بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

كيف نسيطر على أبنائنا في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي؟!..

الدكتـور/ محمـد المـعـمـوري

باحـث وكاتـب – الـعـراق

 

كيف نسيطر على أبنائنا في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي؟!..

 

بَدْءً أود أن أعرج قليلاً على أثر شبكات التواصل الاجتماعي وتأثيرها على حياتنا ، وما أضافته من تفكك للعلاقات الأسرية قبل أن أكون ضمن عنوان مقالي فإنني ومع من يشغله هذا الهرج والمرج في المجتمع جميعنا متفقين أن منصات التواصل الاجتماعي هيأت المناخ لاختراق عاداتنا ، والابتعاد عن تقاليد مجتمعنا العربي الذي كان مجتمعاً متماسكاً لايتبع التقليد الأعمى ، ويؤمن بالتجديد النافع ، ويقف عند كل صغيرة وكبيرة لمحاسبة الأطفال على تصرفاتهم ، وينصح الشباب عند هفواتهم ، وتُحترم فيه “الشيبة” ويوقر فيه الكبير ويعطف فيه على الصغير ، وهذا كان ناتجاً من المتابعة المستمرة للآباء داخل أسرهم ومتابعة المعلم لتلاميذه …

من الأمور التي لازالت عالقة في ذهني وأنا في الصف الأول الابتدائي ؛ كان مشرف الصف وهو معلمنا الأساسي لكافة المواد يُخَصّص الحصة الأخيرة ليقرأ لنا قصة تذكرنا بمكارم الأخلاق من شجاعة وكرم ونخوة ؛ فكانت تلك القصص تؤجج فينا روح الإيثار وتبعث في نفوسنا الصغيرة غرسة النزاهة والإيمان ، ولازالت تلك القصص محفورة بأفكارنا ، فكانت مقياساً لتصرفاتنا على مدىً بعيد ؛ بل لازلت أتذكرها وأتذكر أسلوب تناولها من قبل معلمنا.

اليوم الأسرة تشكو من عدم تقاربها ؛ فيذهب كل نفر في الأسرة منزوياً للحديث مع صديق افتراضي ، أو أنه ينشغل عن أفراد أسرته بموضوع يستهويه أو أنه يناقش مع صديق افتراضي مشاكل تعنيه.

كانت الأسرة تتجمع في بيت واحد بل في مكان واحد ، وكان هذا المكان قبل “جيل منصات التواصل الاجتماعي” مخصصاً لمتابعة الأبناء ، والسؤال عن تصرفاتهم ؛ فكانت تجتمع الأسرة لكي يخبر الابن أبويه عن يومه ويناقش الآباء أبناءهم عن نتائجهم فلا ينفض مجلسهم إلا بعد أن يعلم كل فرد من أفراد الأسرة بالمشاكل التي واجهتهم في يومهم هذا ، ومحاولة حلها أو تجاوزها ، أما اليوم فإننا لا نعرف عن أبنائنا شيئاً ، ولا نتابع مسيرة دراستهم ، وإذا ما أرسل إلينا لاجتماع الآباء مع المدرسة تتجمع الأعذار فلا يتحمل كلا الأبوين مسؤولية حضور هذا الاجتماع بحجة الانشغال ، أو أن لديه التزام فتضيع فرصة لأن يتعرف الآباء على مشاكل أبنائهم ، ومعرفة مستواهم بين أقرانهم.

وعوداً على بَدْء فإننا يجب أن نجد الحلول التي تعيد للأسرة تماسكها ، وتبنى جسور المحبة والألفة بين أفراد العائلة ، وتخصيص الوقت الذي يوجد فيه الأبناء والآباء داخل البيت لمد جسور المحبة ، ومتابعة الأبناء والوقوف عند مشاكلهم ، والعمل على حلها ، والابتعاد عن الهاتف ليكون الوقت بكامله للأسرة وتكون الآذان صاغية لهم والقلوب منفتحة لاستيعابهم.

وما هو الحل إذن …؟!..

الحل في أن نضع هواتف الأسرة في مكان واحد تحت إشراف الأبوين ، وأن لا يتم استخدامه إلا للضرورة القصوى ، والأفضل توصيل البيوت بهاتف أرضي ومنه يمكن الاتصال على أي هاتف متنقل عند الضرورة ، وكذلك أن لا يعتبر نقال الابناء من الخصوصيات التي يجب أن لا يقترب منها الأبوين، وكذلك يجب أن يرفع الرقم السري ويكون الأب والأم مسؤولَيْن عن متابعة أبنائهم ومعرفة ما تحوي هواتفهم المتنقلة الذكية ، ربما يكون كلامي غريباً إلا أن هذا الحل هو الذي يجنب أبناءنا الوقوع في خفايا الأمور ومحدثاتها ، وليكن تصرف آبائنا معنا بالأمس طريقاً واضحاً نسلكه مع أبنائنا ، عندما كان الهاتف يوضع في مكان وجود العائلة ويكون مراقب بشكل غير مباشر من الأم والأب فما الفرق وما المشكل لو طبقنا هذا على أبنائنا لنجنبهم شر البلاء الذي جاء به هذا الضيف الغريب ، وكيف نستطيع فعل ذلك …؟.
كيف يحصل هذا ؟ وهل هو أمر هيِّن ؟ وكيف يمكن تنفيذه …؟.
تنفيذه يتطلب منا الصبر والمثابرة لكي نطبق قانوناً عائلياً يعيد للعائلة تماسكها ، بل يعيد للمجتمع تقاليده ويفتح أبواب النقاش والاستماع بين أفراد الأسرة الواحدة ، ومعرفة مشاكل بعضنا البعض ومحاولة حلها لتجنب “تضخمها ” ، فعدم التمكن من السيطرة عليها نفقد تماسك العائلة ويتفتت المجتمع ، عندها يكون الصديق الافتراضي هو من يقود الأسرة ليضع مفاهيم جديدة في المجتمع ، ولأن الأمر خطير ؛ علينا أن نبدأ وإذا بدأنا علينا أن نستمر.

هل نعي كم هو خطر علينا هذا الجهاز وهو يصاحب حياتنا ؟ وهل يمكننا أن نتخيل كمْ من الوقت يأخذ من يومنا ؟ وقبل منامنا فكيف للابن الذي يجب أن يُحَضِّر دروسه أن يوفق بين الاجتهاد وهذا البلاء الذي يدفعه لقضاء الوقت في عزلة ودون رقيب فيظن الآباء أن ابنهم مجتهد ويذاكر ؛ بينما هو في عالم افتراضي يهيئ لنفسه الأعذار للتواصل مع صديق أو لإجراء مكالمة طويلة أو حتى يهرب من ضغط الدراسة إلى لعبة متوفرة بشكل سخي في هاتفه ، وهل نعلم كم هو خطير أن نترك أبناءنا بلا مراقبة مع جهاز ممكن أن يتحول إلى أداة لانحرافهم ؟ ، وعليه يجب أن نبدأ بأن ننتزع النقال من أبنائنا حال وصولهم البيت لكي نستطيع أن نوفر لهم الوقت الكافي للانتباه على مذاكرتهم أو الانفتاح في جو أسرتهم ، وطبعا هذا لا يخص الأبناء فحسب ، بل جميع أفراد العائلة بلا استثناء.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى