مقالات وآراء

الحالة الصحّافية ليست عاراً على جبين الأمه..

 

 

 

الكاتب/ خميس بن عبيد القطيطي

 

 

الحالة الصحّافية ليست عاراً على جبين الأمه..

في هذه الأيام التي شهدت رحيل وزير الاعلام العراقي الاسبق محمد سعيد الصحاف نستعيد من ذاكرة الأرشيف مقال سابق بجريدة الوطن تاريخ ٢٩ يوليو ٢٠٠٣م كتب دفاعا عن هذا الرجل..

تنوعت الأحاديث وتعددت الادبيات الساخرة في إعلامنا العربي أعقاب سقوط النظام السياسي في العراق وتمادى بعض المثقفين الاعزاء في تسجيل انطباعاتهم حول النظام العراقي، واطلاق بعض الأوصاف والعبارات اللاذعة محملين النظام العراقي أزمات الأمه العربية بأسرها متناسين أن ذلك النظام قد ساهم في تشكيل وبلوره المشهد السياسي والحضاري للعراق خلال الفترة الزمنية الماضية.

نعود الى الوراء قليلا لنتذكر منتصف عام 1990م حين تسابق هؤلاء المثقفون والاعلاميون وتسابقت معهم وسائل الاعلام العربية لتقليد أوسمه النصر في صدر الرئيس العراقي ونظامه عندما أعلن أنه سيحرق نصف “اسرائيل” وما رددته وسائل الاعلام حينها من عبارات التمجيد والثناء وما أطلقته من ألقاب عظيمة على النظام العراقي وشخص الرئيس العراقي نفسه.

اليوم نتابع في الاعلام العربي بمختلف فضائياته وصحفه الهجوم العنيف الذي يشنه هؤلاء ضد النظام العراقي السابق ورموزه الوطنية في استعراض ساخر وهزلي تبناه وتسابق عليه اعلامنا العربي وهو في حقيقه الامر سباق ساقط ومهين تاركين قضايا الأمه المصيرية تعصف بها.

لقد قدم هؤلاء المثقفون أطروحاتهم البائسة في الحديث عن محمد سعيد الصحاف وزير اعلام العراق إبان الحرب الأمريكية الاخيرة (١٩ مارس – ٩ أبريل ٢٠٠٣م) ضد العراق الشقيق وتسابق هؤلاء الكتاب في سرد أدبياتهم الساخرة في حق هذا الرجل فلماذا كل ذلك؟!.

لقد جاءت تلك الحملة الإعلامية في ارتداد معاكس لسقوط العاصمة العراقية بين عشيه وضحاها في وقت كانت الجماهير العربية ترسم آمالا واهمه حول نتيجة تلك الحرب غير المتكافئة بينما كان البعض الاخر يدرك نتائجها ولكنه مع ذلك يضع آمالا عريضة لما ستسفر عنه المفاجآت، ولكن المؤسف والمخجل كثيرا أن تطغى لغة الشماتة في مقالات بعض الكتاب، وبعض البرامج في وسائل الاعلام بإعلامنا العربي مما يعبر عن الغبن في الحالة العربية برمتها

ولكن من هو الصّحاف وما دوره كوزير إعلام وبلاده تواجه عدوانا وحملة اعلامية امريكية شرسة؟ وكيف كانت تقاريره؟ وهل هو المسؤول عما جرى؟ كتعريف مبسط لهذا الرجل، هو محمد سعيد الصحاف درس الصحافة في الجامعة وتخرج مدرسا للغة الإنجليزية، إنضم لحزب البعث عام 1963م مع استمراره بالتدريس حتى عام 1968م بوصول الرئيس الأسبق أحمد حسن البكر للسلطة عقب انقلاب يوليو 1968م، انتقل بعدها الصحاف للعمل مديرا للإذاعة العراقية، ثم سفيرا للعراق في بورما والسويد ثم مندوبا لبلاده في الأمم المتحدة، وفي عام 1992م تم تعيين الصحاف وزيرا للخارجية بعد حرب الخليج الثانية مباشره وذلك في الفترة التي فرضت فيها عقوبات دوليه على العراق، وقد تعرض الصحاف في الفترة الاخيرة لتولي الخارجية العراقية الى انتقادات كثيرة وذلك أعقاب القمة العربية بالقاهرة في ابريل 2001م، ثم تولى بعدها وزارة الإعلام العراقية، ولكن ما يؤسف له في الاعلام العربي هو ذلك التعاطي المخزي للحالة الصحافية كما أطلق عليها بعض الكتاب والمثقفين، فماذا فعل ذلك الوزير ليتحمل تلك الحملة الاعلامية؟!

هل لأنه دافع بحكم وظيفته الاعلامية عن بلده وخاض من أجلها حربا اعلامية في مواجهه الحملة الاعلامية الشرسة التي شنها الاعلام العالمي بقياده الاعلام الامريكي، أم أنه يتحمل سقوط العاصمة العراقية بغداد؟! بالطبع لا فتلك التفاهات الاعلامية والادبية التي أصبح يتفنن فيها اولئك المثقفون والاعلاميون عند مواجهه الاحداث العاصفة التي تمر بها الامه اليوم تعبر عن مأساة بعض وسائل الاعلام العربي، مما يسجل حاله من الخزي والعار لجميع أولئك المتخاذلين الشامتين، وكان الأجدر بهم أن يقولوا خيرا أو يلزموا الصمت بالابتعاد عن تلك المهازل المعبرة عن فقدان الحس القومي العربي، حيث يكفي ما ألم بالأمة وما وقع عليها بعد الحملة الأمريكية التي أخذت مجراها لتصفية واقتطاع جزء جغرافي عزيز من أرضنا العربية بل جزء حضاري وتاريخي عظيم كان يمثل الواجهة الشرقية للوطن العربي ودرعا حصينا كان دائما مع قضايا الأمة العربية في مواجهة الطغيان الصهيوني العالمي والاستهداف الامبريالي الغربي، والذي ما فتئ يجرف كيان وهوية هذه الامه بل للأسف الشديد قد ساعدوا في تحقيق تلك المخططات الصهيونية العالمية وليتها كانت تقف تلك المخططات عند بغداد أو القدس الشريف بل تتعداها الى ما هو أبعد من ذلك، وبالتالي فإن على هؤلاء الكتاب والاعلاميين أن يستفيقوا من سباتهم ويستشعروا الاخطار المحدقة بهذه الامه وأن يساهموا في كتابة تاريخ الامه بما يحفظ كرامتها أو ينأوا بأنفسهم من مغبه ذلك فالتاريخ لا يرحم.

إن هذه الحالة الاعلامية العربية وهذا الاستعراض الساخر في سلبيات النظام العراقي توضح سوء الحالة العربية برمتها فالحالة العربية بأسرها على المستويين الشعبي والرسمي لم تكن معصومة من الخطأ بل أن الحالة العراقية تعتبر نموذجا مصغرا للحالة العربية الكبرى.

إن الحالة الصحّافية كما يسميها هؤلاء الكتاب ليست عارا على جبين الأمة، فهذا الرجل دافع عن بلاده خير دفاع، ولم تكن تقاريره حتى يوم 8 أبريل متناقضة بل كانت أدق بكثير مما كانت عليه التقارير الأمريكية نفسها، ويكفي دليلا – ما حدث للقوات الأمريكية في معركه المطار كما تحدث عنها الصحاف قبل المعركة، وما حدث يوم التاسع من أبريل لم يكن الصحاف مسؤولا عنه أو يستطع منعه أو التحكم به أو دفعه عن بلده كونه لم يكن قائدا للقوات المسلحة العراقية وما حدث أيضا لم يستطع أحد حتى هذه اللحظة تفسيره بدقه أو تأكيده بل بقى مجرد تكهنات تنحصر بين أمرين، فإما الخيانة أو الإنسحاب والإخلاء المقصود والمدبر للقوات المسلحة كي تسقط القوات الأمريكية لاحقا في مستنقع المقاومة العراقية، وهو ما يحدث الان بالفعل حيث الرمال بدأت تتحرك تحت أقدام القوات الامريكية المتواجدة في العراق في مقاومة شعبية شرسة ومنظمة للتخلص من الاحتلال ونتائج ذلك لم تستطع الولايات المتحده تقديره لذلك فهي تعيش في أزمة داخلية شديدة بفعل ضربات المقاومة العراقية.

وختاما نقول لهؤلاء الاعلاميّين والمثقّفين كفاكم هراءً في حق هذا الرجل، فإنه كإنسان غير معصوم وما فعله كان من صميم الواجب الوطني المقدس، لذا ترفعوا عن تلك المهازل التي قذفتم بها شخص الصحاف فالساحة العربية مليئة بمن فعل ما هو أنكى وأسوأ، واتركوا الصحاف في قبره دون تشويه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى