بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

المومسات في الشوارع إخلال بالنظام والآداب العامة..

الدكتور/ سعيد بن عبدالله المعشري

محام أمام المحكمة العليا ومستشار قانوني

 

المومسات في الشوارع إخلال بالنظام والآداب العامة..

 

إن وجود نظام في أي مجتمع أهميته كوسيلة في تحديد النواهي والأوامر والحقوق والواجبات، لأجل السيطرة على الأفراد لضبط المجتمع من الفوضى.

فالنظام والانضباط قيمة حضارية تساعد على تطبيق العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع وهو يعتبر من أهم أسس نجاح الأفراد والمجتمعات ومؤسسات العمل، ولا يتصور أن يكون هناك مجتمع دون قوانين حاكمة، وإلا سادته الفوضى وعدم الاستقرار، فقواعد النظام في أي مجتمع تستمد من المبادئ، والتشريعات، والأعراف وغيرها من الأمور التي تقوم عليها حياة الفرد، والمجتمع، والدولة في تنظيم أمورها.

ومن أجل الموازنة بين مصالح الفرد والمجتمع في تطبيق النظام أتى بين التشديد في الجوانب التي تمس المصالح العليا للمجتمع والتخفيف في الأمور المتعلقة بحقوق ومصالح الأفراد الخاصة، وعليه بنيت فكرة القواعد الآمرة والمكملة في الأنظمة والقوانين، فالقواعد الآمرة هي التي لا يجوز مخالفتها لتعلقها بالنظام العام، وأما القواعد المكملة التي يجوز مخالفتها لتعلقها بمصالح الأفراد الخاصة، ولذلك أتت فكرة حماية النظام العام والآداب العامة من منظور القواعد الآمرة؛ لأنها تمثل المصالح العليا للمجتمع؛ فإن اختلالها يؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والفوضى في المجتمع.

ولهذا رتب المشرع أن جعل للقاعدة القانونية المتعلقة بالنظام العام والآداب العامة أن تكون آمرة ولها الحماية الخاصة لأهميتها ودورها الكبير في قيام كيان المجتمع ومتانته واستقراره، ولهذا أوجب النظام الأساسي للدولة على احترام النظام العام والآداب العامة كقاعدة آمرة لا يجوز مخالفتها وفقاً لما نصت عليه المادة (٤٧) بالقول على أن “احترام النظام الأساسي للدولة، والقوانين، والمراسيم والأوامر السلطانية، واللوائح، والقرارات الصادرة من السلطات العامة تنفيذا لها، ومراعاة النظام العام، واحترام الآداب العامة واجب على المواطنين والمقيمين والموجودين في السلطنة”، وكذلك بينت المادة (٢) على أن “دين الدولة الإسلام، والشريعة الإسلامية هي أساس التشريع”؛ من ذلك يتبين أن الشريعة الإسلامية هي من الأسس التي بنيت عليها قواعد النظام والآداب العامة في المجتمع التي لا يجوز الاتفاق على مخالفتها.

إن ما يحز في النفس مرارةً حدوث ظاهرة غريبة في مجتمعنا مخالفة للنظام العام والآداب العامة المستمدة قواعده من الشريعة الإسلامية والمبادئ والأخلاق الراسخة في مجتمعنا المسلم التي جعلت منه في أعلى مستوىً من الكمال وسمو الأخلاق، وهي انتشار المومسات في بعض الطرقات بمدننا الطاهرة؛ حيث أصبحت ظاهرة غريبة وشاذة وملفته في مجتمعنا، وتجدهن من الأجنبيات لا يُعْلَمُ طريقة أو وسيلة دخولهن إلى السلطنة بأعدادهن الكبيرة المنتشرة في الطرق والشوارع والأزقة، يترقبن المارة من الشباب لتقديم أنفسهن لهم للبغي والفجور، ولا نتمنى أن تتحول أراضينا الطاهرة التي انعم الله عليها بالإسلام وتعاليمه السمحة إلى بؤرة نخاسة المومسات التي سيكون لها آثارها الاجتماعية والصحية الوخيمة.

وبلا شك أن ظاهرة المومسات بائعات الهوى والمجون والفُحْش من الظواهر التي تنبذها جميع المجتمعات بمختلف دياناتها وطوائفها لخروجها عن ما هو مألوف لفطرة الإنسان في تنظيم علاقاته رجلاً كان أو امرأة؛ ليكون الاتصال فيما بينهما ليس لهدف إطفاء شهوات عابرة بل وفق نظام رتيب ومحكم أساسه الأسرة وقوامه المجتمع، لأجل أن تكون هناك ذرية تتوالد وتتناسل، وتعبد الله، وتعمل على عمارة الكون، واستغلال ثرواته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين، وهذه فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم.

لذلك جعل المشرع لمن يرتكب تلك الأفعال لتعلقها بالنظام والآداب العامة جزاءً معيناً، حيث تعد جريمةً كل من وُجِدَ في مكان عام يحرض المارة على البغاء أو الفجور بالقول أو الإشارة أو بأي وسيلة أخرى يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن (٦) ستة أشهر، ولا تزيد على سنة وهذا وفق ما حددته المادة (٢٥٣) من قانون الجزاء العماني، وكذلك يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن (٣) ثلاث سنوات، ولا تزيد على (٧) سبع سنوات كل من حرض أو استدرج أو أغرى أو أغوى أو ساعد شخصا بأي وسيلة على البغاء أو الفجور وأدى ذلك إلى ارتكاب الفعل وذلك بموجب المادة (٢٥٤) من ذات القانون، وأيضا بموجب المادة (٢٥٦) من ذات القانون يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن سنة، ولا تزيد على (٣) ثلاث سنوات كل من مارس البغاء أو الفجور نظير أجر بغير تمييز.

ومن ذلك يتبين أن المشرع أعطى لجهات الضبط القضائية الوسائل القانونية الممكنة في ضبط هذه الممارسات باعتبارها مخالفة للقوانين ومبادئ وقيم المجتمع، ولما لها من آثار اجتماعية وصحية على أفراد المجتمع، وهو ما نناشد به اليوم بضرورة التحرك بوقف هذه الظاهرة بأسرع ما يمكن حتى لا يتفاقم الأمر إلى الأسوأ مما يتوقع تصديقا لقوله تعالى “وَلَا تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلًا” (الإسراء – 32).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى