حماية العامل هدف اجتماعي وغاية تشريعية .. الجزء (4)..
الدكتور/ سعيد بن عبدالله المعشري
محامي ومستشار قانوني
حماية العامل هدف اجتماعي وغاية تشريعية .. الجزء (4)..
لقد أثمرت الجهود الدولية بشأن حماية العمال عن إصاباتهم أثناء أو بسبب العمل، وهو بإقرار العديد من الاتفاقيات الدولية، ومنها الاتفاقية رقم (12) لمنظمة العمل الدولية بشأن التعويض عن حوادث العمل (الزراعة) لسنة 1921م والنافذة في عام 1923م والتي نصت على أن تتعهد الدول الأعضاء بالمنظمة والمصدقة على الاتفاقية بتوسيع نطاق قوانينها ولوائحها التي تنص على تعويض العمال عن إصاباتهم بسبب أو أثناء العمل لتشمل كل العمال الزراعيين، وبعدها أيضاً أقرت الاتفاقية رقم (17) للمنظمة بشأن التعويض عن حوادث العمل وذلك في عام 1925م والنافذة في عام 1927م، والتي نصت على أن تتعهد كل دولة عضو بالمنظمة بأن تكفل تعويض العاملين الذين يصابون في حادث عمل أو من يعولونهم بشروط تعادل على الأقل الشروط المقررة بموجب هذه الاتفاقية.
وبذلك حددت الاتفاقية الأخيرة فئة العمال التي تنطبق عليهم، والذين هم: المستخدمون والتلاميذ الصناعيين، وكذلك أجازت استثناء فئات معينة من الخضوع لها كالأشخاص الذين يقومون بأعمال عرضية ليس لها علاقة بمهنة أو مشروع صاحب العمل، والعاملين بالمنازل، وافراد أسرة صاحب العمل الذين يشتغلون لحسابه ويقيمون في منزله، والعمال غير اليدويين التي تتجاوز أجورهم حداً تقرره القوانين الوطنية، وايضاً لا تنطبق الاتفاقية على البحارة وصيادي الأسماك التي ستتناولهم اتفاقية لاحقة، والمنتفعين من نظام خاص تعادل مزايا هذه الاتفاقية، وكذلك العمال الزراعيين الذي لهم اتفاقية خاصة بهم، وبموجب هذه الاتفاقية يتم دفع التعويضات في حالة العجز الدائم أو الوفاة بشكل دوري أو بمبلغ إجمالي دفعة واحدة، مع دفع تعويض إضافي في حالة العجز الذي يقتضي حاجة المصاب إلى مساعدة دائمة من شخص آخر، ويكون للمصاب الحق في حصوله على أي مساعدة طبية بما فيها العمليات الجراحية والأطراف الصناعية والأجهزة المساعدة، على أن يتحمل تكاليفها صاحب العمل أو هيئة التأمين، ومع ضمان دفع التعويض إلى من يعولهم العامل عند وفاته.
وبعدها توالى إقرار العديد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالعمال عن إصاباتهم، ومنها الاتفاقية رقم (18) لمنظمة العمل الدولية بشأن الأمراض المهنية في عام (1925) والنافذة في عام 1927م، والتي تم مراجعتها في عام 1934م، والتي نصت على أن تتعهد الدول الأعضاء بالمنظمة والمصدقة على الاتفاقية بأن تدفع تعويضات للعمال الذين يصيبهم العجز بسبب أمراض مهنية، وتعويض من يعولونهم في حالة وفاتهم بسببها وفق التشريعات الوطنية، حيث يجب أن لا يقل التعويض في هذه الحالة عن تعويض الإصابات المقررة بسبب حوادث العمل، ومرفق بالاتفاقية جدول لبعض الامراض المهنية وأسبابها، وأيضاً بعدها تم اقرار الاتفاقية رقم (19) لمنظمة العمل الدولية بشأن المساواة في المعاملة (التعويض عن حوادث العمل) في عام 1925م والنافذة في عام 1926م، التي نصت على أن تتعهد الدول الأعضاء بالمنظمة والمصدقة على الاتفاقية بأن تعامل مواطني أي دولة عضو صدقت على الاتفاقية الذين يصابون في حوادث عمل على أراضيها أو من يعولهم معاملة مواطنيها فيما يتعلق بالتعويض عن حوادث العمل، وأيضا أقرت الاتفاقية (37) لمنظمة العمل الدولية بشأن التامين الالزامي للمستخدمين في المشاريع الصناعية والتجارية والمهن الحرة والعاملين في منازلهم وخدم المنازل التي أقرت في عام 1933م والنافذة في عام 1937م، وأيضا أقرت الاتفاقية رقم (121 (اتفاقية المنظمة بشأن إعانات إصابات العمل في عام 1964م، محددة معايير الحد الأدنى للإعانات المقدمة للعامل المصاب وإعالة أسرته عند وفاته، وكذلك حددت الامراض المهنية والتصنيف الصناعي الدولي لجميع الأنشطة الاقتصادية التي يعمل بها العامل.
وهناك أيضاً العديد من التوصيات الصادرة من منظمة العمل الدولية؛ التي لا تسمو إلى مرتبة الاتفاقية في إلزاميتها للدول المصدقة عليها، وإنما تعد بمنزلة اقتراحات تصدر من المنظمة لحث الدول الأعضاء بها للقيام بعمل أو الامتناع عن عمل وقد تصل في مراحلها المتقدمة إلى اتفاقية دولية تبرم بين أعضاء المنظمة.
ومن التوصيات المتعلقة بإصابات العمل، التوصية رقم (22) بشأن التعويض عن حوادث العمل (الحد الأدنى) لعام 1925م التي توصي الدول بأن تنص بقوانينها الوطنية دفع تعويضات العمال عندما يكون العجز ناجماً عن إصابة بأن لا تقل عن المعدلات الآتية :
1- في حالة العجز الكلي الدائم، يدفع مبلغ دوري يعادل ثلثي الكسب السنوي للعامل.
2- في حالة العجز الجزئي الدائم، تدفع نسبة من المبلغ الدوري المستحق في حالة العجز الكلي الدائم، محسوبة على أساس ما تسببه الإصابة من نقص في القدرة على الكسب.
3- في حالة العجز الجزئي المؤقت، تدفع نسبة من المبلغ اليومي أو الأسبوعي المستحق في حالة العجز الكلي المؤقت، محسوبة على أساس ما تسببه الإصابة من نقص في القدرة على الكسب.
وينبغي في الحالات التي يدفع فيها التعويض مرة واحدة ألا تقل قيمته عن القيمة الرأسمالية للمبلغ الدوري المستحق وفقاُ للفقرات السابقة. وكذلك محددة التعويضات الإضافية وأفراد الأسرة المستحقين للإعالة في حالة وفاة العامل.
وإلى جانب هذه التوصية صدرت العديد من التوصيات المتعلقة بإصابات العمل، منها التوصية رقم (24) لمنظمة العمل الدولية بشأن تعويض العمال (الأمراض المهنية) لعام 1925م، والتوصية رقم (25) لمنظمة العمل الدولية بشأن المساواة في المعاملة (التعويض عن الحوادث) لعام 1925م.
ومن ذلك يتبين مدى الاهتمام الدولي في توفير الحماية اللازمة للعامل فيما يتعلق بقضية الإصابات التي تلحقه بسبب أو أثناء العمل من خلال إبرام الاتفاقيات الدولية لحث الدول بتوفير الحد الأدنى لما يتم إقرارها بموجبها، فإن الاتفاقيات كذلك تحظى بمراجعات مستمرة لتواكب التطورات العالمية، وبهذا فإن للحديث بقية في الجزء التالي من هذا المقال.