بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

جدلية العلاقة بين المدرسة وجودة التعليم..

طـلال بن حـمــد الربـيـعـي

 

جدلية العلاقة بين المدرسة وجودة التعليم..

 

كتبت سابقا مقالا بعنوان التعليم في السلطنة انجازات رغم التحديات .. ووصلتني حينها بعض التساؤلات حول ما طرحته في المقال، وهي تساؤلات مشروعة خاصة اذا علمنا أن قضية التعليم وتحدياته تطرح اليوم في أعلى المستويات، ويظل التعليم وتطوره وسبل إصلاحه، يشغل حيزا في اهتمام كثير من المفكرين واصحاب الرأي والحكومات معا، وهو بدون شك قضية عالمية تشغل الرأي العام بين مجموعة من القضايا الكبرى التي تواجهها المجتمعات.

لقد كنت متفائلا كثيرا بأن التعليم لدينا يسير الى مرحلة جديدة من التطور رغم تشاؤم الكثيرين، ومازلت مؤمنا بمقولة أن خطوة إلى الوراء مهمة جدا من أجل خطوتين الى الأمام، وكان تفاؤلي في محله من خلال ما رأيته من إصرار كبير لدى صانعي القرار في الوزارة من رغبه صادقة نحو تجاوز جميع التحديات للنهوض بالتعليم.

لقد شاهدنا خلال الفترة الماضية بعض القرارات المهمة التي تصب في هذا الجانب، ومنها قانون التعليم المدرسي الذي صدر بالمرسوم السلطاني رقم (٢٠٢٣/٣١)، والذي تضمن ٩٧ مادة مقسمة على عشرة أبواب؛ كان من أهمها التركيز على ضمان تكامل العملية التعليمية ما بين المدرسة والأسرة والمجتمع المحلي، خاصة في المراحل الأولى من التعليم، ولضمان مشاركة الأسرة في هذه المهمة عبر توفير الظرف المناسب والأدوات الضرورية، وحتى يكون أولياء الأمور جزءاً من منظومة التعليم.

لقد واجهت العملية التعليمية كثيراً من الأفكار النمطية التقليدية والأفكار المسبقة تترتب عليها ظهور بعض الإشكاليات داخل الوعي الجمعي في مجتمعاتنا، والذي بدوره بدأ ينعكس بصورة مباشرة او غير مباشرة على واقع العاملين في المجال التربوي والمتعلمين، ولا نبالغ إذا قلنا أن مهنة التدريس أصبحت ثقيلة على كثير من المعلمين، لذا جاء هذا المرسوم الخاص بقانون التعليم المدرسي لإعادة الروح والوعي والبريق للعملية التعليمية؛ من خلال التأكيد بما لا يدع مجالاً للشك على أهميتها، وإعطائها الإطار التشريعي والقانوني، لتكون المسؤوليات والواجبات واضحة محددة.

وهنا أود الإشارة الى نقطة مهمة ومفصلية في تطوير العملية التعليمية، وهي المدرسة تلك الوحدة الأكثر أهمية في النظام التعليمي، المسؤولة مباشرة عن سلامة مخرجاته، فهي واسطة العقد في هذا النظام؛ فالمخرجات التعليمية هي إحدى أدوات قياس أداء المدرسة، ومؤشراً على تحقيقها للمعايير التربوية المطلوبة في بيئتها التعليمية، فهي الأساس الذي يعتمد عليه المجتمع والدولة في تحقيق الأهداف والتطلعات في إعداد الأجيال؛ ففي جنبات المدارس يتم إعداد أجيال المستقبل وفيها يتم زراعة البذرات الأولى للقيم والأخلاق والعادات، والتمسك بتعاليم الدين الحنيف، وحب الأوطان والانتماء إليها، وبما أن الوزارة قطعت شوطاً كبيراً في تطوير المناهج الدراسية وتطوير وتنمية قدرات المعلمين، وتهيئة المدارس بما تحتاجه من أدوات وكوادر تدريسية، وحتى تتبلور هذه العملية وتعطي نتائجها بشكل إيجابي؛ يجب أن نعود ونركز على أهمية الدور الذي تلعبه المدرسة – على مر التاريخ نجد هذا الدور جلياً وواضحاً، فهناك مدارس يشار إلى مخرجاتها بالبنان-.

فأي عملية بناء حقيقي، وتطوير في النظام التعليمي يجب أن تأخذ هذه النقطة بعين الاعتبار، وأحسب أن الوزارة قطعت شوطاً كبيراً في ذلك، لذلك أصبح من الضرورة بمكان التركيز على الخطط التطويرية الخاصة بكل مدرسة؛ بحيث تكون هذه الخطة بمنزلة وثيقة مركزية ترسم من خلالها خططها الاستراتيجية للتطوير بما يتماشى مع الخطة العامة للوزارة؛ مستندة في ذلك إلى القيم الراسخة للمجتمع، والبيئة المحيطة يتم من خلالها تحديد الإجراءات والموارد اللازمة لتحقيق الأهداف ذات الأولوية، ولا يمنع مشاركتها مع الجهات المعنية وحتى نشرها على موقع المدرسة الإلكتروني، بحيث ترتبط هذه الخطة بالخطط الرئيسية الأخرى للوزارة؛ كأهداف تقييم المعلم، وبرامج التطوير المهني، ومن المهم أن تشمل الخطة الجوانب المالية المتعلقة بالتحسين والتطوير، ومدى مساهمة المجتمع المحلي في ذلك، كما يجب الاشارة إلى الطرق والوسائل التي قامت بها المدرسة لمعالجة كثير من الفجوات، وخاصة فيما يتعلق بمشاكل التحصيل الدراسي بين مجموعات الطلاب المختلفة، والعوامل التي تسببها؛ بحيث يتم النظر في هذه البيانات والإحصاءات التقييمية لكل مدرسة على حده؛ من أجل تكوين صورة كاملة عن أداء الطلاب هذا العام مقارنة بالسنوات السابقة، بالإضافة إلى تحليل وتقييم تقارير الزيارات الإشرافية المدرسية التي يقوم بها المختصون بالمديريات التعليمية، بغرض تحسين وتطوير واقع المدرسة وإشراك أولياء الأمور في ذلك يعد خطوة رئيسية حتى تؤتي الخطة التطويرية ثمارها، وأن يتم كتابة ونشر تقرير سنوي يطلع عليه مجلس أولياء الأمور؛ بحيث يعتبر ذلك بمثابة التقييم الذاتي السنوي لإنجازات المدرسة، وتعد هذه خطوة نحو إنشاء برنامج تطوير اجتماعي فعّال وشفّاف في فهم أداء المدرسة، وهذا من شأنه أن يوجد نوعاً من التفاعل المتبادل والإيجابي بين المدرسة والمجتمع المحلي؛ فالمدرسة جزء من المجتمع المحيط بكامل مكوناته.

ومما لا شك فيه أن كثيراً مما تناولته هنا لم يكن خافياً على خطط الوزارة، وهو بالتأكيد ضمن أهداف مدارسنا، ولكن يجب علينا تفعيله بطريقة علمية حديثة وليست تقليدية، لذا فإنني أرى أن الوقت قد حان لذلك، ولا ننسى أن نجاح الإدارة المدرسية في جهودها التطويرية يعتمد اعتماداً وثيقاً على مدى شفافية المعلومات المقدمة، ومدى التعاون القائم بينها وبين جميع الفئات في المجتمع.

وختاماً نقول : التعليم هو جواز السفر للمستقبل، فإن الغد ينتمي لأولئك الذين يُعِدّون له اليوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى