رحلت سريعاً يا محمود !!..

الكاتب/ يحيى بن حمد الناعبي
رحلت سريعاً يا محمود !!..
عرفته طيباً بشوشاً منذ أن وطئت قدماي العامرات عام 1996، يقابلني بابتسامته الصادقة ووجهه البشوش، يسأل عن حالي وحال أولادي وأهلي، يسأل عن جميع الناس.
يحب أن يطمئن على الجميع بأنهم بخير، لا يحمل في قلبه حقداً ولا حسداً ولا شحناء، يحب الجميع ويحبه الجميع.
يبدأ يومه باكراً بأداء صلاة الفجر في جماعة في مسجد حارتنا (أنس بن مالك) يُحَيّي الجميع بقلبه قبل لسانه، يؤدي سنة الفجر ثم يأخذ مصحفه ويقرأ فيه ما تيسر من آيات القرآن الكريم، ويحرص أيّما حرص على مصافحة الجميع بعد صلاة الفجر وغيرها من الصلوات.

ثم ينطلق إلى بيته ويجهز دلة القهوة والتمر ليذهب في رحلة صباحية في شاحنته الصغيرة لكسب الرزق الحلال، لكي يؤمن حياة سعيدة لأفراد أسرته، كبر أولاده فكبرت أحلامه بأن يبني لهم مسكناً حديثاً يتسع لجميع أفراد أسرته لأن منزله القديم أصبح ضيقاً لا يتسع للجميع وخصوصاً بعد زواج إبنه المُدَّثِّر.
فخطط مع أبنائه على بناء منزل كبير يتسع للجميع بحيث يرجع معهم فلذة كبده المُدَّثِّر الذي استأجر منزلاً بعد زواجه، لكي يكون المُدَّثِّر والمؤثر معه في نفس البيت بحيث يراهم صباح مساء، ينظر إليهم ويمتع ناظريه برؤيتهم، فيحمل أبناء المُدَّثِّر ويقبّلهم لأن معزتهم من معزة أبنائه، فكما يقال (إيش أعز من الولد، قال ولد الولد).
نعم فأبناء الأبناء هم أبنائي وأعزّائي وقرّة عيني، هكذا كان حلمه الذي كان يراوده في كل وقت وحين، فخطط ونفذ وقام البناء سريعاً رغم الظروف الصعبة التي نمر بها بسبب انتشار وباء كورونا فقد وصل البناء إلى مرحلة تسقيف الطابق الثاني.
ولكن القدر المحتوم أتى سريعاً أيضاً، فقد أصيب بهذا الفايروس قبل أيام قلائل، فحجر نفسه في منزله، وكان يتابع أمور البناء والتعمير وهو في فراش المرض، وكان يؤمن احتياجات المنزل وهو على تلك الحالة.
اتصل به صديقه ورفيق دربه في ذلك الكسب الحلال الأستاذ زهران الهنائي سائلاً عن أحواله ومطمئناً على مرضه، فكان يحييه بهذه الكلمات التي أنقلها لكم كما تفوّه بها أخي محمود رحمه الله تعالى (مرحبا بك، كيف حالك وكيف حال أولادك وشيّابك، وكيف حال عمك كلهم بخير، الله يعطيك الصحة والعافية، يوصيه بإحضار عشر حبات من الدجاج الطازج إذا جاء بكره، ويقول له جزاك الله ألف خير، أحسنت أبوي أحسنت).
هذه هي كلماته الأخيرة لأخيه وزميله زهران الهنائي، لأن الأستاذ زهران يسأله عن صحته وقد أصابه هذا الفايروس وهل يريد شيئاً قبل العيد فوصّاه بهذه الوصيّة لأنه أراد أن يؤمّن لقمة العيش لأبنائه وهو على فراش المرض.
وفي نفس اليوم بتاريخ 17 يوليو أرسل رسالتين صوتيّتَيْن لإخوانه وأعزّائه أهل السيب وبوشر ناصحاً لهم (يو أهل السيب وبوشر حافظوا على أرواحكم، كل يوم 300 أو 200 إصابة، هلّله هلّله في روحكم ما يصير كذا، جالسين مقيدين الناس، حافظوا شويه حافظوا شويه، الحكومة نهاريه جالسة تنصحكم وكلهم ينصحوكم، هذا تعب نهاريه مسجونين، ويتابع حديثه قائلا : إذا استمر على هذه الحالة جاي عيد الحج، يا إخواني يا أعزّائي حاولوا، يا إخواني حاولوا).
بهذه الكلمات العفوية من قلب محب نقلتها لكم بالحرف الواحد من رسائله الصوتية، ينصحنا جميعاً بأن نلتزم بقرارات اللجنة العليا المكلفة بالتصدي لهذا الوباء ومنع انتشاره ونستمع لكلام الحكومة.
أهكذا ترحل عنا يا محمود ؟!!.
أهكذا تتركنا وحيدين في هذه الحياة نتحسر ألماً وتعتصر قلوبناً على فراقك ؟!!.
أهكذا تترك جماعة مسجد أنس بن مالك وجيرانك ؟!!.
من يقابلنا في صلاة الفجر بتلك الإبتسامة الصادقة والوجه البشوش ؟!!.
من يأخذ علومنا وأخبارنا في كل صلاة ؟!!.
من يكلمنا ويمازحنا باللهجة المصرية (أنت فين يا أبو عبدالعزيز) ؟!!.
رحمك الله أخي العزيز وأسكنك فسيح جناته (إنا لله وإنا إليه راجعون).
عزاؤنا وأملنا في أبنائه المُدَّثِّر والمُؤْثِر بأن يكونوا خير خلف لخير سلف.
				
					











