بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

الإمام الوارث الخروصي أقام الحق ومات غريقاً..

أحـمـد صـالـح حـلـبـي

كاتـب وباحـث سـعـودي

 

الإمام الوارث الخروصي أقام الحق ومات غريقاً..

 

حينما نقلب صفحات التاريخ ، ونبدأ في قراءة  محتوياتها ، فإننا سنقف أمام أسماء لشخصيات كان لوجودها دور في بسط الأمن ، وقوة في اتخاذ القرار ، فخلدت عبر الأزمان ، وظلت تردد على الألسن عبر الأجيال.

وحينما يكون الحديث عن شخصيات عُمانية ، فإن الكتابة عنها لا تكون بقلم ينثر حبره ، لأن عُمان غنية برجالها الذين ضحوا بحياتهم من أجل رفعتها ، وساهموا بفكرهم وجهدهم فجعلوا قواعدها صلبة وقوية ، وحملوا على عاتقهم بناء حضارتها ، والحفاظ على مكتسباتها ، ووضعها في مكانتها اللائقة بها ، ومن هذه الشخصيات التي عُرفت بالزهد ، والعدل ، والتقوى ، الإمام العُماني العادل الوارث بن كعب الخروصي ، وهو أحد أشهر أئمة عُمان ، نشأ ببلدة همار من وادي بني خروص  ، وتولى الامامة عام 179 هــ ، وكان ممن اشتهر بالصلاح والتقوى ، ومن أعدل أئمة عمان ، وذكر انه قد وقع بينه وبين قائد جيش هارون الرشيد ، عيسى بن جعفر قتال شديد أسفر عنه وقوع القائد العباسي أسيراً في يد الإمام الوارث ابن كعب.

ومما رؤي عنه أيضا أنه ” كان ذات يوم يحرث في زرع له بقرية هجار من وادي بني خروص، فسمع صوتا يقول له: اترك حرثك وسر إلى نزوى وأقم الحق بها، ثم ناداه ثانية، وثالثة بذلك، فقال الوارث : ومن أنصاري وأنا رجل ضعيف ؟ فقيل له : أنصارك جنود الله، فقال : إن كان ذلك حقا فليكن مصاب مجزي هذا ينبت ويحضر من الشجرة التي أصله منها، فغرسه في الأرض فنبتت شجرة الليمون، ويقال أن هذه الشجرة موجودة إلى الآن ببلدة هجار”.

وأورد الشيخ العلامة المحقق الإمام نورالدين عبدالله بن حميد السالمي في كتابه (تحفة الأعيان بسيرة أهل عُمان) ، بباب ذكر وفاة الوارث رضي الله عنه ، “قالوا فلم يزل الوارث إماما حسن السيرة قائما بالعدل ، حتى اختار الله له ما لديه ، فكان سبب موته أنه غرق في سيل وادي كلبوه من نزوى ، وغرق معه سبعون رجلا من أصحابه ، وسبب ذلك أن حبس المسلمون كان عندهم سوقم مائل ، وكان ناس محبوسين (1) ، فسال الوادي جارفا ،  فقيل للإمام إن الوادي سيلحق المحبوسين ، فأمر بإطلاقهم ، فلم يجسر أحد أن يمضي إليهم خوفا من الوادي ، فقال الإمام : أنا أمضي إذ هم أمانتي ، وأنا المسئول عنهم يوم القيامة ، فمضى إليهم ، واتبعه ناس من أصحابه ، فمر بهم الوادي فحملهم مع المحبوسين”.

وقُبِر الإمام بعد أن يبس الوادي ، بين العقر وسعال ، وقبره معروف مشهور ، وكان كلما سال الوادي جارفا ، يدور بقبره ولم يضر بقبره ، فكانت هذه كرامة ظاهرة.

وقيل سبب دفنه هناك ، تشاجر أهل العقر وسعال عليه ، كل يريد أن يدفن معه ، فرأى من حضر من أهل الراي أن يدفن مكانه ، صلحا بين الفريقين ، وكانت إمامته اثنتا عشرة سنة وستة أشهر إلا أياما ، وقيل اثنتا عشرة سنة وستة اشهر ويومين ، وأن وفاته كانت في اليوم الثالث من جمادى الأولى سنة اثنتين وتسعين ومائة ، وقيل مات يوم الاثنين لأربع ليال من جمادى الأولى سنة اثنتين وتسعين ومائة ، وقيل إمامته كانت اثنتى عشرة سنة وثلاثة أشهر ، والله أعلم”.

وفي قرية الهجار بوادي بني خروص بولاية العوابي بمحافظة جنوب الباطنة ، مسجدا عرف بــ ” مسجد الغمامة ” ، وعن المسجد وتاريخه يقول : ” الوليد بن ناصر الخروصي وكيل المسجد بُني المسجد منذ ما يقارب من (1300) ألف وثلاثمائة عام وما يزال قائمًا حتى الآن وتؤدى فيه جميع الصلوات والشعائر الدينية الأخرى وتوجد بجانبه مكتبة ومدرسة لتعليم القرآن الكريم.

وأضاف بأن المسجد يحتوي من الداخل على (7) أبواب و (3) أقواس معمارية وقد تم ترميمه بالطريقة التي بُني بها من أجل الحفاظ عليه وعلى طابعه المميز حيث لم تتغير جدرانه منذ أن تم بناؤه ولكن تم تغيير السقف والأبواب وأجريت له تحسينات داخلية وخارجية”.

وأُنشئت في الرابع من يوليو عام 1971 م ، مدرسة عرفت باسم  مدرسة الوارث بن كعب الخروصي ، اهتم بها جلالة السلطان قابوس بن سعيد ـ طيب الله ثراه – ، حيث كانت في بداية تأسيسها مدرسة ابتدائية بمبنى مستأجر ،  ثم أصبحت في مبنى خاص  عام 1973 م ، وتطورت بالحاق مبنى ثانوي بها عام 1986 م  ، وهي من أكثر المدارس تقدماً بمنطقة الباطنة.

رحمه الله وغفر له وأسكنه فسيح جناته..

_____________________________________

1 ـ ذكر بعضهم أن المحبوسين كانوا أُسارى ، فهده الواقعة تبين مروءة الإمام وأمانته ووفاءه ، فإنه لما رأى أسراه في خطر وهم أمانة في عهدته ، دفعه الواجب إلى إنقاذهم بنفسه حين خاف الناس أن يقتحموا الخطر ، فاين هذه الكمالات الإنسانية وأين هذه الهمّة ؟ فلله در تلك النفوس العظيمة الشريفة ، رضي الله عنها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى