رواية وادي الرمال .. الحلقة 37..
حـمــد الـنـاصــري
كـاتـب و قـاص
رواية وادي الرمال .. الحلقة 37..
انتشر خبر جديد في قرية الوادي كانتشار النار في الهشيم، بأن عدّار اتّخذ سلوك جديد في الرمال ، مِمّا دفع ببعض الرجال إلى النأي برجالهم بعيداً وقالوا :
ـ إنه لشرّ جديد في وادي الرمال ، يُريد أن يُفرض علينا قيماً جديدة على غير ما كان عليها الرجال.؛ إنّه مكرٌ وشرٌ مُحدق بالوادي.
وهمّ رجال من قرية الوادي بمواجهة تهديد عدّار، وألْزموا أنفسهم بالوقوف في طريقه.
بدا مُجتمع الوادي مَشدوداً على أعْصابه، يقف وحده في مُواجهة عدّار وجماعته، واعتبروا كلّ من تجهز ضِدهم وتخلّى عن مجتمع الوادي خائناً وغدّار.
وبذلك الاختلاف وتصَلّب المواقف وتشددها احياناً ، تحالفت القريتان مع قرية الوادي وتضامنت مع رجالها ضِد ” عدّار” والمُنشقّين عن قريتهم، واعتبروا كلّما استحدثه عَدّار ومن معهُ حدث ذو شائبة ومَعيب ، وعملٌ غير بَرِيء من الخيانة والغَدر.
وعدّار هو العدو المُخططّ له ، لتنفيذ خطته ، وتحقيق مآرب عداوته للوادي ، وما فعله لن يُسكت عنه ، فقد حثّ رجاله بصناعة العتاد الحربي، وإقامة أبْراج مُراقبة وقلاع وحصون ، وأسّس مخزناً لحفظ العَتاد.
قال عَدّار في اجتماعه الأوّل بعد التأسيس :
ـ اسْتطعنا في مُدة يسيرة من الزّمن، أنْ نُحصّن قريتنا والتي هي تُضاهي قُرى الوادي الظاهرة، وقرية الوادي العتيقة والقرية حاضرة البحر التي يَعدّها الرجال امتداد للقرية العميقة وجذور القرية المكينة، وأقدّم الشكر والثناء الجميل ، لقيامكم بما أمرنا به ، وكنتم الرجال الذين يُعتد بهم ، فأنشأنا مَخزناً كبيراً للتّمر ومَخزناً آخرَ للملح كنقطة تحوّل كبيرة في مُجريات مجتمع وادي الرّمال ، وسنعمل على تفعيل اتفاقكم لإنشاء خزان الماء ومخزناً ضَخماً للتمور والفواكه المجففة.
ثم نقوم بتوسيع مخزن حفظ صيد البحر وتجفيفه بالإضافة إلى تخزين الملح.
سكت بُرهة ثم رفع رأسه شامخاً :
ـ نعمْ نحن بلدة صغيرة على ضفاف الوادي العَميق وأعداؤنا يُطلقون على قريتنا بـ البلدة المعزولة، وعلى رجالنا بـ الأشرار !.
ولكنّا جميعاً لنا هدف ، ولن نلتفت إلى تُرّهاتهم وغايتنا تصحيح واقع الوادي وتأكيد بأنّ الجميع سواسية ، وحال رجالنا لا يَقلّ عن حال رجال قرُى وادي الرمال؛
ورسالتنا تحصين قريتنا وتوسيع البلدة والعمل على تمكينها بقوة ، وجعلها واحدة من قرى الوادي.
قال رجل للذي بجواره :
ـ أتعرف من هو عدّار؟.
قال المَهموس إليه :
ـ لكأني أعرفه.؟ أليس هو ابن عون الهارب عن ابيه ، بسبب تهمة الخيانة بقرية البحر.؟
ـ نعم هو ، لكن عدّار هو حفيد عُون من القرية حاضرة البحر ، وكان الجَدّ عُون شقياً وقد انقلب على أبيه وغدر به ، وجاءه الرد سريعاً أنْ غدر به ابنه مًعن وعزله عن شئون القرية ، وكانت اللعنة تلاحقهم ، فغدر سدح بأخيه مَعن الذي تسيّد قرية مجن واعتلى عرش معبدها العظيم.
ـ لماذا .؟ ألم يكونا اخوين شقيقين؟.
ـ نعم .. ولكن فلسفة السيد مَعْن .. أنّ إدارة القرية جزء لا يتجزأ ، حفاظاً على إرث مَجن الكبرى.؛ وحين لم يتوافقا على زعامة عرش قرية مجن وسيادة كهانة مَعبدها التاريخي العظيم ، ادّعى سَدح أنّ أخيه مَعن انفرد بسيادته على أرض مجن وأخرجه منها وطرده وأنّ أخيه رفض تقاسُم السلطة أو جعلها مُنفصلة بينهما.
لذلك فالخيانة ليست ببعيدة عن عدّار ولا غرابة إنْ اعتنق أفكارها أو اختلق موقفها العُدواني ، ولا ريب فإنّ مَعمعة انشقاق أبيه عن سُلطة أخيه انشقاقاً اتخذهُ موقفاَ سلبياً ،، وذلك الموقف العَدائي هو لعنةُ عُدوانية تُلاحقه ، فحياة هذه العائلة بائسة ومُروعة لمجتمع وادي الرمال.
قال رجل يُنافح عن فكر عدّار ويُؤمن بتوجهه، هامساً للمُتهامِسَين :
ـ وأنا أرى ما لا ترونهُ ، فالقائد الزعيم عدّار أراد أنْ نصطبر على تجارتنا ونُحافظ عليها، وكذلك نَجعل من تحالفنا مع القرى الواقعة على مشارف الوادي اضطرار يستدعي فعله؛
وأنا أُحذّركم من أيّ تهاون من شأنه يُمهد التعاون مع الغير دون الالتفات إلينا خيانة للوادي.
قال رجل مُندس بين المُجتمعين :
ـ نعم ، فالقائد عدّار يتميّز عن غيره بفضيلة الصواب ، وما نراهُ إلا في طريق منفعة القرية ويسلك بنا إلى طريق القوة والمَنْعة فنكون الاقوى على وادي الرمال.
قال رجل لم يُعرف أنه من أتباع عدّار إلا ساعتئذ :
ـ سيّدنا عدّار ، يعمل لبناء أفكار جديدة تدرّ علينا بالأموال والثروات الطائلة.؛ والقائد الذكي من يستفيد من حالة انهيار قرى الوادي، وذلك ما فعله قائدنا البطل عدّار، ضعضع ثقة القرى في بعضها.
قال الرجل الاول الذي يُنافح عن فكر عدّار :
ـ نعم ذلك صحيح ، فنحن نرى أنّ قرى وادي الرمال، تسير إلى الأسوء، وقد توجّب على القائد عدّار أنْ يفعلها ولا ينتظر أحداً،
وكما يقال ، أنّ الضرورات تُجيز المحظورات، فيعني أنّ افتعال الشر والفوضى الخلاّقة هي تنشيط بين رجال القرى وفِعْلها جائز ، وذلك هو ما اضطررنا إليه ! كيْ لا تنهار قرية الوادي وهي الاهم في وادي الرمال.
عقّب الرجل المُندس بين المُجتمعين :
ـ ذلك صحيح ، انظر إلى حالة السوق كيف انهارتْ وكسدت لأسباب كثيرة.؛ فالبيع والشراء يُنعش السوق، وانتعاشة السوق لا تَحدث إلا بإثارة المشاكل بين قرى الوادي.
*****
شابٌ وقف وكان مليحاً وجميلاً وقد قبض عليه عدّار حين كان يافعاً يقطع الطرقات ويتلصص على المغارات والكهوف ؛ لعلاّ يكون أعداؤه قد اختبأوا فيها، هرباً منه.. وألقى عليه عدّار تُهمة التجسس وحكم عليه، بتهمة الخيانة الآثمة، وأمر بضربه حتى تتشقق جِلْدَة جسده.
