بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

حدود التوظيف الإسرائيلى لجولة بايدن..

الدكتور/ محمد السعيد إدريس

mohamed.alsaid.idries@gmail.com

 

حدود التوظيف الإسرائيلى لجولة بايدن..

 

على الرغم من تعثر المحادثات التى جرت فى الأسبوع الماضى بين الولايات المتحدة وإيران فى العاصمة القطرية التى استهدفت إيجاد حلول للمشاكل التى عرقلت التقدم الذى حققته محادثات فيينا التى امتدت لعدة أشهر الخاصة بالاتفاق النووى الإيرانى الموقع عام 2015، إلا أن انعقاد هذه المحادثات فى حد ذاته، والتوافق على استئنافها عقب انتهاء الجولة المقبلة للرئيس الأمريكى جو بايدن للمنطقة فى منتصف هذا الشهر ، حمل دلالة مهمة تقول أن الولايات المتحدة لم تصل بعد إلى قرار بخصوص موقفها من إيران وبالتحديد هل مازالت حريصة على الوصول إلى توافق حول الاتفاق النووى الإيرانى، ومن ثم الالتزام بخريطة تعايش منضبطة مع إيران تراعى مخاوف دول المنطقة الحليفة لواشنطن أم أنها قررت الصدام مع إيران، والتخلص نهائياً من دوافع التوافق معها، الأمر الذى من شأنه أن يفتح المجال لوضع استراتيجية أمريكية لاحتواء إيران على نحو ما سبق أن فعلت فى السابق مع الاتحاد السوفيتى، وقد يؤدى ذلك بواشنطن إلى “تأسيس حلف دفاعى إقليمى” فى المنطقة على غرار حلف شمال الأطلسى (الناتو) الذى تأسس عام 1949 لاحتواء إيران.

هذا الاستنتاج تدعمه قناعات أمريكية بأن دول المنطقة تفتقد الإجماع حول التورط فى تأسيس مثل هذا الحلف، وبالتحديد من الدول التسع التى ستحضر القمة المزمع انعقادها فى جدة بالمملكة العربية السعودية يوم 16 يوليو الجارى، أي دول مجلس التعاون الخليجى الست إضافة إلى مصر والأردن والعراق.

هناك من يرفض فكرة التعامل مع إيران كعدو من بين دول مجلس التعاون الخليجى خاصة سلطنة عمان والكويت، وهناك من لا يفضل الصدام العسكرى مع إيران رغم كثافة التوترات التى مازالت مقترنة بكثافة المصالح المشتركة مثل الإمارات، فى ذات الوقت تعتبر العراق خارج سياق الاستقطاب ضد إيران، فالعراق أصر على إنهاء الوجود العسكرى الأمريكى على أراضيه، وأصدر قانوناً من البرلمان يدين التطبيع مع كيان الاحتلال الإسرائيلى، ومنذ أيام وجه السيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدرى توبيخاً شديد اللهجة للرئيس العراقى برهم صالح لتلكؤه فى توقيع هذا القانون.

أما مصر فهى لم تحسم كونها معنية بأن تكون طرفاً فى تحالف عسكرى ضد إيران.

وإذا كان رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمى قد قام بالتنقل بين السعودية وإيران للإعداد لجولة مباحثات سعودية – إيرانية جديدة لتحسين العلاقات؛ فإن الإطراء الذى حرص وزير الخارجية الإيرانى حسين أمير عبداللهيان على إبرازه بحق مصر فى مؤتمره الصحفى فى دمشق مع نظيره السورى يدعم هذا الاستنتاج.

مثل هذه المؤشرات كلها تدعم من الرأى القائل بوجود أطراف ستكون مشاركة فى القمة التساعية مع الرئيس الأمريكى فى جدة تجد نفسها غير معنية بالانخراط فى استراتيجية احتواء لإيران عبر تأسيس حلف عسكرى إقليمى تقوده الولايات المتحدة ضد إيران بمشاركة إسرائيلية.

هذا يعنى أيضاً أن أطرافاً عربية أخرى تدعم دعوة التحالف ضد إيران من خلال تأسيس تحالف عسكرى إقليمى على غرار “حلف الناتو” تقوده الولايات المتحدة؛ هذه الأطراف ترى نفسها هى الأكثر تضرراً من السياسة الإقليمية الإيرانية.

وإذا كان العاهل الأردنى هو من جاهر بالحديث عن التحالف الدفاعى العسكرى مع الولايات المتحدة، فهذا يرجع إلى التخوفات الأردنية من الوجود الإيرانى فى سوريا على مقربة من الحدود الأردنية، الأمر نفسه يمكن أن ينطبق على البحرين التى تواجه تهديدات إيرانية أمنية مكثفة، أو على الأقل التى تشعر بتهديدات إيرانية أمنية مكثفة.

يبقى كيان الاحتلال الإسرائيلى هو الأكثر حرصاً على تأسيس مثل هذا التحالف العسكرى الإقليمى لأسباب كثيرة أبرزها :
أولاً : ضمان توريط الولايات المتحدة فى حرب ضد إيران لتدمير قدراتها النووية والاستراتيجية (الصاروخية والعسكرية) فى حال نجاح تل أبيب فى جر إيران لمواجهة عسكرية، وضمانة الدفع بتغليب التوجه الأمريكى لإنهاء التفاوض حول الاتفاق النووى الموقع مع إيران عام 2015 باعتباره “اتفاقاً خطراً على الأمن الإقليمى” من المنظور الإسرائيلى؛ فإذا كان هناك انقسام بين قيادات الجيش الإسرائيلى تفضل الاستمرار الأمريكى فى التفاوض على الاتفاق النووى مع إيران وبين قيادات “الموساد” التى تسعى إلى إسقاط هذا الاتفاق نهائياً والاستمرار فى نهج استنزاف قدرات إيران النووية استعداداً لهجوم عسكرى إسرائيلى لتدمير تلك القدرات؛ فإن التوجه الاستراتيجى فى إسرائيل يتعامل مع إيران باعتبارها “تهديداً وجودياً” وليس مجرد “تهديد أمنى”، وتسعى إسرائيل إلى دمج الولايات المتحدة ضمن هذا التوجه، وليس هناك أفضل من التأسيس لحلف عسكرى إقليمى تقوده الولايات المتحدة وتلعب فيه إسرائيل دور “القائد الإقليمى” لتحقيق مثل هذا الهدف.

ثانياً : دمج الدول العربية الشريكة فى سياسة دفاع عسكرى مشترك لتحقيق هدفين :

أولهما : جعل أراضى الدول العربية الشريكة فى هذا التحالف وخاصة الدول الخليجية منصة انطلاق لأي حرب إسرائيلية ضد إيران، وإعطاء إسرائيل ميزة أن تكون “دولة جوار إقليمى لإيران” من خلال وجودها العسكرى على أراضى الدول العربية الخليجية.

ثانيهما : تحقيق دفعة قوية فى مسيرة التطبيع العربى – الإسرائيلى عبر استراتيجية الدفاع العسكرى المشترك، والنيل من النظام العربى فى العمق الذى لم يستطع رغم مرور أكثر من سبعين عاماً على انخراطه فى مشروع دفاع عربى مشترك أن يحقق الحد الأدنى من متطلبات هذا الدفاع المشترك.

التوسع فى مسيرة التطبيع العربى- الإسرائيلى من شأنها إنهاء أي التزامات عربية بالقضية الفلسطينية وبحقوق الشعب الفلسطينى من ناحية، ومن ناحية أخرى ، وهذا هو الأهم، إطلاق القيادة الإقليمية الإسرائيلية وفرض إسرائيل قيادة إقليمية للشرق الأوسط على حساب المشروع العربى وطموحاته الوحدوية والتحررية.

بهذا المعنى نستطيع أن نقول : إن كيان الاحتلال الإسرائيلى هو صاحب المصلحة الحقيقية فى الترويج لمشروع حلف الناتو الشرق أوسطي المزعوم، رغم إدراك الإسرائيليين أن الولايات المتحدة غير مؤهلة للتورط فى مثل هذا المشروع، وأن جولة الرئيس الأمريكى جو بايدن ليست معنية ضمن أهدافها بتأسيس هذا الحلف لأسباب كثيرة أبرزها أن التوجه الاستراتيجى الأمريكى الآن يتركز ضد كل من روسيا والصين، ولا تقع إيران ضمن هذا التوجه، بل إن واشنطن أكثر ميلاً لإنجاح التفاوض حول الاتفاق النووى حرصاً على دمج إيران مجدداً فى السوق النفطية العالمية، نظراً للحاجة الأمريكية حالياً إلى النفط الإيرانى كما هى فى حاجة إلى النفط العربى وخاصة السعودى لمواجهة تداعيات ارتفاع أسعار النفط العالمية بسبب حرب أوكرانيا.

الدراسة التى أعدها تمير هايمان القائد السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) وزميله الداد شافيط ونشراها فى “مركز أبحاث الأمن القومى الإسرائيلى” أكدت حقيقة أن جولة بايدن ليست من أجل تأسيس حلف عسكرى إقليمى لذلك ركزت على هدفين يجب أن تسعى إسرائيل إلى تحقيقهما من هذه الجولة للرئيس الأمريكى هما أمن إسرائيل، وتطبيع العلاقات العربية – الإسرائيلية، وأن أقصى ما يمكن الحصول عليه بالنسبة لإيران هو التوافق مع واشنطن على “خطوط حمراء” بالنسبة للسياسة الإيرانية، والاتفاق على ردود سياسية واقتصادية وعسكرية فى حال تخطي إيران لهذه الخطوط، وبالتحديد “التخطيط معاً لمعركة ضد إيران” فى حال تأكدت ضرورتها.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى