الدبلوماسية السعودية ومفاهيم الدبلوماسية الاقتصادية..
الدكتور/ سعدون بن حسين الحمداني
دبلوماسي سابق ، وعضو جمعية الصحفيين العمانية
الدبلوماسية السعودية ومفاهيم الدبلوماسية الاقتصادية..
لم تأت القمة السعودية الصينية من العبث ولم تأت من قبيل الصدفة ، وإنما جاءت من مجموعة من الخطط المبرمجة سواء التكتيكية أو الإستراتيجية حيث لعبت السفارة والبعثة الدبلوماسية السعودية في الصين دوراً اساسياً في إيصال المعلومات الدقيقة عن القوة الاقتصادية الصينية الكبرى وكيف تحولت من دولة معزولة الى واحدة من أعظم قوة اقتصادية بالعالم خلال سبعين عاماً تقريباً، وكما هو معروف لدى العقل التجاري الصين بأن يتواجد في جميع الأسواق وليس هناك في أجندته مقولة (رأس المال جبان).
تحركت البعثة الدبلوماسية السعودية لتطبق كل مفردات ومفاهيم الدبلوماسية الاقتصادية بكل نشاط وهمة من حيث جمع المعلومات عن كيفية التعاون مع هذه القوة الاقتصادية الكبر بالعالم ومعرفة الشركات الرصينة التي لها باع طويل في مجال الاستثمار والمقدرة المالية والعلمية والأكاديمية والخبرات المتراكمة لديها، لكي يتم تزكيتها والتواصل معها لغرض توظيفها بالمملكة لتنفذ المشاريع التي تخدم الجانبين وجاء ذلك من خلال الأوامر والتوجيهات المركزية من هرم المملكة وعلى رأسها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد والذي يملك النظرة الثاقبة في مفاهيم الدبلوماسية الاقتصادية، ولكي يتوج سياسته وأهدافه من خلال فن الدبلوماسية التي هي أداة الدولة بالخارج لخدمة شعبه وبلده.
لفت انتباهي كثيراً تصرف وسلوك ولي العهد الذي يتوسم به دائماً وهو ثوبه بالأخلاق العربية الأصلية وهو ابن هذه الأرض الكريمة من خلال دعوة إقامة المؤتمر الصيني الخليجي والمؤتمر العربي الصيني، ولم يكن انانياً بحصر القمة الصينية فقط للسعودية وانما طبق حديث رسولنا الكريم : “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) وأحب أن يكون الخير لإخوانه من مجلس التعاون الخليجي فكانت القمة الصينية الخليجية ثم لكل أخونه من العالم العربي بعيداً عن اختلاف الأيديولوجيات في الدول العربية فأجتمع الجميع تحت خيمة الكرم والأصالة خيمة السعودية لتطبق نظرية ومفاهيم الدبلوماسية الاقتصادية لغرض تنشيط الاقتصاد الخليجي العربي الصيني بعيداً عن كل العواصف السياسية التي تؤثر على قوت المواطن وهذا ما نراه في إستراتيجية الصين.
لعبت البعثة الدبلوماسية السعودية في بكين الدور الأساسي في وضع الإستراتيجية الدقيقة بكيفية التعامل مع الشركات الصينية وقدمت أوراق عمل بشأن أفضل الشركات الاستثمارية والتي لها الرغبة في العمل بالسعودية وهذا جاء من خلال سلسلة من اللقاءات الدورية سواء على مستوى الشخصي أم الرسمي للتعرف على أدق التفاصيل لهوية الشركات وطبيعية أعمالهم بالإضافة الى التعرف على السيرة الذاتية والأعمال المنجزة لديهم، لذلك كانت الزيارة على مستوى كبار الشخصيات ومنها فخامة الرئيس الصيني مع الوفد الاقتصادي رفيع المستوى من مختلف القطاعات في الصين فكانت قمة متكاملة مثمرة بمعنى الكلمة وكان لسمو ولي العهد اللمسات الواضحة في الترتيب لكل دقائق مجريات القمة منذ دخول الرئيس الصيني الأجواء السعودية وللحين مغادرته، فكان فريق العمل لسمو الأمير محمد بن سلمان مع معالي وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان آل سعود خلية عمل محنكة وحرفية وذات خبرة كبيرة في مجال البروتوكولات الدولية في التنظيم للحين للوصول أبهى صورة وتحقيق أغلى هدف في مفاهيم الدبلوماسية الاقتصادية والتي تعتمد كثيراً على البرتوكولات الدولية وهو تحقيق المصالح الاقتصادية المتبادلة بين الطرفين وجاء ذلك من خلال توقيع على (12) إتفاقية ومذكرة تفاهم حكومية للتعاون في مجالات الطاقة الهيدروجينية، والقضاء، وتعليم اللغة الصينية، والإسكان، والاستثمار المباشر، والإذاعة والتلفزيون، والاقتصاد الرقمي، والتنمية الاقتصادية، والتقييس، والتغطية الإخبارية، والإدارة الضريبية، ومكافحة الفساد بالإضافة إلى توقيع (9) إتفاقيات ومذكرات تفاهم بين القطاع الحكومي والخاص، وتوقيع (25) إتفاقية ومذكرة تفاهم بين الشركات في البلدين.
أعرب الجانبان عن ارتياحهما لتوقيع “خطة المواءمة” بين رؤية المملكة 2030 ومبادرة الحزام والطريق، واتفقا على أهمية تسريع وتيرة المواءمة بين مشاريعهما في البلدين، وتوظيف المزايا المتكاملة، وتعميق التعاون العملي بين الجانبين بما يحقق المنفعة المتبادلة والتنمية المشتركة.
دعا الجانب الصيني الجانب السعودي ليكون ضيف الشرف للدورة السادسة لمعرض الصين والدول العربية لعام 2023 م، وأعرب عن حرصه على تعميق التعاون الاستثماري مع الجانب السعودي في الاقتصاد الرقمي والتنمية الخضراء، وتعزيز التعاون في التجارة الإلكترونية، وبحث سبل التعاون الاقتصادي والتجاري المشترك مع أفريقيا، ورحب الجانب السعودي باستثمارات الشركات الصينية في المملكة وذلك من خلال ما توفره رؤية 2030 من فرص استثمارية نوعية ضخمة في القطاعات المختلفة. وأعرب الجانب الصيني عن ترحيبه بتعزيز استثمارات صناديق الثروة السيادية ورؤوس الأموال الصناعية السعودية في الصين.
كما اتفق الجانبان على بحث الفرص الاستثمارية المشتركة في قطاع البتروكيماويات وتطوير المشاريع الواعدة في تقنيات تحويل البترول إلى بتروكيماويات، وتعزيز التعاون المشترك في عدد من المجالات والمشاريع ومنها الكهرباء، والطاقة الكهروضوئية وطاقة الرياح وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة وتطوير المشروعات ذات العلاقة، والاستخدامات المبتكرة للموارد الهيدروكربونية، وكفاءة الطاقة، وتوطين مكونات قطاع الطاقة وسلاسل الإمداد المرتبطة بها، وتعزيز التعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، والتعاون في تطوير التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والابتكار في قطاع الطاقة.
وفي الختام ما جاء في أعلاه فأننا نجد التطبيق الأمثل لمفاهيم الدبلوماسية الاقتصادية السعودية من خلال أداة الدبلوماسية والبعثة الخارجية الموجودة في بكين التي تعتبر هي الذراع الأطول في ذلك بالاعتماد على الأوامر والتوجيهات المركزية التي وردت إليها من هرم الدولة.