فن الدبلوماسية .. مفهوم القيادة وصفة التواضع..
الدكتور/ سعـدون بن حسين الحمداني
دبلوماسي سابق ، الرئيس التنفيذي
للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت
فن الدبلوماسية .. مفهوم القيادة وصفة التواضع..
القيادة هذه المفردة اللغوية البسيطة التي تلعب دوراً جوهرياً سواء إيجابياً أو سلبياً في الحياة الاجتماعية والرسمية وتبدأ كلمة القيادة وتأثيرها من الأسرة أو العائلة البسيطة وليس كما هو معروف لدينا “المناصب القيادية الحكومية” سواء على مستوى الإدارة أو بقية الأقسام والدوائر (كالمالية ، الاقتصادية، الصحية، العسكرية، القانونية وغيرها من تشعبات المجال الحكومي) ونفس الشي بالقطاع الخاص والمختلط.
أصدرت المدرسة الدبلوماسية البريطانية للدبلوماسية بعد الحرب العالمية الثانية بصورة عامة مبدأ (كل إنسان قائد في عمله) لغرض النهوض بلندن والمدن البريطانية التي تعرض للقصف والدمار إبان الحرب العالمية الثانية فأصبح عامل التنظيف قائد في عمله وكذلك المعلم، والسائق وغيرها من مختلف المهن لتنهض من جديد بسرعة البرق وتبني البلد بأفضل ما يكون استناداً الى هذا المبدأ.
مفهوم القيادة : هو القدرة على التأثير في الوسط الذي يعيش فيه القائد ويحقق الأهداف بأقل الخسائر وبزمن محدد المعالم ويجعل الذين يعملون معه يرغبون في أنجاز أهداف المجموعة، والقيادة يمكن أن تعرف ايضا بأنها قدرة الشخص على التأثير أو فرض رأي أو قوانين معينة ليس بالقوة وإنما بالإقناع.
للقيادة سمات متعددة وصفات كثيرة؛ كما أن للقيادة أنواع ومنها ؛ القيادة الحكيمة/ القيادة الطائشة/ القيادة المتهورة/ القيادة البليدة/ القيادة العمياء/ القيادة الانانية، وأنا شخصياً أضيف القيادة الأبوية الحنونة التي هي أعلى وأثمن أنواع القيادة، وغيرها من الأنواع التي لا مجال لذكرها في هذا المقال.
نتطرق في هذا المقال الى أهم صفة من صفات القيادة والقائد الناجح إلا وهي صفة التواضع ولقد أعطانا الله سبحانه وتعالى مثلاً على التواضع وأهميته في حياتنا اليومية إلا وهو الماء حيث تكون نسبته أكثر من 70% من حجم الكرة الأرضية ويعتبر هو القائد في الأرض مع الهواء لاستمرار الحياة ورغم أهميته ومنزلته الكبيرة في مفردات الحياة الا أننا لم نشاهد يومياً بأن الماء يرتفع الى الأعلى أو يصعد الى الجبال والمرتفعات وإنما يسير على مستوى الأرض ثم ينزل الى الأدنى من ذلك ليسقي الأرض ولم نراه يرتفع أو يصعد الى المستويات العليا وهو مثال رباني علينا جمعياً والقائد خصوصاً أن يكون متواضع وينزل الى مستوى الموظفين ليسمع منهم ولا يتكبر بسبب المنصب والكرسي لأنها كلها زائلة وهي وقتية، ولكن تبقى الأحداث والسيرة الطيبة للقائد الذي يمثل ويطبق صفة التواضع الرباني وهي الأساس في مفهوم القيادة لأنها تعكس روح وجوهر التعامل الأخلاقي الراقي والأصيل للوصول الى أعلى النتائج المرضية وتحقيق الاستراتيجية المرجوة منه.
إن أهمية القيادة بالتزامن مع صفة التواضع تسعى إلى نسج روح الفريق الواحد والتي تُساعد في تطوير العمل بشكل جماعي لتحقيق الغاية المرسومة .
وكذلك فإن هناك عناصر وأركان للقيادة لا يمكن فصلها عن صفة التواضع، ومنها بناء العلاقات العامة/ تنمية المهارات/ مواكبة التطور التكنولوجي/ استخدام نظريات الاستراتيجية والتكتيك/ البلاغة/ الشفافية/ الإبداع والابتكار في اتخاذ القرار/ إدارة الأزمات بهدوء الأعصاب وبُعْد النظر/ استخدام الخطط البديلة، وغيرها من الأركان والعناصر المهمة للقيادة وصفة التواضع.
تحث المعاهد والمدارس الدبلوماسية على صيغة التواضع لمفهوم القيادة والقائد والتعامل مع الناس بكل ليونة وابتسامة ورقة وإحساس بعيداً عن التكبر والتزمت بالمنصب والقرار.
أصل كلمة تواضع هي : مأخوذ من تواضعت الأرض، أي انخفضت عمّا يليها، فالتواضع يدل على خفض الشيء؛ أمّا التواضع عند علماء الأخلاق وعلم الاجتماع فهو : لين الجانب والبُعْد عن الاغترار بالنفس، والخضوع للحق وخفض الجناح؛ فالتواضع دليل على طهارة النفس، وسلامة القلب من أمراض التكبّر.
إن أصل التواضع ومنبع مدرسته هو الدين الإسلامي الحنيف ورسولنا الكريم هو المدرس الأول لهذه الصفة الرائعة بالحياة قال تعالى : (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) “الآية 18 – لقمان” ؛ إن الله سبحانه وتعالى يحث البشرية في هذه الآية الكريمة على التواضع، وعدم التكبر مهما كان المنصب والمكانة، وأن لا يكون مغروراً ويرى نفسه أنه هو الأفضل والأحسن، قال تعالى (وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا) “الإسراء – الآية 37″؛ وعلى هؤلاء المتكبرين مراجعة ومحاسبة أنفسهم عمّا فعلوا في حياتهم، ولماذا هذا الاستعلاء على الناس.
كان رسولنا الكريم يجالس الفقراء والبسطاء في أزقة الطرقات ويتبادل معهم أطراف الحديث ليكون قريباً منهم وهو سيد وخاتم الانبياء حيث قال رسول الله (ص) : “ما تَواضع أحد لله إلاّ رفعه“، وان التواضع هو السكينة والوقار ومحبة الجميع وعدم التكبر عليهم، وقد وَصف أبو سعيد الخدري (رض) رسول الله (ص)، فقال : “متواضعاً في غير مَذَلة“.
لذلك علينا نحن أن نجعل من قرآننا الكريم قدوة لنا في التواضع ومن حياة رسولنا الكريم منهاج حياتنا اليومية ونبدأ من عوائلنا زرع صفة التواضع مروراً بمدارسنا وجامعتنا ودوائرنا الرسمية الى أقل موظف، أن يكون التواضع رداءنا وفكرنا ونخدم الجميع دون إستثناء لأن القرآن الكريم يحثنا على ذلك وكذلك المدرسة النبوية الشريفة ولا نتكبر على أي شخص ونبتعد على النظرة الفوقية ونتعامل مع الجميع بكل ليونة ورحابة صدر وتواضع كما كان رسولنا الكريم وآل بيته الكرام وأصحابه الأطياب.