قصص ، رواياتمنوعات

رواية : وادي الرمال .. الحلقة (40)..

حـمــد الـنـاصــري

كـاتـب و قـاص

 

رواية : وادي الرمال .. الحلقة (40)..

 

في اليوم التالي الْتقت السيدة وجُون في بَيْت أبيها والمُسمى ، بيت التُّراث، بإبْن عمّها عدّار بن سدح السدّاح ، غير الشقيق لأبيها وقد ورثتهُ من أبيها مَعن السداح فاتّخذته سَكناً لها .؛

وقد تبادلا التّرحِيب وتَحدّثا طويلاً فيما يتعلّق بالعائلة وناقشا المُعضلات والمشاكل وتطرّقا إلى التحديّات التي تُواجه كُلّ منهما.. وظلّت المُشاورات تُراوح مَكانها دون اتفاق واضح، امتدّت لخمسة أيّام مُتتالية.. وأخيراً وبعد جدل ولغة حوار احتدّت في شِدتها أحياناً، وفي هدوء أحياناً أخرى ، وحين اختلفا ، اتفقا بإدخال طرف ثالث قريب من العائلة وهو المُستشار ساعد الموثوق به في العائلة وقد انتهت المُحادثة السريّة بين الثلاثة برغبة عدّار في الزواج من إبنة عمّه الكاهن مَعْن.؛

وحين علم رجال عدّار بما تمّ الاتفاق عليه بين السيدة وجون وابْن عمها عدّار انشقوا عن زعيمهم ، نظراً لما وقع فيه زعيمهم من خطأ ، فأمرهُ كان فُرطاً ، مُحرجاً لهم جميعاً ، وكان موقفه صَعبا؛

وقد عبّروا عن موقفهم بقولهم :

ـ جئنا لتمتين علاقة القريتين ومدّهُما بالقوة والرجال ولم نأتي لحضور حفل زواج؛

وكانت ردّة الفِعل بشأن الاتفاق في هذا الجانب هو الرفض القاطع .

قال كبير مُعارضي الاتفاق :

ـ لا نُوافق على ما جاء في بنود الاتفاق خاصة ما نصّت عليه المادة التاسعة التي تخلّلت ، صفقة الزواج بين الزعيم عدّار وبين سيدة مجن الكبرى. وكذلك ما احتوتْ عليه المادة السابعة من نص الاتفاق .. نقل مَخازن القريَة الجديدة على مشارف الوادي إلى مملكة مَجَن الكبرى والمادة الخامسة بجعل بعض العتاد الحربي في القرية الساحليّة.؛

قال أحد اقرباء المُنشق عن عدّار :

ـ أمرٌ كهذا لا يجبْ أنْ يُقرهُ عدّار لوحده في مُجتمعنا فالقرية الناشئة نشترك في منافعها ، وإنْ تزعّم قيادتها.!

ولكنّ عدّار لم يَسْتجب لرأي جماعته ولم يَهتم بأمرهم.؛ فقد عُرف عنه بأنه رجل صَلف، ورغم مُعارضة الرجال له فقد وقع الاتفاقية.

قال احدهم مُجاهراً بعد توقيع الاتفاقية:

ـ لا يجب عليه ،كزعيم أنْ تُنسيه ابْنة عمه أمْن قريته ولا أنْ يغيب عن باله ، ذلك الامر الذي جِئْنا من أجله حتى وإنْ شغفته حُباً ؛

فمكانة القرية أقوى من علاقة عاطفية وأعظم من علاقة عابرة ، وقد عُرف بأنّ كُل علاقة عاطفية دخلتْ في السُرور ونشوة الفرحة ، على حساب الحياة والمَعيش فلا نتائج مَضمونة لها ، فأكثر الاخطاء خطورة تلك التي تُرتكب في حقّ الأوطان على أسُس عاطفية أو على قيود نشوة مُتاحة ، فالعلاقة العاطفية تُثني القِيَم وتُؤطّر بنشوتها القرية وتجعل الحياة أكثر صُعوبة حتى وإنْ تمّت بالتراضي والإجماع.؛

انفضّ رجال من مجلس بيت التراث وانشق آخرون على أثر توقيع الاتفاقية دون مُراعاة الرجال الذين اعترضوا على بنود الاتفاقية الثلاثة ، وقالوا:

ـ لا شغف ولا حُب يجعلنا في ضياع . فليذهب هو وزواجه إلى الهاوية . لن نسكت ، ولن نقبل من أحد أنْ يُقلل من قِيَمنا وأخلاقنا أو يجعلنا في دائرة غير آمنة.

استمرّ عدّار في ترتيبات الزواج من السيدة وجون ، بشروط من جانبها، بينما الجانب الاخر ، الزعيم عدّار عليه تنفيذ بنود الاتفاق الثلاثة ، وأضافت السيدة وجون فقرة أخرى أضيفت كبند ملحق في المادة السابعة .. يقوم عدّار بنقل مخازن السلاح والأغذية طويلة المدى إلى جانب قيامه بنقل الفاكهة بعد تجفيفها ، والقابلة للاستهلاك الغذائي إلى قرى ساحل مجن مُجففةً بإشراف رجال مملكة مجن .؛

ورغم ذلك فقد اختلفت السيدة وجون مع ابن عمها عدّار واعتبرتْ تحديد مكان تخزين الفاكهة والاغذية طويلة المدى من قِبَله مرفوض ؛ وعقّبت على هذا الشرط بأنه تصرّف غير مسؤول.؛

وقالت بلهجة آمرة :

ـ لا أحد غيري له الحقّ في تحديد الاماكن أو تحديد الوقت والفترة الزمنية للتنفيذ ، وكل الأمكنة تبقى في سرية تامة غير مُعلنة..؛

حاول عدّار أنْ يُسويَ معها توافقاً مُشتركاً ، كأنْ يُبدي رأيه .مثلا. أو يقترح فكرة إقامة مخازن الأسلحة بجانب مخازن الأسماك المُجففة قرب الساحل ، لكن سيدة مجن رفضت الفكرة بقوة وبشكل قاطع وعقّبت على هذا الرأي:

ـ كل الأمكنة غير المُعلنة في الوثيقة ، تبقى في سرية تامة، ناهيك عن مخازن التمور والبذور والفاكهة المُجففة التي نرى أنْ تكون في مكان واحد وعلى رجال مملكة مجن الكبرى ، القائمون على هذا الشأن هم الذين يُبدون رأيهم فيها ويُشرفون على مُتابعتها وجميعها من اختصاص رجال مجن ،ولا دخل لعدّار فيها ولا الذين معه .؛

وشدّدت سيدة مجن الكبرى، على وجوب التأكيد بالوثيقة ، عدم ذكْر القرية الناشئة في الاتفاقية سواء بالتلميح أو بالإشارة.؛ وتُستبدل بكلمة القرية الناشئة عبارة ،جماعة عدّار السداح .؛

وتُحذف كل كلمة قرينة اسم عدّار ، كالزعيم ، القائد ، البطل أو الإشارة إليها أو ذكرها. ويُكتفي ، باسم عدّار السدّاح.؛

كما ألْحِقت الوثيقة التاريخية باتفاقية سُرية ، جاء فيها.. لا يجوز لعدّار اتخاذ قراراً مُنفرداً في أي شأن من شؤون حياة المجتمع ومَعِيشهم ولا يحقّ لعدار مُمارسة أي عمل خدمي أو قيادي في مَملكة مجن الكبرى ، والسيدة وجون الوحيدة التي لها الحقّ في مُمارسة قيادتها في مجتمع مجنْ؛ ويُعتبر عدّار من ضِمن أفراد المُجتمع ويُدين بالولاء لقيادة مجن الكبرى.

كما لا يجوز لعدّار التدخل في الشأن الداخلي ، سواء بالإعلان أو بالتلميح ، ولا يحق له مُعارضة قيادتها أو أنْ يتخذ من أرض مملكة مجن ، نزعة عُدوانية للغير أو للقرى المُجاورة.؛

وإنْ خالف فإنه يحق لمملكة مجن اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية المجتمع من أي تدخل مُريب وإن استدعى الامر مُغادرة مملكة مَجن فلن يعود إليها مرة أخرى .؛

بقي عدّار صامتاً ، وبدا مُهتماً بتسوية البنود المُختلف عليها نزولاً عند رغبة السيدة وجُون ، واتفق معها على تسوية كافة البنود ، السرية منها والمُعلنة بالوثيقة .. والتفتَ إلى أؤلئك الذين بقوا معه ولم يُغادروا مجلسهم وقال لهم :

ـ اذهبوا وافعلوا ما أمرتكم به.؛

قال رجل لتوّه انضمّ إلى ركب المُجتمعين:

ـ سيدي القائد عدّار ، نحن نرفض بشدة ، كل اتفاق لا يُؤمّن لنا قريتنا ، ولن نسمح لأحد أنْ يُفرض علينا رأيه ، ومَخازن صِناعتنا الحربيّة لن ننقلها إلى قرية مَجن الساحليّة.؛

لا شكّ أنّ بلدتنا صغيرة ، ونحن قادرون على صَون استقرارها ، بلدة أنشأها والدك سدح بن عون لتكون كبيرة على ساحل طويل يمتد أفقه إلى أعالي البحار وعلى مشارف الوادي الكبير ولن نسمح لأحد، بأنْ يَسْتفيد من مخزون صِناعة العَتاد ، وصِناعتنا الحربية وُضِعتْ لتقوية أرْكان بلدتنا الناشئة؛

ونحن مُهتمون بما نشعُر به من مخاوف وتَحْصِين بلدتنا مِن أيّ مُعْتدٍ وغازٍ واجب مفروض ، فهي جزء من مسؤوليتنا ولا يحقّ لغيرنا المساس بأمْنها .؛ وها نحن جئنا نُخبرك بأنّ رجال بلدتنا الصغيرة لن يأتمرون بأمرك لطالما اتخذت قراراً كهذا بمفردك.؟ فهذا القرار مُؤلم ومُؤرّق ونُؤكّد لك ، وبكلّ ثقة ، لن نسمح بأي أحد يُمليَ على رجالٍ صَنعوا عتاداً وأداروا بلداً بكل أركانها؛

ثار عدّار واشتدّ ثم هَدأ.. وقال هامساً للرجل:

ـ ثق بي .. تفكيري بعيد المدى .. أنا لا أقترب من غير هدف .. تفكيري هو موقع مجن الاستراتيجي ، ذلك هو الذهب الذي أبحث عنه ، انتظروني حتى أحْكم قبضتي عليها ، ثم اسألوني عن كل شيء.؛

سكت ثم اردف:

ـ كُن معي ولا تخف ، فعدّار يفهم ما يُريد ولن يُفرّط في شيء، ثِقْ بما أقوله لك ولن تُخطئ عيناي الصواب.؛ دعني قليلا أُهادنها إلى أنْ يحين تثبيت قرار القِران ؛ فساعتها تتبدّل الظروف وتتغيّر مُسايرتها، اتركوني أسَاسيها بفطنة وستعلم حينئذ ، بأيّ ذكاء أتعامل معها ، أنا عدّار السدّاح .. وأنت تعلم الكثير ، فالهدف بحر مجن الكبير ، وبقليل من الفطنة نُحقق الغاية.؛

سكت الرجل ولم يبزم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى