بـهـجـة الـعـيـد..
رحمة بنت مبارك السلماني
بـهـجـة الـعـيـد..
حزمنا أمتعتنا وحقائبنا هذه المرة ليس لسفر بعيد، بل لقضاء إجازة عيد الأضحى أو (العيد الكبير) كما يحلو للأجداد وكبار السن تسميته، اجتمع جميع أفراد العائلة صغيرهم وكبيرهم في البيت الكبير، الذي هو في الواقع بيت شعبي تقل مساحته عن مساحة منازلنا ذات الدورين على الأقل، ولكنه أكثر رحابة منها بكثير، وأكثر دفئاً وراحة رغم بساطة فرشه وأثاثه، ويعج بالفخامة رغم قِدَم بنيانه وتهالك جدرانه، وننعم بالطمأنينة في حوشه الواسع، الذي لا زال يحتمل ازعاج أبناء العائلة المشاغبين حينما يجتمعون سوية، والسبلة المصنوعة من سعف النخيل التي ظلت تكتم أسرارنا الصغيرة والكبيرة وهمساتنا وحكاياتنا وضحكاتنا وسهراتنا وأغانينا وأمانينا ودعواتنا.
منذ الصباح الباكر وعلى صوت تكبيرات الاحرام، تفوح رائحة القهوة وتنافسها رائحة البخور والعود لتختلط تلك الروائح وتُعطّر الأجواء، في الوقت الذي يصادف خروج الرجال، كباراً وصغاراً، شباباً وشياباً؛ لأداء صلاة العيد، متباهين بملابسهم البيضاء وعصيهم وعمائمهم الملفوفة على رؤوسهم ببراعة، وخناجرهم الفضية ومحازمهم المشدودة على خصورهم لتضفي على أناقتهم شهامة وشجاعة، ثم يتبادلون التهاني والتبريكات بعد صلاة العيد مباشرة، ثم بعد ذلك يتوجهون لذبح الأضاحي.
في العيد تتميز النساء والفتيات بملابسهن التقليدية الجميلة في الغالب، بالإضافة إلى الحُلي من الذهب والفضة، لكن في العصر الحالي هناك من يفضلن ارتداء أزياء حديثة تماشياً مع التقليعات العصرية، ومن الأساسيات التي تحرص عليها النساء في العيد أيضاً، نقوش الحناء المرسومة بعناية وإتقان على الكفوف والأقدام، كما تضع بعض مساحيق التجميل البراقة لتزيد بريق العيد وهجاً، ثم تبدأ بمعايدة الأهل والأقارب والأحبة، بينما ينتشر الأطفال ذكوراً وإناثاً وهم في أبهى حلة، في فِرَق وجماعات بين بيوت الحارة والحارات المجاورة للحصول على العيدية، ترافقهم فرحتهم بملابسهم الجديدة، وتُزين محياهم ابتساماتهم وضحكاتهم العفوية.
منذ اليوم الأول للعيد وحتى اليوم الثالث كانت أيام مليئة بالفرح والسعادة والبهجة، مارسنا فيها جميع طقوس العيد وتفاصيله بود وحب، وهنئنا جميع من نعرف ونحب، ودعونا لمن غادرونا من أعماق القلب، كما كانت أيام مفعمة بالكثير من الفعاليات التي زادت العيد جمالاً وأُلفة، ومتخمة باللحم والأكلات الشعبية الأصيلة كالمحمَّس أو القلية أو المقلّاي في بعض الولايات، والشواء والعرسية والمشاكيك، في الواقع إن أيام العيد الثلاثة رغم صخبها وضجيجها وامتلائها بالكثير من المرح، إلا أنها مرت سريعاً بلمح البصر، وقبل أن تستوعب كل المشاعر الجياشة التي ملأت قلوبنا.
انتهى العيد وخفتت التهاني وتلاشت الضحكات وخُلعت الخناجر والمحازم، وأُعيدت الحُلي إلى صناديقها وخزائنها، وبهت نقش الحناء على الكفوف، ولكن لم تنطفئ بهجة العيد في دواخلنا، بل حملناها معنا حينما حملنا أمتعتنا عائدين لدواماتنا ولأيامنا العادية؛ لتمدنا بالحماس لكسر روتين الحياة الممل، فقد جاء عيد الأضحى هذا العام ببهجة عظيمة وفرحة عارمة وصخب كبير، شعرنا معه كأننا نحتفل بالعيد لأول مرة، أو كأنه مكافأة مجزية بعد طول حرمان، ولله الحمد والمنة والفضل من قبل ومن بعد.