بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

دبلوماسية الحديث وإتيكيت نبرة الصوت..

الدكتـور/ سعدون بن حسين الحمداني

 دبلوماسي سابق / كلية عمان للإدارة والتكنولوجيا

 

دبلوماسية الحديث وإتيكيت نبرة الصوت..

 

تركز المدارس الدبلوماسية بمختلف أنواعها على دبلوماسية الحديث الذي يعتمد صراحة على عدة أعمدة  منها ؛ لغة الجسد/ مخارج الأصوات/ دقة التلفظ/ الجمل القصيرة/ احترام المقابل والسماح له بالتكلم/علم المعنى / النحو الصحيح/ معرفة باللغات الأخرى/ عدم التجاوز على المذاهب الدينية/ عدم التجاوز على إستراتيجيات ونظريات الاحزاب/ عدم انتقاد سياسة الدول/ التقرب من الجميع والابتعاد عن الكبرياء والتسلط بالكلام/ التهذب بالكلام/ الاستماع الى الآخرين بكل احترام/ التحكم بالعواطف / الابتعاد عن الغرور والأنانية/ بالإضافة الى  مفاهيم اخرى نتطرق اليها لاحقاً.

نعرج في هذا المقال على نبرة ومستوى الصوت وطبعاً هذا المقال لا ينطبق على الحياة أو المجال العسكري لكون المدرسة العسكرية تتميز بالخشونة والقوة والصوت العالي مع احترامي العالي وتقديري لكل مفردات المدرسة العسكرية “مصنع الابطال”.

 يعتبر إتيكيت نبرة الصوت من أهم العلامات المدنية الحديثة بفن دبلوماسية الحديث وعلم النفس الاجتماعي.

يقصد بإتيكيت الصوت هو (نبرة ومستوى الصوت لدى الشخص) وكانت من أهم الدروس التي تُدرس في المدرسة الفرنسية الدبلوماسية في نهاية القرن الثامن عشر لكنه يعكس شخصية الانسان في المجتمع وكلما كانت نبرة الصوت هادئة ومنخفضة كلما دلل على رقي الشخص في أخلاقه وتربيته ومستوى تعليمه، ويعتبر إتيكيت الصوت في السلك الدبلوماسي من أحد أهم الدلائل الايجابية للدبلوماسي ورقي معلوماته وحنكته وشخصيته وخاصة في المحافل الدولية وحضور المناسبات الوطنية في ساحة عملهم.

إن هدوء نبرة الشخص ومستوى صوته يسمى في العرف الدبلوماسي (الصوت الملكي أو السلطاني) لكونه منخفض المستوى وهادئ النبرة ومعبّراً بنفس الوقت، وهذا ما هو مطلوب في كل شرائح المجتمع بَدْءاً من العائلة والتي هي أصغر مكون أو نواة بالحياة الى أكبر المجمعات البشرية وهي الإسواق والموالإت ومحطات القطارات وصالات المطارات.

أن حسن الصوت وهدوء نبرته ووضوح مخارج الاصوات من العلامات التي علمنا اياها رسولنا الكريم “صلى الله عليه وسلم” في حديثه الشريف : (زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ) أي بتحسين أصواتكم عند القراءة فإن الكلام الحسن يزيد حسناً وزينة بالصوت الحسن، لذلك نرى الخشوع وحسن الصوت في الترتيل والتجويد لتظهر نعمة الصوت التي وهبها الله لنا لذلك علينا أن نربي اطفالنا وابناءنا على ذلك بدلاُ من ان نلهث خلف المدارس الغربية.

كانت مدرستنا الإسلامية سباقة وهي الاولى في هذا المجال حيث حثت على الصوت الهادئ المنخفض وهناك آيات قرآنية كريمة بهذا الخصوص ، واضعين بعين الاعتبار المكانة الاجتماعية والدينية والعلمية والعمرية لكل شخص، وكانت هذه الآية الكريمة ذات دلائل كبيرة في هذا الموضوع حيث قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ .. سورة الحجرات آية 2 : وهو مثال ودرس رباني راق وكامل علينا الاقتداء والعمل به لنا جميعا ابتداءً من الأسرة الصغيرة من الإبن والوالدين/ الرعية والمسؤول بين الادنى والاعلى/ الموظف ومديره الى آخر الامثلة التي يمكن تطبيقها، لأن الله سبحانه وتعالى خاطب أصحاب الرسول الكريم “صلى الله عليه وسلم” بعدم رفع صوتهم فوق صوت النبي لمنزلة الرسول الكريم وهو سيد وخاتم الأنبياء، وعليه يجب علينا نحن ان نقتدي بهذه الآية الكريمة ونجعل طبيعة تعاملنا مع الآخرين بنفس الادب الرباني، وهو مثال ودرس رباني راق وكامل علينا الاقتداء والعمل به لنا جميعا.

أن إتيكيت الصوت وما يحمله من أدب التعامل يعكس صورة حضارية وراقية وسوف ينظر لك الجميع بكل إحترام وتقدير لما له من سمات جميلة وحساسة وهادئة ولا ننسى اختيار الكلمات المناسبة والمتداولة على العكس من الصوت المرتفع والنبرة العالية المستهجنة من أغلبية افراد المجتمع. حيث قال تعالى : ﴿إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ ﴿الآية 19 لقمان﴾ وقد أدبنا القرآن الكريم بهذه الآية الكريمة بأن صوت الحمير عالي النبرة ومرتفع الصوت لذلك يكون مكروهاً وغير محبذ عكس الأصوات الجميلة الهادئة، وأكد الخالق على أهمية خفض الصوت لما له من هيبة ووقار قال تعالى: وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ (12 لقمان) وهنا كلمة أغضض بمعنى أخفض  الصوت على أن يكون هادئاً وجميلاً .. إن هناك تكريماً من رب العزة للذين يخفضون الصوت أمام الرسول الكريم لذلك فإن الإسلام والقران الكريم يعلمان البشرية وإتيكيت الصوت قال تعالى : ِإنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ امْتَحنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ ﴿٣ الحجرات﴾.

إن هذا التكريم الإلهي يقابله في الدنيا كل الاحترام والتقدير من هذا الشخص الذي يجسد ويعمل بما أمره الله سبحانه ، وإن قرآننا الكريم لهو فعلا أفضل من كل المدارس الدبلوماسية، لذلك علينا الالتزام والعمل به على مختلف الأزمان والأماكن من العائلة الى أسرة الموظفين سواء في الوزارة او الأماكن الرسمية الاخرى بمختلف وأنواعها.

وفي الختام فأن نبرة  ومستوى الصوت يعكس كاريزما الشخص من حيث انتقاء الكلمة ولباقة الحديث ووضوح مخارج الأصوات ومعرفة متى يتوقف ومتى يسترسل بالكلام، واضعاً في حساباته طبيعة ونوع المكان الذي هو فيه، بالإضافة الى نوع الجمهور والاعتماد بصورة كاملة على مهارة الاتصال والتواصل الاجتماعي.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى