قصص ، رواياتمنوعات

رواية وادي الرمال .. الحلقة 32..

حـمـد الـنـاصـري

كاتـب و قـاص

 

رواية وادي الرمال .. الحلقة 32..

 

شعر وليد بنظرات جدّه الغاضبة اتجاه الأمكنة القديمة بالوادي ولزم الصّمت وقال:

ـ سأكفّ عن الاستكشافات وعن السّير على خطى المُخاطرة في الوادي والرمال؟.

طأطأ رأسه ولم ينظر في عين جده الكبير، وتوارى بعيداً عن أعين الرجال وبدا عليه ضيق وخمول وكسل.

ولم يعُد وليد يحضر مجلس الجد الكبير كسابق عهده، ولم يَعُد يلتزم بموعد الحضور كالمعتاد، وتساءل في نفسه ذات مرة وقال:

ـ لماذا لم يسأل عني الجد الكبير.؟ ولماذا هو غاضب مني؟ فـ أزهر هو الذي طلب مني أنْ يكون رفيقي في رحلة الاستكشاف؟.

سكت سكتة خفيفة وأردف:

ـ حتى جدّي لم يقتنع برحلة المُغامرة في وادي الرمال.؟ فهل يتوجّب عليّ منع أزهر من السَير معي في رحلتي القادمة؟

هز رأسه ولم ينبس بحرف.. وتمتم:

ـ سأحاول أن أقنعه بأني سأتخلّى عن مُغامراتي إنْ هو غاضب مني.؟ وسأخبرهُ بأنّ رحلتي وسَيري في الرمال هي بِضع من مُشاهدات لم تخطر على باله.

وأنّ أسفاري مُوثّقة وسوف أطمئنه بأنّي سأشْرع في تدوين كل تلك المُشاهدات في كتاب عنوانه، هِبَة الحياة.

فطن الجد الكبير إلى الخطورة البالغة التي تُساور حفيده الصغير، وحدّث نفسه:

ـ إن خروج ” أزهر” إلى وادي الرمال، ربما يُعرّضه لقسوة الرجال، فيُصيبه مكروهاً، بسبب سَيْر وليد في الرمال.

وقال في نفسه، كثيراً ما يحدث في أي انجاز كبير، يشعر الانسان بالأمان حين يصل إلى غايته أو يَبلغ هدفه ، وعلى الناس جميعاً ، أنْ تُقدّر قيمة ذلك الجُهد والسَعي والانجاز.

التفت ناحية وليد وقال في صمت:

ـ أعلم بأنك مُغامرٌ فطن ومُستكشف صادق، يَبحث من أجل تحقيق السعادة للناس.؛ ويَسعى إلى الارتقاء بالحياة في وادي الرمال وأدرك بأنكَ مُلتزم بالسلامة للناس ومُصرّ ليستمرّ تحقيق الأمان لمجتمع وادي الرمال.؟!

أخذ يُحرّك رأسه ويلتفت إلى أعلى ويُفرّق نظراته صوب زُرقة السماء وسُحبها المُتناثرة، ويتأمّل طائر يطير بجناحيه، مُرفرفاً في سعادة وسُرور وسِرباً آخر من الطيور تُغرّد بفرح ونشوة ويَرتفع صوتها ما بين نقيق وزقزقة.

همس سراً إلى وليد:

ـ يا وليد.. اهْدأ قليلاً، انتظر، لا تشدّ رحالك إلى الأمكنة، فإني أشتمّ رائحة حِقد، شيء خفيّ من ورائها، رائحة لن تسلم منها.

رائحة خبيثة، نظرات شريرة بائسة لا مُبرّر لها غير البؤس البغيض.! فكن حكيماً بقدر ما يكفي.

ربت على كتفه:

ـ أعلم يا وليد.. أنّ السلام فيض.؛ ولكن إنْ بدت البَغضاء بينهم فيسلكون طريقاً لا خلاق فيها.

سكت وأطال نظره في المُجتمعين ثم قال مُخاطباً الجمع المُتحلّق حوله:

ـ صَدقَ كبيركم عيّاد الأعرج وصَدق ذو الاسْرار وصَدق أبنائي “أزهر ووليد.

ـ كيف؟ قال عياد لعرج بصوت فيه حشرجة.

ـ وليد يُريد تحقيق تجربته العالية وقد كذب الافّاكون وخرصوا.. وخالفوا قول الحقيقة، وكان مَعيبهم لولدي فيه قدح مُبطّن وأنا أنكر جريمة الإثم، وإياكم والشرور فإنها أقبح الأفعال، ومن يفعلها، فهو آثم.

وسأقص عليكم حكاية:

ـ رجل خالف رجال في مسألة وتشاقّ معهم، إلى أنْ عجزوا عن حلّها وضاقت بهم سُبل الشقاق بما رحبت، على أنفسهم، وظنّ الرجال، بأنه لا ملجأ لهم، إلا بالفِعْل المُريب، واقسموا بالنّيل منه وتنفيذ فِعْلتهم المُشينة بالمهانة والذلّة، ثم غدروا به وقتلوه شرّ قتلة ثم قطّعوا أوصاله، وحين تمكنوا من بشاعتهم ألْقوه في مكانْ مُرتفع وجعلوا الحجارة الصلدة على جسده.

وعُرِفت تلك الحكاية بالقَتْلة المُشينة، وهي أول قَتلة في تاريخ الرمال وكانت عاقبتها عليهم شُؤماً وبشاعة، فأهْلكوا جميعا.

قال وليد في نفسه:

ـ لعلّ حكاية الدم بالوادي مُرتبطة بها.

قال وليد بتلهف:

ـ زدنا يا جدي من تلك الحكايات.

كان وليد يقصد حكاية بُقع الدم بالوادي.؛ لكن الجد الكبير انتقل إلى حكاية أخرى.

ـ كان لقوم ملك عظيم له حدس، يَستند إلى عقلية واقعية ويمتلك الخبرة والدراية والمعرفة وإحساسه لا يُخطئه.

ومرة اشْتم ريح خيانة، ولم تُفارق إحساسه ورغم فطانته وتماسكه انتابه خوف شديد فأسرّها في نفسه ولم يُبدها لأحد غيره.

اندهش وليد وهو يستمع إلى الحكاية، كما اندهش الذين يستمعون إلى حكاية الجد الكبير:

ـ قيل أنّ الملك استعان بكاهن رغم حدسه الذي لا يُخطئه، وكانت المُفاجئة الكبرى، أنّ أقرب الناس إلى الملك، قد اتفقتْ مع المُخالفين لرأي الملك ورشادته ومُعارضي افكاره، زوجه التي مهّدت إلى الغدر بزوجها لتفوز بالمُلك.

ويُقال أنّ الملك، اشتهر برجاحة العقل ويمتلك سرّ عجيب وله جاذبية ولسان حاله الفصاحة، نقيّ النفس، صافي السريرة، لكن زوجه أصَرّت أنْ تُشاركه في المُلك، وقالتْ مقولة تاريخية:

ـ خُذ من اخطاءات الحياة سَعياً عميقاً للوصول إلى هدفك.

توقّف الجد الكبير قليلاً ثم أردف:

ـ ذلك لا يكفي، فمن يَفعل سُوءً يُجزى به؟ فما بالك بمن يَغدر بالمَلك ويخونه في شرفه وعزّته.

قال أزهر الصغير:

ـ وما جزاؤه، من يفعل ذلك.؟ كما جاء في الحكاية؟.

ـ جزاؤهُ، يُمدّد بالنهار ويُحبس بالليل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى