بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

لـذّة الـفـاغـور..

الكاتب - زايد الشكيلي 1

زايـد بن خليـفة الشكـيـلـي

مدرب معتمد في إدارة التغيير

 

لـذّة الـفـاغـور..

 

عزيزي القارئ طابت اوقاتك بكل المحبة والسعادة ، قد يستغرب ويتساءل البعض ما هو الفاغور ؟ وقد تعلم معناه ولكني سأوضح لك شيئاً من المهن العمانية القديمة التي وللأسف باتت تختفي رويداً رويدا وهنا يجب ان نقف على هذه المهنة ونعم أسميها مهنة لما تدره من خير على من يمارسها حيث تكفيه بعد بيعها لتغطية المصاريف الاستهلاكية والقيمة الشرائية للخام وأجور العاملين ومهنة التبسيل “الفاغور” هي من المهن التي تؤصل مفهوم التعاون الإجتماعي من جانب وتنشر الخير بين فئات المجتمع المجتمعة من جانب آخر وهي تكون بموسع القيض وتكون عند حصاد بسر نخلة “المبسلي” قبل ان تتحول الى رطب والقيمة الغذائية لثمار هذه النخلة غني بالسكريات الطبيعية وهذه المهنة تتم من خلال جمع البسور وطهيها على ايدي مهرة تقيس مدة الطهي ومستواه بمهارة عالية ، ومن ثم تجفيفها في “المسطاح” ، والمسطاح هو الجزء بين الأرض والجبل المليء بالحجارة التي بدورها عندما تسخن بوقت الصيف تقوم بعملية تجفيف هذه البسور ولفترة محددة بشرط ألا تفقد بريقها الذهبي الجذاب.

قبل أن يطهى يسمى “بسر” وبعد ذلك يسمى “فاغور” وفي الحالتين فلذته رهيبة فحين يكون بسرا تستمتع بقرمشته الطرية وعندما ينضج بعد الطهي تستمتع بعصارته اللذيذة التي تكاد تتفتق شفتاك انتعاشاً من حلاوته ، وبعد أن يجف يسمى “مبسل” وهنا يقف الحكي حيث اللذة العميقة حيث يمكنك إضافته سيداً بين المكسرات او حتى تطحنه وتحوله للاستهلاك اليومي ضمن قائمة السكريات الطبيعية ولعل المتتبع لهذه المرحلة ولمن عمل بها يستذكر كل لحظة من لحظات جداد المبسلي التي تكون بدايتها قلقاً على المالك وشيء من الخوف من عدة أمور مثل ( أسعار الشراء ، الأيدي العاملة المساندة “الجداد ، والموراد ، والعاملات على التنقية ، الأمطار ، منافذ البيع ، المنافسين ) كل هذه الأمور وغيرها مصدر قلق وتفكير طول اليوم الا ان صاحب العمل عكس التيار يمضي فبقدر هذه التوترات تجده وبعد صلاة الفجر ينتشر والعاملون المساندون لحصاد البسر والذي قد يصل في كل يوم جداد ما يزيد عن المائتان نخلة وترى الكميات تفوق الطنين في كل يوم فهو في سباق مع الزمن والبيئة ومخافة ان يهمد البسر ويتحول الى رطب وتكون جودته قد قلت ويصبح طعاما للمواشي لا اكثر وتحل بذلك خسائر جمه على صاحب الجداد.

ورغم كل ذلك ستلاحظ عزيزي القارئ بأن صاحب الجداد وهو في هذا الخضم من الخوف والتوتر والحسابات التقديرية والتسارع في ذلك الا انه لن يغفل عن براءة تلك الطفولة التي تحظر بجبتها الى موقع سحل البسور لتحصل على نصيبها العرفي من الرطب والبسر ويملأ لهم جبتهم ويتوكلون بخالص دعائهم له بالتوفيق ومما يرددونه من تعويبات (وطاح موراده الجداد ، يخدم على ولاده الجداد) وعادة تتم بعد تنتهي مرحلة الجداد وحتى النساء العاملات لهن نصيب الأسد فإن وجدت رطبة قد أينعت بين البسور التي بالعذق لهن الكرامة لأخذها لمواشيهن وهذا تجسيد لمفهوم السماحة والبساطة في العيش والتكاملية في تحقيق الأهداف والتي نحن بحاجة لممارستها في أسرتنا وبيئة عملنا ومجتمعنا بصفة عامة.

