في ذكرى رحيله .. السلطان قابوس بعيون جزائرية..
مـنـى شـلـبـي
كاتبة وإعلامية جزائرية
في ذكرى رحيله .. السلطان قابوس بعيون جزائرية..
رحل منذ ثلاث سنوات في اليوم العاشر من يناير سنة ألفين وعشرين في يوم مبارك هو يوم الجمعة، كان خبر وفاة السلطان قابوس خبراً محزنا ومفجعاً وكئيباً، لأن خسارته لم تكن مجرد خسارة لشخص، بل هي خسارة لرجل استثنائي لوطنه وللأمة العربية قاطبة، كم كان صعبا لولا الإيمان تلقّي نبأ وفاته، فهو الرجل الذي نقل وطنه من مرحلة الضياع إلى مرحلة الوجود، ومن مرحلة الاضطرابات إلى مرحلة الوحدة والأمن والأمان، ومن العزلة إلى الانفتاح، وقاده إلى التقدم والتطور والريادة حتى أصبح الوطن والسلطان لا يفترقان، وهو الذي عمل ليلاً نهاراً لخدمة وطنه وشعبه بكل سخاء، بل وخدمة القضايا العربية بكل حكمة وكياسة، وإن تاريخه لحافل بالبطولات والمواقف الوطنية والعروبية والقومية الخالدة.
محبة خاصة يكنها الجزائريون للسلطان قابوس، فهو في نظرهم الرجل الحكيم الذي عمل طوال حياته لأجل جمع كلمة العرب ونصرة قضاياهم، فهو الذي دعم القضية الفلسطينية وآزر شعبها على جميع المستويات، مؤكدا حقه في العيش بسلام، ولن ننسى أبدا عبق كلماته المؤثرة عام ألف وتسعمائة وثلاثة وسبعين في ذكرى العيد الوطني الثالث عندما قال : “إننا جزء من الأمة العربية تربطنا وحدة الهدف والمصير قبل أن يجمعنا ميثاق الجامعة العربية، وموقفنا من القضايا العربية واضح وصريح لا لبس فيه ولا غموض، وسنبقى دائمًا مؤيدين للحق العربي؛ ندعمه بالدم والمال، ونسانده بكل طاقاتنا حتى يعود الحق إلى نصابة، وترتفع أعلام النصر على الرؤوس بعون الله”.
إن هذا الكلام ترك في قلوبنا باعتبارنا جزائريين مشاعر عميقة ذكرتنا ببيت للشاعر الجزائري مفدي زكريا : “فلسطين لا تقنطي فالحمى ** سينصفه اليوم أحراريه”، فكنا دائما نقول لطالما هناك رجل شهم يتصدى بالكلمة والمواقف الجريئة المنصفة مثل السلطان قابوس فلا خوف على فلسطين ودولنا العربية.
لعب السلطان قابوس الرجل الحكيم دوراً بارزاً في الكثير من النزاعات الساخنة في المنطقة، لاسيما تلك المتعلقة بالملف النووي الإيراني، فاستطاع القيام بخطوة جريئة لا يمكن لغيره أن يقوم بها، فلعب دور الوساطة لتسهيل محادثات سرية بين الولايات المتحدة وإيران، أثمرت بالاتفاق التاريخي الذي كان أكبر مفاجأة للعالم كله عام ألفين وخمسة عشر.
كما لا يمكننا أن ننسى الدور الحكيم الذي لعبه في الصراع الحاصل في اليمن ومساعيه الحثيثة لتحقيق الصلح والسلام بين أطراف النزاع في هذا البلد الشقيق، والذي تجمعه بالسلطنة علاقات تاريخية واجتماعية متينة، ولاشك أن تحقيق الاستقرار فيها هو تحقيق للأمن في المنطقة برمتها.
كما أن الأزمة الخليجية كانت من أولى أولوياته، وحرص أن يجمع الأشقاء العرب، واتخذ موقفاً حيادياً سعى من خلاله لإحداث نوع من التوازن بين الاطراف حفاظاً على مصالح الدول والشعوب مهما كان مقدار المناكفات بينها.
حبنا للسلطان قابوس تعكسه كلماتنا الصادق النابعة من عمق الفؤاد، ودموعنا الحرّى على فراقه، فقد ترك رحيله فراغاً ملأه تاريخه البطولي، ونبل أخلاقه وإنسانيته، وسيبقى السلطان قابوس حياً في قلوبنا ووجداننا، وستظل كل أعماله ومواقفه وخطاباته تشهد له وتخلد ذكراه عاماً بعد عام، وعهداً بعد عهد .. رحمه الله رحمة واسعة، ووفق السلطان هيثم بن طارق ليكمل المسيرة القابوسية، ونحن على يقين بأن سلطنة عمان ستبقى مشعل نور، وبلد الريادة، ورمزاً للسلام.