مقالات وآراء

نفحات رمضانية .. رحمةً للعالمين..

المستـشار/ عبدالعزيز بدر القطان

كاتب ومفكر وقانوني – الكويت

 

نفحات رمضانية .. رحمةً للعالمين..

 

حين انصرفت مشيئة الله تبارك وتعالى إلى خلق الكون، حين أراد ان يخلق المجرات والنجوم والشموس والكواكب والأراضي وقال له كن فكان، قال تعالى: (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون). وبعث لنا نبياً رحمةً للعالمين، معلماً وحكيماً، قائداً لنا وملهماً لأن نسير على هديه ونتبع خطاه، قال تبارك وتعالى: (ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة أولئك أصحاب الميمنة).

كثيرون من كتبوا عن النبي محمد أشرف الخلق صلى الله عليه وآله وسلم، لكن قليلون من تركوا بصمتهم في إسهاماتهم رغم النية الصافية والعمل المجتهد، لكن تبقى الكلمة والمعنى بألف كلمة دون معنى، يبقى الإبحار في روائع نبي الله هو الغاية الأسمى، هو الهدف الأعلى، هو الأجر العظيم، ماذا أقول ومن أين أبدأ؟ إن مجرد التكفير في الكتابة عن الحبيب المصطفى تختلط المشاعر بين غبطةٍ وسعادة وبين خوفٍ من أن لا نقدم ما يترك الأثر المفيد للناس ونثريهم بما نعتقد أنه مفيد، قامات دينية وعلمية كثيرة كتبت، منهم من تحولت أعمالهم إلى كتبٍ وأفلام ومسلسلات، إلى قصص تُروى، كتّاب حرصوا على نقل تفاصيل حياة الرسول بكل دقائقها وحقائقها، كل بفهمه الخاص، وبأسلوبه المتميز، وبتناوله لجانب من جوانب حياة الرسول دون الإحاطة الكلية التي حرص عليها كتاب السيرة النبوية في العصور السابقة.

أنبياء الله لنا جميعاً رحمة، ونبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم رحمة للعالمين، قال تبارك وتعالى في محكم كتابه العزيز: (وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين)، وأرسل الله تبارك وتعالى إلينا كتاباً معجزة وهو القرآن الكريم، كل سورة منه معجزة وحكمة وعلاج ومقصد وقيمة وحكم وتشريع، معجزة حية لا تموت طالما أن هناك إنسان يقرأ ويفهم ويطبق أحكام هذه المعجزة، لكن أين الرحمة من عالمنا اليوم؟ ونحن في أيامٍ مباركة وفي الأيام التي نزلت فيها هذه المعجزة، هل الناس اليوم رحماء على بعضهم؟ هل نطبق ما جاء في كتاب الله تعالى؟

إن الرحمة في أيامنا هذه عملة نادرة، مرحومون من السماء ومعذبون في الأرض، هل هذه هي رسالة الصادق الأمين لنا؟ نبينا رحمة لنا، لكن البشر ابتعدوا عن الدين وتعلقوا بقشوره، حولوه إلى فلكلور وعادة لا عبادة، وضعوا المساحيق على وجوه الناس لأن الرحمة مواقف وعمل وسلوك ليست أقوال، الفعل الحقيقي للرحماء أن يشعروا بمصائب إخوانهم، ويمدوا يد العون لهم، هناك مسلمين يشعرون بالجوع وهناك من يقتلون فقط لأنهم مسلمين، فأين هي الرحمة في زمننا الحاضر، نحن أمة مسلمة كبيرة عدداً، لكن قليلة في الأفعال، لقد رسم نبينا الأكرم آفاقاً للإنسانية والكمال الذي تستطيع أن تبلغه البشرية من بعده، لكن هل منا من يغوص في قلب المعاني النبوية ووصايا رسولنا الكريم اليوم؟

إن الأخلاق من صفات الكمال؛ ولذا كمّل الله تعالى بها نبينا محمد فكان أحسن النّاس خُلقاً، ولا شك أن الكثير منا يريد أن يتحلى بأخلاق الإسلام ونبيه، لكن لماذا هذا البعد اليوم عن هذه الأخلاق؟ والتطبيق بسيط جداً، اعلم أيها المسلم أن الخنوع والصمت والسكوت وأنت القادر على التغيير سينقص من ميزان أعمالك في الدنيا وفي الآخرة، الدفاع عن الإسلام يعني الدفاع عن أخيك المسلم في كل مكان وفي كل الساحات، لا أكتب ذلك من باب التباهي بما أملك وما أستطيع، لكن من باب المشاركة الأخوية والوصول إلى الصفاء الداخلي، لم أقرر أن أذكر عظمة النبي الكريم من بابٍ سطحي وسرد معلومات جميعنا يعرفها، لكن من باب الصحوة التي نحتاجها جميعاً، نحتاج إلى الرحمة التي نفتقدها، أنا شخصياً أفتقدها، أفتقدها في دموع الأمهات الثكالى على امتداد البلاد العربية والإسلامية، أفتقدها في دموع طفل فقد المأوى بسبب الحروب العبثية، أفتقدها في بردٍ يلفح مسلمون يفترشون الطرقات، أفتقد إلى أمتي العربية والإسلامية، وحضارة أمتي القديمة التي أريد أن تعود، ولن تعود إلا عندما نحب بعضنا ونتألم لحالنا.

نبينا الأكرم كان عظيماً في كل شيء في الدين والعقيدة والعبادة والإيمان والمعاملة والأخلاق، وهو نبي الرحمة التي ما عادت موجودة بيننا حتى داخل البيت الواحد والأسرة الواحدة، وفريق العمل والمؤسسة أو أي تجمع كان، الرحمة أيها السادة سمة مجتمعية أخلاقية وحضارية عندما ننشر قيم هذه الرحمة عملاً بما أمرنا الله تبارك وتعالى وعملاً بمنهج وسلوك نبينا الأكرم، وهل من أيامٍ مباركة أفصل من شهر الرحمة شهر رمضان المبارك لأن نطبق هذه الرحمة، قال تبارك وتعالى: (فبما رحمةٍ من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك).

إن الرحمة من أعظم الأخلاق المحمدية، قال تعالى:( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم)، رسولنا الكريم نبي الرحمة، ومن يتتبع سيرته العطرة يجده صلى الله عليه وآله وسلم رقيقاً رحيماً في تعامله مع الناس، فأعظم مقاصد بعثته رحمة العباد ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، لنكون رحماء كما نبينا والأوان لم يفت بعد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى