مدرسـتـي الغـالـيـة..
الناشيء/ أيهـم بن مصـطـفـى الخياري
مدرسـة الحـارث بن خالـد
مدرسـتـي الغـالـيـة..
مـقـدمـة..
كم كنتِ بدايةً لكل سعادة، ونهاية لكل تعاسة، كم كنتِ سبباً للهداية، وحائلاً أمام كل ضلالة، وكم كنتِ محلً علمٍ، ومحطّةً لمقتبسه، فالعلم إن كان نوراً، فأنتِ شمعته، والجهل إن كان ظلاماً (وحتماً هو)، فأنتِ قاهرته؛ لا تكاد الكلمات تخرج من ذهني، لتوفي حق ما تبدي، فأنتِ موسوعة كبيرة، تتدلّى منها موسوعات، وأنتِ حكايةٌ طويلةٌ، يحملها بيده كل من ذهب إليكِ، فهم يدخلونكِ بأيدٍ فارغةٍ، ويخرجون زاخرين بكِ، فرغم غمّ فراقك، يصاحبنا غبط جناك، ويا حسرتا حال من عبركِ مخفقاً راسباً، مطأطأً رأسه، فإن لم ينجح عندكِ، فماذا سيفعل عند غيركِ؟؟ ويا حلاوة حال من لم يقبل إلّا بك، فلم تفارقيه إلاّ ببشرى الألقِ، أنت كل هذا وأكثر، بما حويت وبما احتويت…. يا مدرستي!!.
عـلـى أرض الواقـع..
إنك لست مجرّد بنايةٍ كبيرة تنشغر بالكثير من طلبة العلم، ولا مجرّد محطّة يحطّ عندها من فقد شعلته، فأراد أن يقتبس من عندك ما فقده، بل أنت أيضاً مقرٌّ لكلّ هاوٍ وخبير في علمه، و لكل معلّم قد كان له نصيب كبير من العلم، و أنت قد حملت على متنك العديد من الطلاب النابغين، الذين لم تنساهم طموحاتهم قط و لم ينسوها، و أنت حملت العديد من المعّلمين المتمرسين، الذين أبوا أن ينهوا مسيرتهم الشامخة عند غيرك، و أنت لم ترفضي لهم أبداً أن تكوني بيتهم الثاني، و لم تصدّي رأسك عنهم، فقد كنت و ما زلت مستودعاً يقضون فيه أطول وقتهم، يظهرون به إبداعاتهم التي لم تكن ظاهرة، و ينمّون به مهاراتهم التي لم تكن نامية ، ويزيدون به لمعان ألقهم الذي كان قبل ذلك باهتاً، و يقتبسون منه علماً لم يسمعوا عنه من قبل، فمنهم من غدا رسّاماً مبدعاً متألقاً، و منهم من غدا طبيباً ماهراً ورِعاً، ومنهم من أصبح نجماً شهيرا لامعاً، ومنهم من أصبح عالماً، لم تتغلب عليه علومٌ. هذا يتحقق بما تدور في مدرستي من أنشطة متنوعة تلبّي طلبات كل من يتعلّم فيها، من أنشطة القراءة واللغة، إلى أنشطة الإذاعة والمسرحية، مع اعتماد الكثير والكثير من المسابقات التي تحفزهم وتحثهم إمّا على اكتساب مهارات وقدرات وعلوم جديدة لم يكتسبوها سابقاً، وإمّا على تنمية وتقوية ما لديهم منها… إنها بمنزلة الأم التي تعلم ما يفكر به أبناؤها وتتضامن معهم بقدر استطاعتها لتضمن لهم الخير والصلاح في دنياهم وآخرتهم، متطلعين نحو آفاقٍ مجيدة.
الأم مدرسة إذا أعددتها .. أعددت شعباً طيّب الأعراقِ.
الأمّ روضٌ إذا تعهّده الحيا .. بالريّ أورق أيّما إيراقِ.
بيـئـتها الجمـيلة..
تعدّ المدرسة عموماً مكاناً هامّا وجزءاً لايتجزّأ من المجتمع والدولة والشعوب أيضاً، فهي الأساس لتربية النشىء أخلاقياً و علمياً حيث ينمو على نفع مجتمعه ووطنه، ولذلك نجد الاهتمام الكبير من قبل معظم المدارس بتوفير بيئة مناسبة ومريحة توفر للطلبة التحفيز والدافع إلى بذل جهد أكبر وسعيٍ أمدد في مسيرتهم التعليمية، فبعضها ما يحوي مختبرات متطورة، وبعضها مكتبات واسعة، والبعض الآخر غرفاً أو فصولاً دراسيّة كبيرةً ومتطوّرةً، وبالنسبة لمدرستي، فقد علت و زخرت في هذا المجال، وعملت على توفير كلّ هذا وأكثر لأبنائها الأعزاء، فنجد في فصولها الدراسيّة أجهزة تعليمية حديثة، مثل شاشات التلفزيون المتطورة، ونجد فيها أكثر من مكتبة واحدة، هنالك مكتبةٌ كبيرة في مركز مصادر التعلم، والمكتبة “المتنقلة” المتواضعة، وكلها مليئة بالكتب المتنوعة التي تهدف إلى رفع المستوى الثقافي للطلاب الذين يرتادونها من ثقافة بلدهم وغيرها من البلدان، وإلى جانب كلّ هذا، فإن مدرستي أبت إلا أن يكون لها انفراد وتفوّق على غيرها من المدارس ببيئة مختلفة وفريدة يتعلّم فيها الطلاّب، فقد اشتهرت بــ “السبلة العمانية” العريقة، التي تتألف من طابقين، في مركز المدرسة ، تطلّ على الصفوف، وتبرز عليها زاهيةً بلونها البني الغامق، فهي مصنوعة بالكامل من سعف النخيل (خشبها)، وفي طابقها الأول يأتي الطلّاب المتميزون ، فيجلسون يتعلّمون ما هو خير لهم على حصير السبلة برفقة معلّميهم، مستفيدين بما ترفده السبلة لهم من أدوات التعليم المختلفة، وأما الطابق الثاني للسبلة، فمن النادر ارتياده، فقد صمّم لأجل أن يكون زينة المدرسة وجمالها، ففي أركانه تتوزع (الجِحال) و (القِفار) الكبيرة والصغيرة، وبمحاذاة الجدران تُستعرض (الأَشتات) السعفية، وغيرها من أدوات التراث العماني التقليدية المصنوعة من السعف والفخار، والتي لم توضع هناك بالتحديد عبثاً، فالحكمة من هذا تعميق التراث والتقليد العماني وتأثيره في قلوب الطّلاب وأذهانهم، حتى لا ينسوا وطنهم فيكونوا على مهمة خدمته والافتخار به ومحبّته على الدّوام.
قد يتساءل القارىء الآن من خرج بهذه الفكرة العبقرية، ولِمَ لم يخرج بها إلّا القليل من أمثاله، فكرة مشروع “السبلة” العمانية؟؟
خرج بها ودبّرها وصمّمها أحد الأساتذة المشرفين، أستاذٌ كانت له مسيرة مزدهرة عنوانها العطاء والابتكار، تتلخص بحب الطلاب، ومساعدتهم على الاستمرار، ووضع بصمة فريدة على قصة حياتهم، هذا الرجل الذي قلّ ما رأيت مثيلاً له في الإبداع والخروج قليلاً عن المألوف، كما فعل بتصميمه لهذه السبلة العمانية…
هي الحارث العلياء لأبنائها سلّم..
من لدنّ الدنو وإلى أعلى العلا
هو العلم للإنسان خير صاحبٍ..
وهي الحارث للعلم لها كل الفدى
هم جنود للعلم يمضون طلّابها..
هي حصنهم المنيع درعهم من الرّدى
سـمـعـتها الرائـجة..
تبرز في عصرنا هذا الكثير من المدارس التي كان لها نصيب من الشهرة و السمعة المنتشرة في أرجاء البلاد، منها ما يشتهر محلّياً، ومنها ما يشتهر على مستوى المحافظة التي توجد فيها، ومنها ما حظيت بسمعة طيبةٍ جعلتها متداولة على مستوى البلاد بأكملها؛ نظراً لعوامل مختلفة ساعدتها، منها قدمها و عراقتها، كأن تكون من أوّل المدارس في تاريخ تلك البلد، مثل المدرسة البوسعيدية، أو أن تكون كبيرة و واسعة للغاية، مثل مدرسة جابر بن زيد، أو كونها فريدة ، متقدّمة بمثابرة طلاّبها و معلميها، وتعّدد مشاركاتها في المسابقات والبطولات والورش بفضل طلاّبها على الصعيد المحلي أو الوطني، وذا هو برأيي أهم أسباب نجاح المدرسة واتساع نطاق سمعتها الطيبة من بين غيرها، تماماً كمدرستي، فهي من أهم مدارس البنين التي تحظى بشهرة كبيرة، فقد ذاع صيتها بقوة في الولاية والعاصمة ، وتذبذبت أصداؤها بنغمة من الألق، وموجة من التميز، وتردّد مرتفع من النبوغ، وكأنها تقول لأخواتها من المدارس: أروني ما لديكن!!.
فما السبب، وما التفسير وراء كل هذا؟؟ إنّه إخلاص طلّابها لها.. إنّه امتنانهم لها ولمعلّميها الأعزاء.. إنّه سعيهم الدؤوب وراء هدفٍ أسمى، يختصر بأنه رقي الوطن، فمدرستي هي من فئة المدارس التي ذكرتها أخيراً، إنها مثابرة على يد طلاّبها و معلّميها و مشرفيها، فتجد العديد من أبنائها الذين لم يرضوا بألا يكون لهم أثر أو تغيير في أي فرصة سانحة لهم لذلك، فإن صادفوا مسابقة أو مباراة أو بطولة أو ورشة أو رحلة تعليمية أو اختبار تحديد المستوى، فإنهم لم يكتفوا فقط بحضورها، بل لبّوا النداء ، واجتهدوا فيها وتعبوا، وثابروا بالدراسة والتدرب، ووضعوا أسماءهم على قمة قائمة الشرف والمجد، متبوعاً باسم مدرستهم الغالية، “الحارث بن خالدٍ”، حصاداً يجنوه ليبرد حماسهم الملتهب، ويخفف جوعهم إلى المزيد من هذا و المزيد من ذلك، فيلتقون بالسعادة لأنهم يعرفون أنهم أدوا دورهم على أكمل وجه.
أنا ومدرسـتـي..
من هؤلاء المتصدرين الذين ذكرتهم قبل قليل، كنت أنا، نعم، فقد جاهدت، وثابرت، وعملت بتفان وإخلاص، لكي اجعل آمالها وآمالهم قريبة، واجعل مستحيلها ومستحيلهم مؤكداً، ولكي أجعل ما يخفى عليهم وعليها من نور السطوع واللمعان مرئياً، ولكي أجعل النجاح لها ولهم آتياً لا مفرّ منه .. فبعد أن أصبحت في المستوى الأول على مدرستي عدة مرات متتالية، وبعد أن مثلتها في العديد من المسابقات الوطنية، وبعد أن كنت عضواً في الكثير من الأنشطة المدرسية المفيدة (و لا زلت حتى الآن)، لم تخذلني، بل لم (تخذلنا) النهاية، فقد تحققت هذه التطلعات السامية، وتم إنجاز العديد من التحديات الصعبة، بفضل الله تعالى ثم بفضلنا، نحن طلّاب الحارث، ولكنها ليست النهاية، فهي نهاية لبداية كقول أصحّ، تتبعها صفحة بيضاء جديدة مملوءة بفقرات من الأحداث الرائعة المشوقة، التي نتطلع من الآن لقراءتها، ولن تكاد هذه الصفحة أن تخلو منها، فمع كل تجديد أو تغيير، يتبعه جملة توفيه وتحمل قيمته، وبعد كل صفحة، تأتي صفحة جديدة مزخرفة ومكتوبة بخط عربي إسلامي جميل، وبمحتوى يستحق كتابته كل العناء، في كتاب رواية أنيق، عنوانها : نجاحُ ما بعد الفلاحِ.
طـوبـى لكـم..
تقول المدرسة : إني فخورة جدا بكل من اجتهد، وثابر، وصبر وتحمل لأجلي؛ إن لكل مجتهد نصيب يستحقه، وإن لكل طالب علم علماً يحصده، وإن لكل من فقد الأمل أملاً جديدا يستدركهً، وإن لكل من ملّ عمله غايةً أخرى يتمتع بها. أقصِدُ بهذا أنه، في نطاق مدرستي بالتحديد، لا يكاد للمتعلم و للمعلم فيها أن يشعر بأنه قد ظُلم، أو أنه لم يعطى حقّه بعد كل ما عمله من كمٍّ هائل من العمل الشاق في الدراسة أو في الأنشطة أو المسابقات المختلفة لأجل مدرسته، وحتى إن كان عملاً صغيراً لا يذكر، فدائماً ما تكون هنالك جائزة أو هدية تنتظره بفارغ الصبر، حيث يسعى المعلم و المدير و المشرف و غيرهم على مكافأة كل المتفوقين والمجيدين و المشاركين والمتطوعين و المساهمين والمبادرين وغيرهم قدر المستطاع حق المكافأة، ومن كان دوره في ذلك أكبر، نال جائزة أكبر؛ هكذا يتحفز الطلاّب ويتشجعون لبذل المزيد من العطاء الذي لا يفنى، والعمل بالجهد الأكبر الذي لا ينسى؛ هكذا تخلّد الذكرى في ذهنهم بأنهم في يوم ما قاموا بكذا وكذا، وأنهم استحقوا من المعلم فلان بن فلان، هذا وهذا، بدون أن ينسوا لا المعلم، ولا الهدية ولا ما قاموا به من عمل يجزون جزيل الشكر والتقدير بفضله.
من سرّه زمن .. ساءته أزمان
ليس الكل بقادر على تحقيق ما حققتموه، ليس الجميع بصابر على ما صبرتم عليه، وليس الكثير يتمتع بما تمتعتم به يا أصدقائي الطّلاّب؛ فقد حققتم من الإنجازات ما لا يمكن تعبيره بمعاني الكلمات، وقد صبرتم على أهوال التحدي والعقبات، وقد صعدتم التلال فالجبال، ثم ارتقيتم كالنجوم إلى أعلى الدرجات، يا أيها الأقوياء.
يا أيها المبادرون، لقد استحقكم الزمن الشاق، المتعب، الشديد، وفي النهاية استحقكم الزمن الهنيء المريح، المستطاب والمستساغ، جزاءً لما عملتم من الخير، فطوبى لكم. أنتم لم تنعموا وتهنأوا براحة وهناء ويسر إلّا بعد ما يسبقها من شقاء وضيق وعسر تفتر منه الروح الإنسانية. فالراحة لا تكون بدون تعب يسبقها، وانشراح الروح لا يكون بدون ضيق وشدة تسبقه. فقد قال الله سبحانه وتعالى : (سيجعلُ الّله بعدَ عُسرٍ يُسراً)، وكما قال الشافعي :
ضاقت فلمَّا استحكمت حلقاتها ..
فرجت وكنتُ أظنُّها لا تفرجُ
وما ظنّي بأنكم سوف تستغنون وتتخلصون من هذا العناء والكرب والاكتئاب في هذه الدنيا، وطوال حياتكم وحتى مماتكم سوف تواجهون كربة ما بعد كربة، لا تكادون تجدون مخرجاً منها حتى تأتي مثلها من بعدها، ولذلك فإن الدنيا هي دنيا، والآخرة هي العليا، فعليكم بتقوى الله وبمراقبته سراًّ وعلانيةً، وفي ذلك يقول جلّ وعلا : (ومَن يَتّقِ اللّه يَجعَل لهُ مُخْرَجاً).
والخلاصة والحكمة من كلّ هذا هي : تحلّوا بالصبر والتحمل، فإنه جميل. استمروا بالهمة والعزم، فإنه حليم، واصلوا الصمود والتمسك، إنه خير سبيل قاوموا الصعاب والأهوال، لا تستسلموا لليأس، فلا حياة مع اليأس، لا تهابوا عقبات الطريق، فإن الفشل ليس أن تخطئوا في أمرٍ ما، وإنما الفشل أن تصاحبوه وتستمروا عليه، وأن لا تستسلموا له، وكونوا بحبل الله معتصمين؛ فإنه الركن إن خانتكم الأركان يا أيها الأخيار. هذا قولي لكم نصحاً وحباً والله أعلم وهو خير الناصحين.
الخـاتـمـة..
هذا كان باختصار شديد؛ المعاني التي تدور في مدرستي، والأساليب التي تعمل بها ويعمل بها الطلاب والمعلمون وغيرهم، والبيئة الدراسية التي تتوفر لهم للخروج بعمل متقن وتام على أكمل وجه في الدراسة وغيرها من الأنشطة التي لا يُستغنى عنها، والقيم الجميلة التي يتصف بها كل منهم، والنجاحات التي تحققها المدرسة باستمرار والسبب وراء ذلك، كما حاولت توظيف بعض العبارات التحفيزية والتشجيعية لإخواني الطلاّب ومعلمينا الكرام، وبعض العبارات المهمة في الثناء والتقدير والشكر لهم، فهو يجزل لهم بكل استحقاق، نظير ما عملوه وما زالوا يعملونه من عمل لا يقدّر بثمن، ولكنّي لم أوفيكم حقّكم كلّه بشكري هذا، فأنتم أحق بالمزيد والمزيد منه، وأرجو أن تتقبلوه مني يا إخوتي الكرام.
كما أوجّه الاعتذار مني لكم إن كنت قد قصّرت أو أسأت الظن والتقدير، وأنا أعلم أن التسامح والعفو والتجاوز عن أخطاء بعضكم البعض، هو أحد قيمكم النبيلة التي لا توصف بمعنى الكلمة.
أرجو أن لا تنسوني من صالح الدعاء.