ولعلك تشاطرني الرأي عزيزي القارئ ان التغيير مربوط بفترة زمنية أي نوع من التغيير وفي الكثير من القلق والخوف والتوتر وربما يكلفك الكثير وانت في بداية مشوار التغيير ولكن حتماً وتأكد من أنك لا بد ان تمارس هذا التغيير وإلا قبعت في نقطة الصفي التي انت عليها ، لا بد عليك ان تتجرد من خوفك وأن تزيل عن كاهلك رداء التوتر وان تتسلح بالتوكل على الله والهدف المنشود في مخيلتك لا بد عليك من ان تتحمل عثرات المسير وأن تضع في تفكيرك تلك العقبات التي تعتري مسيرك وكيف يمكن التغلب عليها بالإرادة واستفد ممن حولك وامضي حتى يتحقق الهدف وتتلذذ بلذة الفاغور.

ينطمس هم صاحب الجداد بعد إنتهاء مرحلة الجداد والتبسيل اي طهي البسور ويدخل في مرحلة أصعب مع البيئة فكل يوم يراقب احوال الطقس ويسأل الله ان يبارك له في حصاده والبسور بمرحلة التبسيل منثورة بين حجارة المسطاح ومن بريقها كأن حبيبات الذهي قد انسكبت على المسطاح في مشهد يسر العين وتبدء النساء العاملات في جمع ما تم تبسيله اولاً وهنا تحضر المهارة كذلك فليس كل بسرة … عفواً فاغورة قد استوت فهناك ما يحتاج ليوم او يومين إضافيين واعيد التركيز الى هذه المهنة الجميلة لأنها تكسب من يمارسها الكثير من المهارة والخبرة وهكذا تستمر العملية التي قد تطول عن الأسبوع وأكثر وذلك حسب الكمية.

اتمنى ان تكون مستمتع عزيزي القارئ وأن تتابع القراءة لسطوري البسيطة ولعلي هنا قد اضفت على ثقافتك شيء جديد ويهمني ربط مفهوم التغيير ومراحله بالدلائل وما هذه المهنة الا من أهم الأمثلة الحية وكغيرها الكثير من المهن فالمهنة تختلف عن الوظيفة لما تحتويه وتتطلبه من جرأه ومهارة وسرعة ودقة في الإنجاز ، فبعد تجميع المبسل من المسطاح تبدأ عملية التخزين التي يجب ان تتم في مكان جاف ومتوسط الحرارة ويوضع في جواني تسمح بنفاذ الهواء قليلاً ويتطلب متابعة مستمرة للتأكد من سلامة المنتج وهكذا يتم في مرحلة التغيير فيجب التركيز والمتابعة الدقيقة لما تمر به من الأمور من تغييرات قد تؤلم البعض إن غفل عن دوره في المشاركة الفاعلة لتحقيق هذا التغيير ويبدأ هنا صاحب الجداد في البحث عن منافذ البيع ويتفاوض ويساوم في سعر منتجه مع ابراز كمية للمعاينة ليتحقق منها المشتري وهذا مؤشر جدير فثقة صاحب الجداد في منتجه واضحة بل ومستعد لفتح أي جونية للمشتري للتأكد من جودة المنتج ويراهن بأنه الأفضل من بين باقي المنتجات وتتم صفقات البيع حينها يتنفس الصعداء ويقوم بعزومة كل من عمل معه ليحتفلوا جميعا بما من الله عليهم من خلال تظافر الجهود فنسيانه لحقوقهم وتجاهله قد يكلفه الكثير مستقبلاً وللعلم بأنه وبمختلف مراحل التبسيل وحتى البيع لا تتم أي دفوعات للأجور ، فالأجور تتم بعد مرحلة البيع إيمانا من الجميع بأنهم قد اجتهدوا بكل الصلاح والأمانة في واجباتهم وكانوا السبب الرئيسي بمختلف أدوارهم في “لذة الفاغور”.

لا تحسبن المجد شهداً أنت آكله .. لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا.

تمنياتي للجميع بكل الخير وأن يكون عاماً سعيدا ومرحلة جديدة من العطاء والمغامرة في صنع مفردات الحياة الجميلة وأن يتفننوا بممارسة مختلف مهارات التغيير وأن يستشيروا من سبقوهم في هذا القطاع فالتغيير حياة جديدة بانتظارك عزيزي القارئ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى