، الغنيمة” ونزل أربعون منهم من مواقعهم التي حذرهم الرسول عليه الصلاة والسلام بعدم تركها، وبقيت ميمنة خالد بن الوليد وميسرة عكرمة بن أبي جهل ثابتة تترقب الفرصة، وبهجوم سريع أطبقت الأجنحة على وسط المسلمين وتمكنت مجموعة منهم الوصول للرسول عليه الصلاة والسلام بعد تفرق الصحابة وأستطاع عتبة بن أبي وقاص الزهري الوصول للرسول عليه الصلاة والسلام وكسر خوذته على رأسه الشريف وأحدث عبدالله بن شهاب الزهري قطعا في جبهته الطاهرة وعبدالله بن قمئه الليثي الكناني من كسر أنفه، فلاحظ ذلك أبو دجانة ذلك وأرتمى فوق النبي ليحميه ووقعت النبل على ظهره فهب المقاتلون لنجدة الرسول عليه الصلاة والسلام ومنهم مصعب بن عمير وزياد بن السكن وخمسة من الأنصار ولكنهم قتلوا جميعا وظن عبدالله بن قمئه أنه قتل الرسول عليه الصلاة والسلام الذي كان يتابع صعوده في شعب الجبل متحاملا على طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، فحاول أبي بن خلف الجمحي قتل الرسول فتصدى له بنفسه وطعنه في جيب درعه وقع يخور منها خوار الثور ومات بعدها بيوم أو بعض يوم.
بدأ الرسول يدعوا المسلمين إليه وصعدوا فوق الجبل وانحازت إليه الطائفة التي اعتصمت بالصخرة، بعد الله وقت الفرار وعادوا إلى صوابهم عندما وجدوا الرسول عليه الصلاة والسلام حي يرزق، وأمر الرسول الصحابة أن ينزلوا قريشا من قمة الجبل ويحصبوهم بالحجارة (أي يقذفوهم) حتى أجلوهم عنها، وظن المسلمون أن قريش تنسحب لمهاجمة المدينة، فطلب الرسول عليه الصلاة والسلام من علي بن أبي طالب اللحاق بهم لمعرفة ذلك، وقال ” فإن هم جنبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة، وإن هم ركبوا الخيل وساقوا الإبل فهم يريدون المدينة، فوالذي نفسي بيده لئن أرادوها (يعني المدينة) لأسيرن إليهم ثم لأناجزهم فيها” فخرج علي بن أبي طالب وعرف أنهم متجهون إلى مكة.
بعد أن احتمى المسلمون بالله ثم بصخرة في جبل أحد، نادى أبو سفيان من سفح الصخرة ” أفي القوم محمد؟” ثلاث مرات، وأستمر ” أفي القوم ابن أبي قحافة؟” (ويقصد أبا بكر)، وتابع ” أفي القوم ابن الخطاب؟” ثم قال لأصحابه ” أما هؤلاء فقد قتلوا ” فلم يتمالك عمر بن الخطاب نفسه وأجابه ” كذبت والله، إن الذين عددتهم لأحياء كلهم” فصاح أبو سفيان ” الحرب سجال أعلى هبل، يوم بيوم بدر” فقال الرسول عليه الصلاة والسلام ” الله أعلى وأجل لا سواء ! قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار”.
ما بعد غزوة أحد :
انتهت المعركة بقتل سبعين مسلما أربعة منهم من المهاجرين أشهرهم حمزة بن عبد المطلب (سيد الشهداء) وكانت خسائر قريش 23 مقاتلاً، وأمر الرسول عليه الصلاة والسلام بدفن الشهداء في أماكنهم بدمائهم وألا يُغَسَّلوا ولا يُصَلَّى عليهم، وكان يجمع بين الرجلين في ثوب واحد، وحزن الرسول عليه الصلاة والسلام على مقتل عمه حمزة بن عبد المطلب وما فعلته قريش من شناعة المثلة في جسمه وتألم أشد الألم وبكى عليه كثيراً ووضعه في القبلة ووقف على جنازته لأنه كان يحبه أشد الحب وقال : “لن أصاب بمثلك أبدا، ما وقفت قط موقفاً أغيظ إليّ من هذا”.
فوائد غزوة أحد للمسلمين :
* حكمة الله في تعليم المسلمين وتطهير قلوبهم من حب الدنيا والتعلق بالغنائم وأن النصر غير مضمون لهم.
* طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام مهمة للغاية وعصيانه عواقبه سلبية ووخيمة كما فعل الرماة بنزولهم.
* عند الهزيمة لابد من لوم الأنفس والتوبة من الخطايا التي كانت سببا في الهزيمة والإعداد الجيد للمستقبل.
* رحمة الرسول بالعصاة والمخطئين وعدم القسوة عليهم ومنحهم الفرصة لتصحيح الأخطاء والعفو عنهم.
* الأيام دُوَل بين الناس وهو ما حدث من المسلمين بعد هزيمة أحد وعملوا بجد وعزم للنصر في غزوة الخندق.
* تمييز المؤمن الصادق من المنافق الكاذب الذي دخل الإسلام ظاهرا، وكشف الله للمنافقين في هذه الغزوة.
* علو مرتبة الشهادة عند الله والتي لا يمنحها إلا لخواصه والمقربون منه الذين يحب أن تراق دماؤهم في محبته.
* بيان قيادة وشجاعة الرسول عليه الصلاة والسلام القلبية والعقلية وثباته في المعركة وقتله أبي بن خلف الذي واجهه بنفسه.
وأختم بأن أكبر الدروس من غزوة أحد هو ضرورة اتباع أوامر الحاكم أو القائد، وعدم أخذ القرارات الفردية التي غالباً ما تكون عواقبها سيئة للغاية، وقد تؤدي لخسائر في الأرواح والماديات، والالتزام بأدق التفاصيل خاصة في الأمور الحساسة والدقيقة التي تحتاج إلى الطاعة الكاملة، والتعاون مع القيادة لبلوغ الأهداف المطلوبة، مع عدم النظر للدنيا ومغرياتها والسعي لها على حساب المصلحة العامة للمسلمين.