وفي يوم موعد التنفيذ ، حضر عدّار ومعه مجموعة من الرجال، فزاغ بَصره ورقّ قلبه.. وتبادل النظرات مع الشاب الجميل ، وحين أطمأنّ عدّار إلى ما توقّع، أمرَ في الحال بتعطيل التنفيذ وإبقاء المحكوم تحت المراقبة ، حتى تمكّنه مرُاقبته إلى ما رقّ له قلبه وزاغ إليه بصره.
وذات يوم ، حضر عدار إلى دار المُراقبة التي وضع بها المُتّهم ، وكان الشاب المُتهم يتميّز بشيء من رقّة الصوت الأقرب إلى الانوثة وعينيه فيهما زُرقة واسِعة ، فأخذ عدّار يُذكّره بموعد التنفيذ ، واستمرّ في الحديث معه ، مُلمّحاً إلى تعجيل تنفيذ العقوبة وتغليظها ، واستمرّ عدّار في تهديد الشاب وقد مارس كُل الضغوط المُمكنة وبشتى الوسائل المُتاحة والتقرّب إليه بمختلف سُبل الضغط وبالتهديد تارة أخرى ، حتى طوّعه إلى الفِعل المُشين.
وحدّث الناس ليصرف الناس عن الاستماع إلى وليد :
ـ ايها الرجال ، إنّ ظهور وليد بوادي الرمال بالغ الخطورة على حياة الناس والمُجتمعات، وإلْتقاؤه بالناس حدث جسيم، أشدّ من الخطورة نفسها على رجال وادي الرمال.
إنّ رجال وادي الرمال يتّجهون صَوب زعزعة استقرار القُرى الجديدة بالوادي، وأنّ ظهورها لا خير فيها للوادي ومُجتمع الرمال.؛ وأجْزم بأنّ في الأفق تلوح أحْداث خطيرة، وأخشى أن تسير بالوادي إلى الهاوية.
قال رجل عُرف بالرُشد :
بُنيّ، لا تُحدّث الناس بما لا تعرف .. ولا تندفع بنقائص لست اهلا لها، فالأدب والخُلق سِمتان في النفس الصحيحة وما اختلف منها تُعد نقيصة في الانسان وليست في خٍلقته ونشأته.؛ فالمُحدث منها بفعل الانسان والحادث فيها لا طاقة لبشر في تغييرها.
قال الشاب الجميل :
ـ إنّ أعداء الوادي هُم كثُر وعلى رأسهم وليد ، الذي يأتينا كل يوم بحكاية ، يتذرّع بها ويُفرقها أحياناً ثم ما تلبث الحكاية أنْ تتسلل إلى كثير من الناس ووليد يتخفّى بأفكاره من خلالها ، ويزداد القلق وتنتشر المخاوف ويتبدّد الاستقرار وتتشتّت أحوال الناس وتُبذّر ثروة الوادي ..ذلك ما يُريده وليد في وادي الرمال.
قرأت نصاً من سيرة الجد الاكبر ، إذ يقول في سيرته العطرة .. “أنّ رجلاً جاء إلى قومه بِبُشرى يُنقذهم من فِعْلة مُشينة ، لكنهم أصروا واستكبروا وقالوا ، أنحن مُهلكون.؟ فاهلكوا جميعاً عن بكرة أبيهم ، هو ومن معه؛ وسُميت قريتهم بالقرية الهالكة.
قال الرجل الرشيد :
ـ كل حدث مُشين مَهلكة فلا تُعيدوا سِيرة الرجال ولا تخلقون بُؤساً إلى بُؤسكم فيكون عصياً عليكم ، كُن بموقف يُعتد به ولا تُجانب المُعيب ، فذاك حدث مُؤسف ، ورجولة مُفرطة.
صوت مَدوي من خلف المُجْتمعين.. رجال يَهتفون بقوة ، فليعش القائد البطل عَدّار.
يـتـبـع 38…