بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

لا خاصِّيَّة ولا قُدسِيَْة لتعبير عام..

الدكتـور/ عـلي محمـد فخـرو

كاتب ومحلّل سياسي – البحرين

 

لا خاصِّيَّة ولا قُدسِيَْة لتعبير عام..

 

من الضرورى إجراء حديث هاديءٍ موضوعي فيما بين شعوب الأمة العربية وبين الشعب الألماني الصديق؛ بشأن سوء الفهم الذي حدث، وأثار ضجة كبيرة أثناء زيارة رئيس الشعب الفلسطينى العربى، ولن نقبل دخول أيَّ جهة أخرى، تحت أيّ ادعاء أو مبرر، فى هذا النقاش الودي فيما بين الأمتين.

إذا كنا نحن العرب قد استعملنا مراراً المقارنة فيما بين الديموقراطية الألمانية والممارسات الديموقراطية فى مختلف بلاد العرب، وقارنا أحداثاً كثيرة فى التاريخ الألماني بأحداث في تاريخنا، وقارنا توجهاتٍ وأفكاراً فلسفيةً ألمانية بما طرحه الفلاسفة العرب عبر العصور، ولم يصدر أي اعتراض ألماني على مثل تلك المقارنات ومئات أخرى غيرها، فلماذا يعترض بعض الألمان على استعمال كلمة الهولوكوست كتعبير عام موجود ومُعَرَّف في القواميس وكتب التاريخ ؟.
فالتعريف يقول بأنها قتل للمدنيين والمدنيات، وعلى الأخص قتل النازيّين لليهود، ولا يقول إنها حكر على حادثة تاريخية معينة فقط؛ من هنا يشير بعض القواميس إلى أنها كلمة متقاربة فى معناها لكلمات مثل الإبادة أو المذبحة أو القتل الجماعي أو الجحيم وغيرها من كلمات كثيرة أخرى.

إذن فمحاولة البعض لجعل هذه الكلمة لها خاصية شبه مقدسة تمس فقط حادثة تاريخية فيما بين جزء من الشعب الألماني وجزء من شعب واحد آخر، بينما فى الحقيقة مست أجزاء مدنية من شعوب أوروبية عدة، يبدو نوعا من التَّعَنُّت اللغوي والتاريخي الذي لا يليق بشعب عظيم عقلاني كالشعب الألماني الذي نكن له كل الاحترام.

هذا من ناحية الجانب اللغوى؛ فإذا انتقلنا إلى منهجية التطبيق لهذه الكلمة؛ فإن حرق مدن أو أحياء أو جماعات بشتى صنوف الحرق قد حدث مراراً في التاريخ الإنساني، ولذا فإن ممارسة الإبادة أو الهولوكوست؛ كانت وستظل بأشكال ومصادر متنوعة .. فمثلا؛ ألم يكن استعمال الأمريكيّين لسلاح النابالم لحرق الأخضر واليابس وساكنيها فى فيتنام نوعاً من الإبادة الهولوكوستية؟.

ثم من قال إن الحرق فى الأفران؛ على بشاعته وإجراميته؛ أكثر إيلاماً وعذاباً من نشر الأمراض الفتاكة القاتلة بين قبائل الهنود الحمر الذي استعمله الجنس الأبيض الأوروبي عند غزوه للقارة الأمريكية؟ ألم ينته ذلك الاستعمار الإبادى البشع بقتل عشرات الملايين من الأطفال والنساء وكبار السن والشباب من الشعوب الهندية الحمراء ؟ هل حقاً أننا لا نستطيع أن نسمى كل ذلك بالهولوكوست الأمريكي تجاه تلك الشعوب؟!.

وهنا دعنا نعرج على ما وصفه الرئيس الفلسطينى بالهولوكوست تجاه الشعب الفلسطينى العربى .. ألم يكن قتل كل الأطفال والنساء والرجال من شعب دير ياسين وتهجير من نجا منهم مشياً على الأقدام نوعاً من المذبحة أى الإبادة الهولوكوستية ؟ هل إن عدم استعمال الأفران يجعلها معركة صراعية عادية وليست إبادة جماعية ؟ هل القتل الممنهج لأطفال ونساء وكبار وشباب فلسطين عبر سبعين سنة، تحت شتى الذرائع الأمنية المفتعلة، لا تصدق عليه كلمة إبادة هولوكوستية ؟ فقط لأنه يحدث رويداً رويداً (بالقطّارة كما يقول المثل العربى) ولم يحدث خلال بضع سنوات كما حدث فى ألمانيا النازية والدول الأوروبية المحتلة؟!.

هل إبادة ستة ملايين أو مليونين كما كان يؤكد المفكر والمؤرخ الفرنسى غارودى هي وحدها التى تحتكر كلمة الهولوكوست، أما إذا كانت الإبادة لعشرات الملايين، كما حدث للهنود الحمر فى قارة أمريكا، أو عشرات الألوف كما حدث للشعب الفلسطينى، فإن كلمة الهولوكوست لا تنطبق على ذلك الجرم الذي لا يقل فى بشاعته عما فعله النازيون؟!.

نحن نتفهم حساسية الشعب الألماني وشعورهم بالذنب تجاه ما فعله النازيون الألمان بالعديد من شعوب أوروبا، ولكننا لا نتفهم الإصرار على احتكار كلمة الهولوكوست وغضبهم الشديد عند وصف قتل الآخرين الممنهج بالهولوكوست.

إن ممارسة الهولوكوست تجاه أي جماعة وأي مجتمع، مهما كان كبيراً أو صغيراً، يجب أن لا تكون حكراً على أحد، وكفانا القدسية التى يستعملها محتلو فلسطين لتبرير احتلالهم لفلسطين وتهجير أهلها وقتل وسجن كل من يقاوم ذلك الاحتلال.

نحن نربأ بالشعب الألمانى الصديق أن يسمح لنفسه بأن يجر إلى تلك الهلوسات الدينية التى تستعمل لإبادة الشعب الفلسطينى خطوة خطوة وقطرة قطرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى