التَّهَاونُ في البروتوكول أفقدنِي وظيفتي!!..
عـصـام بن محـمـود الرئيـسـي
كاتب، ومؤلف سلسلة كتاب مختارات من البروتوكول والإتيكيت
التَّهَاونُ في البروتوكول أفقدنِي وظيفتي!!..
تكمن أهمية البروتوكول في المؤسسة في التقيد بنظامها والمحافظة على هيبتها، ولم يُصغْ ذلك النظام والتشريع عبثًا أو تعسفًا، أو مظهرا من مظاهر الإدارة الحديثة لوضعه في أرفف المكاتب كما يظن البعض، بل هو نظام صارم لا يمكن كسرُه، بل يجب المحافظة عليه، واتّباعه بطريقة صحيحة.
ويقصد بالبروتوكول المؤسسي هو ذلك النظام المُشَرَّع والمتفق عليه والذي يجب التقيدُ به من قِبَلِ جميع العاملين بمختلف مناصبهم ومستوياتهم سواء ذلك النظام إداري أو سلوكي، ويمكن وصفه أيضا بأنّه مجموعة من الإرشادات التنظيمية التشريعية، التي تحدد كيفية مسار العمل واستمراره وفقًا لمجموعة من القواعد المحددة المتفق عليها والموثقة في اللائحة التنظيمية للمؤسسة، إلا أنَّ هناك الكثير مَنْ يتجاهل أو لا يعي تأثير البروتوكول الكبير في بيئة العمل؛ فالمؤسسات تعجُّ بالعديد من الأخطاء البروتوكولية الشائعة التي يرتكبها الموظفون دون اهتمام، ويعود ذلك إلى عدم فَهْمٍ، أو الاطِّلاع الجادّ على بروتوكول المؤسسة بشكل صحيح.
وترى فئة من العاملين بأن ذلك النظام يقيد حركة وحرية الموظف، إلا أنه في الحقيقة هو نظام مُشَرَّع، وقواعد تنظيمية تنظم صورة وأداء الموظفين بين بعضهم البعض من جانب وبين مسؤوليهم من جانب آخر، وبين عملاء المؤسسة، وإنَّ إهماله قد يتسبب في تكوين صورة سيئة حول الأداء الوظيفي للموظف، ويترك انطباعا سيئا عن حياته الشخصية، ويولد صورة ذهنية سلبية للمؤسسة بشكل عام، أو ربما خسارة عملاء مستهدفين ومهمّين، أو فقدان للموظف وظيفته أو حرمانه من منصب مخطط له.
يقول ياسر وهو موظف سابق في إحدى الشركات الكبرى : لقد أفقدني التهاون في تطبيق البروتوكول المؤسسي وظيفتي في شركة عملاقة؛ حيث خسرت الشركة العديد من العملاء؛ بسبب إهمالي؛ حيث كنت أعمل في قسم العلاقات العامة، وكنت لا أكترث كثيرا باستقبال العملاء بطريقة صحيحة، وفي مواقف أخرى لا أرد على اتصالاتهم المستمرة، ولا أبالي حتى بمواعيدهم مع المسؤولين بالشركة، وفي كثير من الأحيان أمرّر مهامي لزملاء لي غير متخصصين في مجال مهنتي لانشغالي في مهام أسرية خاصة، وكذلك عدم الالتزام بالزي الرسمي للمؤسسة .. كل هذه المواقف وغيرها كانت سببا في إساءة سمعتي بشكل عام، ولقد حاولت أنْ أعدل بعض جوانب القصور في شخصيتي، إلا أنَّ الوقت قد مضى، وقد أهدرته في إهمالي وعدم اكتراثي مما أدّى إلى فصلي من عملي وأفقد وظيفتي .. (نهاية الحديث).
إذن هناك أمراض اجتماعية أصابت حياتنا، ومنها مرض الإهمال والتسيب واللامبالاة والمبالغة، وهو يعني التقصير في الأعمال، والتهاون في أدائها، وعدم إتقانها، والله -عز وجل- قد حذرنا من هذا الإهمال، وأخبرنا بأنه رقيب علينا، وينظر إلى أعمالنا؛ قال تعالى : ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾.
إنَّ الإهمال يدمر حياة الشعوب والمجتمعات والأفراد، فما بالك على مستوى المؤسسات، وهو عدوّ التقدم والتطور والبناء، وتتعطل المصالح، وتهدر الأموال، ويقل الإنتاج، وتتدنى الجودة، ويضعف الاقتصاد، وتتعرض النفوس للأخطار.
قيل إذا دخل «الإهمال» من باب، خرج العقل والجدية والالتزام من باب آخر؛ فالإهمال والتهاون في الشيء يقضي عليه تماما، ويؤدي حتما إلى نتائج عكسية وسلبية، ومحصلته النهائية الفشل، وفي الجانب الآخر أيضا؛ فإن المبالغة في الأمر تؤدي إلى نتائج سلبية وتجرّ صاحبها إلى الفشل الحتمي؛ فالوسطية هي الحلّ الأنسب في حياتنا، وهي مظهر حضاري رفيع، فهي أفضل الأمور وأنفعها للناس.
من هنا تأتى أهمية أصول وبروتوكول التصرفات السليمة في مكان العمل، لا لكونها قواعد تنظيمية فقط، وإنما هي غاية في الأهمية، وتتعقد أكثر بتطور العمل ذاته؛ فلهذا لا بد من متابعة تحديث البروتوكول؛ ليتماشى مع التطور السريع، ومع نمط عمل المؤسسات بشكل عام، وهذا لا يتأتى إلا بتطوير مهارات العاملين في هذا التخصص، ومتابعة كل ما هو جديد عالميا للمحافظة على استمرار التوافق مع التطور وفن التعامل والتواصل مع الآخرين بطريقة سليمة وناجحة.
وعلى الخير نلتقي، وبالمحبة نرتقي..