(صُـور) مـديـنـة عُـمـانـيـة..
أحـمـد صـالـح حـلـبـي
باحـث وكاتـب سـعـودي
(صُـور) مـديـنـة عُـمـانـيـة..
حينما تذكر مدينة (صور) فإن حواسنا تتجه صوب مدينة صور اللبنانية الواقعة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط ، ولا يعرف الكثيرون أن هناك مدينة عُمانية تقع على بحر العرب وخليج عمان في المنطقة الشرقية من سلطنة عمان تحمل نفس الاسم ، واشتهرت في عرض المحيطات وعلى طول شواطئ الخليج كمدينة بحرية مرتبطة بالتجارة ، وحملت سفن الغنجة والبغلة ، والغنجة “سفينة عُمانية خالصة لا تصنع إلا في سلطنة عُمان، وفي ولاية صور خصوصًا، وهي من السفن الكبيرة الحجم ، وتبلغ حمولتها (400) طن ، وتستخدم للإبحار للمسافات الطويلة” ، والبغلة “من أقدم السفن العُمانية وأكبرها حجمًا، وكانت تصنع في مدينة صور في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديَّيْن ، والسفينة لها ثلاث صواري ولها خمسة أشرعة ، وتصل حولتها إلى (500) طن ، وهي معدة للسفر للمسافات الطويلة ، وكانت آخر سفينة من هذا النوع صنعت في صور عام 1956م” ، ومن أبرز القلاع في ولاية صور قلعة الرفصة ، الواقعة في المنطقة الشرقية من السلطنة ، وتعتبر من أبرز القلاع في الولاية ، وبناها أبناء قبيلة المشارفة ، وكانت تستخدم قديماً لحراسة البوابة الرئيسية لمدخل الولاية من الطريق البري.
وتشتهر ولاية صور بالعديد من المواقع الأثرية المهمّة ومنها رأس الجنز ، وهو “من أشهر المحميات والمناطق الشاطئية في العالم ؛ فهو يعد الموطن الأصلي لآلاف الأصناف من السلاحف البحرية حتى النادرة منها ؛ لهذا السبب فإنه يجذب ملايين السيّاح سنوياً من عشّاق الطبيعة من مختلف بقاع الأرض ، وتعتبر المحمية من اجمل أماكن السياحة في سلطنة عمان ، كما يوجد في هذه المنطقة العديد من المزارات الهامة ، ومن أبرزها المركز العلمي للسلاحف الذي يحظى بعناية خاصة من قبل الحكومة ، بالإضافة إلى توزع العشرات بل المئات من الشقق الفندقية والمنتجعات والمطاعم البحرية في رأس الجنز أيضاً” ، و “المعثورات المهمّة في الولاية منها أول أحرف أبجدية في المنطقة ، والمعثورات الأخرى الخاصة بالصناعات وخاصة صناعة النحاس والفخار والخرز وغيرها” وقال الدكتور حمد الغيلاني : “لقد تم اكتشاف أول موقع في عمان من العصر الحجري في عام 1998م ، في صور بوادي الفليج ، ويعود إلى عصر البليستوسين الأوسط (780,000 – 130,000) سنة مضت ، كما تم اكتشاف أقدم موقع أثري في الولاية وهو موقع رأس الجنز(RJ – 37)، ويقع على قمة ربوة بين صخرتين ، ويحوي مواقد للنار ، وطبقات ورصفات حجرية شبه دائرية ربما كانت أساسا لكوخ ، كما اكتُشف موقع آخر للصيد في سهول جنوب الشرقية في موقع رأس الجنز به حجارة مخروطية محزوزة يربط بالواحد منها حبل حول الوسط ، وهو مؤشر على صيد الحيوانات بأحجام مختلفة إلى جانب موقع رأس الحد (HD – 6)، وموقعي السويح (SWY – 1 & SWY – 11) ، وهذه المواقع تعود للألف السادس قبل الميلاد”.
وأشار الدكتور حمد الغيلاني إلى أنّ البحوث الأثرية في المنطقة بدأت منذ عام (1982م) ، كما بدأ (مشروع رأس الحد المشترك) لباحثَيْن فرنسي وإيطالي منذ عام (1985م) ، وتواصلت الحملات الموسمية ، وخاصة لمواقع رأس الحد ورأس الجنز ، ووصل عدد الحملات حتى عام (2000م) إلى (12 حملة) تم خلالها التنقيب في (98 موقعاً) ، واستمرت الحملات بعد هذا التاريخ ، ولمواقع عديدة في جنوب الشرقية تمتد حتى قريات شمالاً ، وأهم المواقع التي تمّت دراستها بشكل مكثّف موقع رأس الجنز (RJ – 2) الذي عُثر فيه على العديد من الاكتشافات حيث اقترح هذان الباحثان أن تضم رأس الجنز ومواقعها الأثرية المهمة إلى مواقع التراث العالمي في اليونسكو ، كما توِّجت هذه الأبحاث بكتاب ألّفه نفس الباحثَيْن، واستعرضا فيه نتائج أبحاثهما ، والأبحاث التي قامت في عُمان وما حولها خلال ثلاثين عاما.
وأضاف الغيلاني بأن مجمل المدافن الركامية في جنوب الشرقية تعود إلى نهاية الألف الرابع وبداية الألف الثالث قبل الميلاد ، وحول رأس الجنز وشياع وخور جراما تقع بها أكثر من (200 نصب) ، ومنها ما هو موجود في مستوطنة رأس الحد وفي منطقة كبيكب والجيلة وحلوت ووادي الفليج وبلاد صور وقلهات والمواقع الكثيرة المحيطة بولاية صور وتم حفر أكثر من (350 مقبرة ركامية) ، حيث تم اكتشاف معثورات كثيرة جدا ومتنوعة منها الأختام التي تعود للألف الثالث قبل الميلاد.
كما أوضح الدكتور حمد الغيلاني بأنه لم يقتصر تاريخ ولاية صور في الجانب البحري ؛ فأيضاً يُعتقد بأن الواحات الزراعية كانت موجودة في صور منذ الألف الثالث قبل الميلاد ، ومن ضمن النباتات التي وُجدت في صور لتلك الفترة النخيل والسدر والتمر الهندي ، إلى جانب إنتاج الفخّار ، والذي كان بشكل واسع منذ (2600 قبل الميلاد) في مجان ، وعُثِر على الفخّار في صور منذ العصر البرونزي الباكر ، كما عُثر على أوعية الحجر الصابوني الأملس (الكلورايت) برأس الجنز”.
و “تمثل العيون والأفلاج والكهوف معالم سياحية لولاية صور ؛ حيث توجد بها بعض العيون الصغيرة في المناطق الجبلية ، وهي مستخدمة لري بعض المزروعات ، كما يوجد بها 102 فلجاً تجري مياهها ويستخدمها أهالي الولاية لمختلف أغراضهم المعيشية ، ويوجد بها كهفا مغارة العيص وجرف منخرق ، ومن معالمها أيضاً وادي شاب بنيابة طيوي الذي يعد من الأودية الخصبة ، وهو مركز جذب سياحي ، كما يوجد بها منارة راس الميل بمنطقة العيجه وهي مزار سياحي مهم ، وهناك منطقة قلهات التاريخية ومعلم بيبي مريم”.
شكرا جزيلا يا دكتور أحمد على هذا الكشف الجميل والإضاءة الساطعة لمدينة صور المنسية .
مدينة صور التاريخ المطمور والحضارة المدفونة تحت الرمال والملح .
مدينة صور لا تحظى بأي اهتمام أو عناية أو متابعة حتى اللحظة لا يوجد فيها متحف يحفظ تاريخها وامجادها .
تراثها ذهب أدراج الرياح .
وتاريخها تلاشى مع زغب الامواج