قواعد الأمن والسلامة المدرسية بين جهود التأصيل وواقعية التطبيق..
طـلال بن حمـد الربيـعـي
قواعد الأمن والسلامة المدرسية بين جهود التأصيل وواقعية التطبيق..
كنت قد كتبت سابقا مقال حول قواعد الأمن والسلامة في المدارس من النظرية الى التأصيل.
تطرقت فيه إلى أهمية تطبيق ارشادات وقواعد الأمن والسلامة والصحة العامة في مدراسنا، والى حاجتنا الماسة نحو خلق نوع من الوعي بأهمية الأمن والسلامة في حياتنا ليصبح ثقافة عامة متأصلة وليس مجرد نشاط او ديكور تكميلي.
فلا يقل أهمية تحقيق الأمن والسلامة في المدرسة عن تحقيقه في المؤسسات والشركات وأي قطاع عامل في الدولة، بل على العكس فأهميته في المدارس تكمن في الحفاظ على حياة الطلبة والطالبات والمعلمين والعاملين، بالإضافة إلى الحفاظ على ممتلكات المدرسة وتوفير بيئة آمنة تمكن الطلاب من التعليم والابتكار وتوفر طمأنينة وراحة نفسية لأولياء الامور لثقتهم أن المدرسة خالية من المخاطر التي قد يتعرض لها ابناؤهم، وخاصة ان بعضهم في مرحلة عمرية غير مدركين بشكل تام لما يحيط بهم من مخاطر ، وحتى يقوم كل منا بأداء واجباته والتزاماته على أتم وجه، فإن هذا الأمر لا يأتي اعتباطا وإنما يتطلب وضع خطط وبرامج ودراسات للوصول إلى مجتمع واعي بقواعد الأمن و السلامة العامة، وهي بطبيعة الحال مسؤولية مشتركة، ومن الأهمية بمكان أخذ الموضوع بصورة حرفية وعلمية من أجل تطويره وديمومة تجربته، فمصطلح الأمن والسلامة بمفهومه العميق كما عرفته “الإدارة التنفيذية للصحة والسلامة البريطانية(HSE) على أنه نتاج القيم الفردية والجماعية والمواقف والتصورات والكفاءات وأنماط السلوك التي تحدد الالتزام بأسلوب وكفاءة المؤسسة في مجال الصحة والامن والسلامة” لذا فهو تجربة شامله تضم كافة مجالات حياة الانسان ووعيه بنفسه وما قد يسبب له من خطورة؛ فعندما تكون قواعد الأمن والسلامة جزء من منظومة افكارنا تتجسد في حياتنا اليومية ويتعامل معها أبناؤنا في مدارسهم تتحول إلى ثقافة عامة وبالتالي تخدم المجتمع و سمعة الدولة بشكل عام.
ولقد بدأنا نلمس جهودا كبيرةً في هذا الجانب من قبل وزارة التربية والتعليم ، تمثل ذلك من خلال قيام مكتب أمن الوزارة بتصميم وتعميم دليل شامل للأمن والسلامة خاص بالمدارس يحتوي على الاجراءات والقواعد التي يجب على كل مدرسة اتخاذها في هذا المجال، بالإضافة إلى تطبيق برنامج إلكتروني لتسجيل الحوادث التي تقع في المدرسة وفق استمارة مستويات تم تسميته ب نظام (طاريء) يهدف إلى تتبع إحصائيات الحوادث في المدارس ليس من أجل رصدها فقط ، ولكن أيضًا من أجل ضمان تطبيق التدابير الوقائية في المستقبل وسبل معالجتها اذا تبين أنها مشكلة عامة تتكرر في عدد من المدارس.
أما في جانب نشر الوعي بمفهوم الأمن والسلامة المدرسية فقد قام المكتب بعمل برامج ومشاغل بالتعاون مع الهيئة العامة للدفاع المدني والاسعاف في جميع المحافظات التعليمية، استهدف مشرفي الأمن والسلامة المدرسية في جميع مدارس السلطنة كان له الأثر الإيجابي في التعريف والتطبيق العملي لمختلف جوانب الأمن والسلامة مما اعطى انطباعا لدى هذه الفئة أن هناك اهتماما ومتابعة حثيثة من قبل الوزارة بهذا الجانب، وهذا الإهتمام والجهد المبذول لم يأتي من فراغ ولكنه كان نتيجة ادراك المسؤولين وعلى رأسهم معالي الوزيرة الموقرة بأهمية توفير أقصى درجات الأمن والسلامة في مدارسنا، لاسيما فيما تشهده المنظومة التعليمية في السلطنة من تطوير وتحديث في كافة قطاعاتها لترجمة أهداف رؤية عمان 2040.
وحتى تتكلل هذه الجهود المبذولة بالنجاح وتؤتي ثمارها فأنه من وجهه نظري لابد أن نتجاوز مرحلة نشر الوعي والتوعية رغم أهميتها بلا شك الى مرحلة التقييم والمحاسبة والمتابعة، فإجراء تقييم شامل للمدرسة من قبل فريق مختص يشمل الإجراءات والممارسات العامة المتعلقة بالأمن والسلامة والصحة في المدارس، من شأنه ان يوفر ملاحظات مهمة في تحديد المجالات التي تحتاج إلى تحسين أو معالجة حيث يقدم هذا الفريق الخبرة والملاحظات التي تساعد مدير المدرسة وتدفعه نحو الاهتمام اكثر بهذا الجانب، بالإضافة إلى اعطاء دور اكبر لأقسام ” الأمن بمختلف المحافظات التعليمية” لتعمل بشكل وثيق مع مختلف الدوائر والمؤسسات ذات العلاقة في تبادل الخبرات والموارد التي من شأنها تعزيز ومعالجة كثير من القصور الذي قد تعاني منه بعض المدارس.
واخيرا أود الإشارة انه عندما نتحدث عن أهمية تطبيق وتوفير قواعد الأمن والسلامة والصحة العامة في مدارسنا، وأهمية التقييم والمحاسبة للإجراءات المتخذة في هذا الجانب، فإن ذلك ليس من أجل زيادة الاعباء على كاهل المدارس او تصيّد الأخطاء كما قد يظن البعض؛ وإنما على اعتبار هذه الإجراءات تسعى لتحقيق أقصى قدرٍ ممكن من السلامة والحفاظ على الارواح وعلى الممتلكات فلا يمكن بأي حال من الاحوال إهمال هذا الجانب حيث أن ثمن الإهمال يكون باهظا جداً ومكلفاً؛ ولا ننسى أن هذه الإجراءات والقواعد والارشادات أصبحت إحدى الأولويات المهمة في حياتنا ، وجزء أصيل من الثقافة العالمية التي تتعلق بحياة البشر وسلامتهم فقد اعتبرها “إعلان سيؤول بشأن السلامة والصحة في بيئة العمل” في عام 2008 بمثابة أحد حقوق الإنسان الأساسية، وقد حان الوقت لتحويل هذا الحق إلى واقعٍ ملموس.