بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

النـمـوذج الناجـح لإدارة الأزمات (4)..

صــلاح الـشـيـخ

مسـتـشار إداري وجمركي وخبـير موارد بشـرية

elshiekhsf@gmail.com

 

النـمـوذج الناجـح لإدارة الأزمات (4)..

 

في مقالات سابقة أوضحنا أن إدارة الأزمات عرفت منذ القدم ، وكانت مظهراً من مظاهر التعامل الإنساني مع المواقف الطارئة ، ولم تكن تعرف في ذلك الوقت بإدارة الأزمات ، وإنما تحت مسميات أخرى مثل ؛ حسن الإدارة ، أو الحنكة ، أو البراعة في حل المشكلات …الخ.

يقول هنري كيسنجر : “إن التاريخ هو ذلك المنجم الزاخر بالحكمة الذي نجد فيه المفاتيح الذهبية لحل مشاكل عصرنا ، شريطة أن نعرف أين نضرب معولنا”.
وفي أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 خير مثال على إدارة الأزمات ، ونوجزها فيما يلي :

1. في مايو 1962 وافق رئيس الإتحاد السوفيتي خروتشوف علي تزويد كوبا – التي تفصلها مسافة 90 ميلا بحريا عن سواحل فلوريدا الأميركية – بصواريخ نووية نظرا لنشر الولايات المتحدة صواريخ “جوبيتر” في كل من إيطاليا وتركيا في 1961.

2. اتسمت عملية نقل الصواريخ بالسرية المطلقة ، لذلك استخدمت روسيا سفن تجارية لنقلها إلى كوبا ، وذلك ضمن عملية سميت “عملية أنادير” ، وبذلك أصبحت كوبا قاعدة عسكرية سوفيتية متقدمة في إطار مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية.

3. في 22 أكتوبر 1962 أعلن الرئيس الأميركي جون كينيدي إجراءات الردّ على نشر الصواريخ السوفيتية في كوبا بفرض حصار بحري على كوبا ، وتفتيش السفن المتجهة إليها ، وتسيير طلعات جوية استطلاعية فوق مواقع منصات الصواريخ في كوبا.

4. وتحسباً لمواجهة عسكرية نووية مع الاتحاد السوفيتي، أوصى وزير الدفاع الأمريكي بشن هجوم استباقي على كوبا لتدمير المنصات السوفيتية ، والذي كان سينجم عنه حرب عالمية ثالثة تستخدم فيها الأسلحة النووية ، في حين أشار السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة إلى سرعة فتح قناة اتصال مع الرئيسين السوفيتي والكوبي.

5. في 23 أكتوبر 1962م وصلت رسالة إلى الرئيس الأميركي من خروتشوف ، معلنا مضي الاتحاد السوفيتي قُدُماً في تسيير سفنه نحو كوبا ، وأن بلاده غير معنية بالحصار الأميركي المفروض على كوبا ، ومع ذلك فإن السفن السوفيتية بدأت في التباطؤ للوصول إلى السواحل الكوبية.

6. في 26 أكتوبر 1962 تلقى كينيدي رسالة من خروتشوف يتعهد بإزالة الصواريخ من كوبا ، إذا وافقت الولايات المتحدة على رفع الحصار ووعدت بعدم غزو كوبا.

7. في 27 أكتوبر 1962 أرسل خروتشوف رسالة إلى كينيدي اشترط فيها إزالة الصواريخ الأمريكية من تركيا وإيطاليا مقابل إزالة الصواريخ السوفيتية من كوبا.

8. في 28 أكتوبر 1962، انتهت أزمة الصواريخ الكوبية بعدما توصل الطرفان إلى اتفاق يقضي بإزالة الصواريخ السوفيتية من الأراضي الكوبية ، شريطة تعهد الولايات المتحدة بعدم غزو كوبا ، وأن تتخلص تدريجيا من صواريخ “ثور” في بريطانيا ، وصواريخ “جوبيتر” المنصوبة في كلٍّ إيطاليا وتركيا.

مما سبق يتضح لنا كيف تمكن الاتحاد السوفيتي من إدارة أزمة الصواريخ الأمريكية في بريطانيا وإيطاليا وتركيا بأزمة الصواريخ السوفيتية في كوبا.

بمعنى صناعة أزمة للتحكم والسيطرة على أزمة أخرى ، وتتكرر صناعة الأزمات في عصرنا الحالي بصورة أو بأخرى في معظم دول العالم ، ومنها وجب التنويه إلى أن الأزمة المصنوعة يجب أن يتوافر لها مواصفات حتى تؤتي ثمارها نوجزها في الآتي :

1. الإعداد المبكر.

2. السرِّية في التنفيذ.

3. تهيئة المسرح.

4. توزيع الأدوار.

5. اختيار التوقيت المناسب لتفجيرها.

6. التمكين (خلق موقف يمكن من تفجير الأزمة متمثلا في السرية في نقل الصواريخ السوفيتية لكوبا).

7. إيجاد المبرر لتفجير الأزمة.

8. إجادة فن إدارة المفاوضات لحل الأزمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى