قصص ، رواياتمنوعات

رواية “وادي الرِّمـال” .. الحلقة (19)..

حـمـد الـنـاصـري

 

رواية “وادي الرِّمـال” .. الحلقة (19)..

 

بعد صمت بين الجموع وترقّب لحديث وتوجيه الجد الكبير بشأن وليد، نهض رجُل نحيف الجسم طويل القامة، يُعرف بـ ناشِبْ: نعم يا سيدي الكبير، رأيتهُ مَرّة، في أعْماق الوادي يَتقافز حصوات الوادي، يَتشبّث بِبعضها، وقد اسْتبطن الوادي وكأنه يَعرف خفاياهُ ومداخله وما فيه.. قادتني المُصادفة إلى أنْ أسِير خلفه واقتفي أثره، وأتتبّع سيره خطوة بخطوة، فُضول يَدفعني ورغبة عميقة تَسوقني وعَزم في داخلي يَحثّني.. تَلصّصت بخفّة الراصِد الذّرِب، أدفع الخُطى بِعَزم وقُوة وإرادة وأتوق إلى نَقْل حكاية وليد كما هيَ وكَشْف أعْماق ذرابَته، وأول ما لاحظتهُ عَزيمة قوية تَدِبّ في جَسده.. توقّفت فجأة وأنا بَيْن مداخل لم اعرفها ولم أرها من قبل.؛ فظننتُ أنّ وليد يَسلكها هُروباً مِن الرّجال ويَلوذ إليها كُلّما اشْتد به خَطْب الرّجال وخطرهم، ويلْجأ إلى تلك الدروب العميقة وأمْكنتها المخفيّة من أيّ خوف وخطر، وقلت في نفسي: ألهذه الدرجة من الخطورة تُلقي بنفسك في هذا الوادي العميق ودروبه الجبلية الصّلدة القاسية.؟ وتساءلت وأنا في حيرة من أمري، هل عِلّة هَوْس وليد القفز بين الصخور والسَيْر في الرمال.؟ أم تلك هي طريقة السّائِرون في حياة الذين رَضِيت عنهم السّماء.؟ أم أنّ وليد يَعبث بأسْرارها دون اكتساب قيمة أثرها كجده الأول الأكبر، والذي سار على دربه الجد الكبير.؟ وفي هذه اللحظة، تذكّرت قول الجد الكبير وهو يَحضّ على الأثر العَميق بما يَنفع الناس جميعاً : إنّ سُلوك الأثر العميق فيه نَبأ عظيم وخير كثير لِمن اتّبع سُلوك الأوّلين وزاد عليه بما يَنفع الرجال في القرية والوادي والرّمال ولا خير في نَجوى إثْنان مِن الرّجال دون ثالِثهم ؛ ولا حياء لإمرأة ولا أمَة في غير دارها ولا خلاق لِمَن ذلّ مِعْوزاً والعاقِبَة لِمَن قَتل مُفتقراً عن الدّفاع عن نفسه ولا نَخْوة لمن تخلّى عنْ أخيه الإنسان في أزمته ولم يَمُدّ له العون في حاجته ، إنّ في ذلك تَقْصِير كبير في حقّه؛ ولا شجاعة لِمَن أَخْطأ في حقّ غيره وسَعى في تَدميره ومَحْوه .! ولا إيمان لِمَن تصرّف في مُلكَ غيره بظلم بَئيس، ولا خير فيمن استقوى بظلمه وحال بَينه وبين العدالة وبَلغ حدّ التّجاوز والجُور العَلن.؛ وليَعلم الجائر أنّ الربّ الأعلى هُو القُوة الدائمة، وأنّ الباغِي يقع بأسْوأ الذُنوب ولا محالة أنه هالك، وليعلم الجميع أنّ الشرّ قرف في الحياة، والشرور لا مقام لها مع الربّ الأَعْلى؛ سكتَ قليلاً ثم أردف.. ذلك ما حفظته عن الجد الكبير وما دوّنه في “أسطورة المجد” وذلك الكتاب بنسخته، وجدته في تحقيق كتاب “القيم الإنسانية” لزعيم أولاد مخرم.؛ والحقيقة أنا أفتخر بالجد الكبير وبشجاعة وأمانة القائل، وادعوا ناصِحاً بالعودة إلى قراءة كتاب “القيم الانسانية”. ومن نصوص الكتابين وأقوال الرجلين وأفكارهما، جمعتُ ما استطعت من نصائح وإرشادات الجد الكبير، وما اسْتلهمته من فلسفة الزعيم مخرم ابن اليقظة، جمعت اشْتاتاً من نُطق عظيم وفلسفة القيم، في كتاب مُبسّط، سهل في قراءته وموجز في تحقيقه، اسميته “الجموع المُحصّنة”.؛ قال رجل استمع إلى حديث ناشِب: لا نُريد أنْ نستمع إليك ولا نقرأ لك، جمعت لنا كلاماً ليست من أفكارك وقالها غيرك وأحوالاً لست في حالها، وحوادث وقعتْ في غير زمنك ومواعظ لا شأن لك فيها، فلماذا تدعونا لقراءة كتابك.؟ أمّا علّة وليد فإنّهُ قد وجد ظَهْر الجد الكبير قوياً، فاسْتند عليه وعَبث فساداً في الوادي والرمال، وتقافز بين الصخور وسَبر أغوار الوادي وغامر في الرمال ولم يُبالي بقيم الرجال.؛ وهذا دليل أكيد أنّ الجد الكبير قد تجاوز حدّ مكانته الكُبرى.؟ ولزيادة الفهْم، لماذا اسْتبعد ـ الجد الكبير ـ الأفْكار المطروحة بطريقة فظّة.؟ ولماذا قدّم الحماية لوليد، وجعله يِعبث كيف يشاء في الوادي والرمال رغم أنّ القرية جُزء من المكان التي عاش فيها الجد الكبير وهيَ جزء من سلسلة الوادي وجباله الصمّاء.؟ ألم يكن يَعلم ـ الجد الكبير ـ أنّ أيّ عَبث لا مسؤولية فيه، ودون مُراعاة لقيم رجال الوادي، يَعني التقليل من هيبته ومكانته ؟ قال ناشب مُستدركاً، بعد أنْ داعَب لُعابِه بِلسانه وتحدّث بفلسفة: أعلم يا صديقي، أنّ المعلول من ألْزمته بواعِثه إلى مُقتضى الحال بالعلّة نفسها.؛ ولولا عِلّتها لما جاءَ بها وليد ولما أثيْرت عوارضها، والمُراقبة المُفتعلة هي في حقيقتها جُرم وتجريم ، كما سار عليه مُقتضى حال الراشدون، الذينَ ثبتوا على العزّة الخالدة والرشادة العالية، وأيّما تصرّف خرج عن تلك القِيَم، تُعتبر مَسالك شذّت عن بيئة رجال الوادي؟ قال رجل ضيّق العينين، معتدل الجسم: كفى يا رجل .. كن إيجابي وذي صَواب ورُشد وانظُر إلى الجانب المُشرق خشية أنْ تُصاب بعلّة الدّهشة.؛

ازدادتْ حالة الصَمت بين الرجلين كما ازْدادت حِدّة الحنق والغضب .. وكُل قرأ رسالة الآخر بلحظة الغضب المُستعرة في داخله .. فضّ الجد الكبير المجلس وتفرّق الرجال، وقال قولة مشهورة : ليس كل شيء يحتاج إلى حُزن.؛ تُؤمنون ببعض القِيَم وتَنسون ما تختلفون فيه.

بَعد غياب لعدة أيام، عاد وليد إلى قرية الوادي، مُؤملاً نفسه بالعودة إلى الرمال برحلة استكشافية تالية ،أطلق عليها رحلة “الأمل” واحتجّ ان رحلته “الامل” هي رحلة إضافة معلومات جديدة ، تنقص بحثه فيها ، ووعد بأنه سيؤلف كتاباً حول مغامراته واستكشافاته في وادي الرمال ، باسم “هِبَة الحياة” وقال عن كتابه الجديد : إنه سوف يُساهم في تغيير حياة الإنسان في وادي الرمال؛ وعلّل فِعْل مُغامراته أنها جاءت بإستكشافات ثمينة وأنّ الصّعاب تَهون من أجل رجال الوادي والقريتين وسائر قُرى وادي الرمال ، وأن مُغامراته ليست مجرّد مُغامرات بل هي تغيير حقيقي لإسْعاد الناس بالوادي ولينعم الجميع بحياة مُتساوية ، وليستْ مَسّاً كما يَدّعي الحمقى من الناس أو ضَرباً من الجنون.؛، فالحياة بلا أمل لا قيمة لها ولا ثمن .؛ ومن يَنظر إلى السَماء ويتّكئ ، فؤلئك هُم المهووسين بلا أمل.

سكت .. ثم استأنف مُوجهاً المُجتمعين: أيها الرجال، اسمعوا، وعُوو.. لا يَبحث أحدكم طِيْب الكلام من هذا وذاك دون جُهد بل عليه العزم بإرادة صَلبة والثبات على الهدف للوصول إلى غاية أنت تُنشدها ، فأنت قادر على ذلك وبإستطاعتك جَعْل النفوس عظيمة بأثر كلمة طيبة وعمل عظيم.؛ فتحقيق الأهداف شُعور جميل في النفس ، ولا تجعل أهميّة جهدك غاية لانْتقاد يُؤثّر على عقلك ، فتفقد السيطرة وتتحطّم أهدافك وأنت تنظُر إليها بشعور سَهْل وانكسار في العزم وصُعوبة في الثبات ويكون سعيك بلا عزم ، فإذا سقطتْ الأهداف انتحرتْ الغاية .؛ فالمَجْد أيها الرجال في العزم وفي المحاولة الصَعبة ولنْ يكون النجاح وأنت في الموقف الخطأ.؛ انطلق من المكان الاسمى لا من المكان الخاطئ.؛ سِرْ وابحث ولا تتوقّف.

قاطعه الرجل المهووس بمراقبته : نحن لم نعرف لك طريقاً صحيحاً غير عبارات مُهَذّبة وكلمات تحمل مشاعر جميلة.. السؤال: كيف نتعلّم منك ولم تُحدّثنا عن رحلة الغموض او الاستكشاف، كما تقول.؟ لماذا تَبخل علينا من فيض مُغامراتك الحمقى.؟ هزّ وليد رأسه، وكان في ضَيق، حكّ شُعيرات لحيته وقال: من لا يَعرف الصُعود يسقط.؛ وتجنّب الأخطاء فيض به حِكْمة.؛ قاطعه الرجل المهووس بمراقبته: اقسم لك أنّه لا أحد بيننا يفهم هدفك ولا أحداً يَعلم ما هي غايتك.؛ أنت تعلم أنّ رمال الوادي قاسية وبها شدّة.؛ فقُل لأشرارك الذين الْتَقيتهم في الرحلة المجنونة يأتون إلينا ويُعرّفوننا على وقاحتهم.؟ فنحن أيضاً لدينا شدّة وقسوة.. وقال هازئاً: إنْ كانوا لديهم غِواية فنحن لدينا غاية.؛ ضَحك وضحك الرجال معه.؛ قال رجل آخر، موجهاً أسئلة لوليد: يا وليد.. قل لنا، ماذا ستكتب عن رحلتك ومُغامراتك الاستكشافية في كتابك الجديد “هِبَة الحياة”.؟ قال وليد بثبات وعزم: سأكتب السعادة لكل الناس في حياة الرمال.؛ فالرمال لا تحتاج هَوس فيه لَغط او خلط كبير بل تحتاج إلى عزم وإصْرار وثبات، وتحتاج إلى هدف وغاية من أجل حياة الرجال وقرى الوادي.. التَغيير ضروري أيها الرجال.؛ وأما الأشرار، فأنا احذركم.. فقد رأيتُ أشْراراً يقومون بأعمال شريرة يسقطونها على البشر، يُغوونهم بسيئات الاعمال ويحثونهم على الغواية وارتكاب الخطأ.؛ الاشرار ليسوا بشراً لكنهم يَحملون بعض صِفات البشر، وهم أضْداد بعضهم كحال البشر، يختبئون في الاغوار او يدفنون أنفسهم في الرمال، يُخفون حقيقتهم، فوجوههم بشعة لحدّ القسوة، قد يَظهر بعضهم بثياب رثّة مُتسخة وبعضهم مُمزّقة قذرة، وتظنه من البشر وهكذا يَبدون في ظهورهم .. أرواحهم جافّة خالية من العاطفة يتحدّثون بأصوات لم تكد تُفهم، يُطلقون ضحكات رَعْناء، أعينهم تُصيب البشر بالخوف العميق، ويَنقلبون إلى أشباح، ويتجسّدون في حيوانات أو دواب الأرض، يُقلدون أصوات الأقربين، ويَتسبّبون في الشُقة بين الرجال وبين النساء او العكس، سيرتهم نارية لا هوادة فيها، ويُثيرون أسْباب القسوة بين الرجل وأهله ويجعلون الولد فظاً غليظ القلب على أبويه؛ فيزدادوا رهقاً وكما يبدو أنهم أضعف الكائنات ويخافون من البشر، فِعْلهم ضُر وعملهم قُبح.

أسرّ بعض الرجال إلى بعضهم : إنه رجل كذّاب.؟ قال رجل : أنا كثير السفر لم الْتَقي بأحد غير لصوص وقطاع طرق.؟ ألم أقل لكم أنه أحمَق ومجنون.؟ قال رجل مَفتول العضلات هامساً: ما رأيكم أنْ نسير إلى المكان الذي دلّنا عليه وليد، ونعوذ بأولئك الرجال فتكون لنا القوة الخفية، نزداد قسوة ونُرهق الذين يُخالفوننا كيداً وضُراً.؟ فرح الرجال بما دلّهم عليه مَفتول العضلات واتفقوا بأنْ يكونوا مع الكائنات الخفيّة مع نهار اليوم التالي، وكان لدى البقية تحمّس شديد بُغية الزيادة في القوة وطمعاً في القسوة ليكيدوا بها رجال الوادي.؟ وأبْلس الرجال برجاء الأشْرار وانقطعتْ اخبارهم، فسكنوا الصخور واختبئوا في كهوف الوادي، وقالوا لا نَبرح مكانهم حتى يأتونا مِن مَعين تلك القوة التي تحدّث عنها وليد.

لحق رجال القرية بعض الرجال الذين بادروا بالسكن مع الكائنات التي لا تشبههم ، وحين عاد بعضهم كانوا بلا صَواب ورُشد ، مُتفرقين ومُتعبين، بِسَبب ذلك الرّهق ، وبسبب تشتتهم في أرجاء الوادي وكهوفه ، فضَلّوا طريق العودة ، وذهبوا إلى قرية أخرى ، لم يَستطع الرجال التعرّف عليهم بسبب تشوّه وجوههم وانْقلابها إلى وجوه بَشعة قاسية، وبَعد أنْ عادت الدفعة الأخرى التي لحقت بالتي قَبْلَها، لم يستطع الرجال التعرّف على الأشْرار، لكنهم طلبوا منهم المدد ليقسوا على مَن كادهم ، فعاذَ بَعضهم بأشْرار يَختبئونَ في أَعْماق الوادي وعاذَ بَعضهم ببعض أولئك الاشرار، وكانت عاقبة أمْرهم عُسْرا ، وحالتْ أخْلاقهم السيّة بينهم وبين المكانة الطيبة في الوادي كما حالتْ سُلوكهم غير القويمة بينهم وبين رفعة القرية ومكانتها العتيقة، وإلى ما يُوجب الهلاك والبُؤس، وازدادوا قسوة وعُتوّاً كبيراً ورانت قلوبهم بالجُرم ولكنهم سَقطوا إلى قاع ضَحل مِن السُلوك المُزري، وتقاربت ضحالة بعضهم بعضاً وتهاوتْ، وسقطتْ سُقوطاً ذريعاً.. ثُم كان بعد ذلك، أنْ رجع بعضهم واسْتقرّ وعاد إلى الإطْمِئنان الحياتِي والْتَجأَ جزء منهم إلى ضفاف قرية الوادي وسَكن واستقرّ وحلّ رجالاً أشداء بَعدهم فأكلوا وشربوا وأنشأوا عِمارةً بديلة وأتْقَنَ رجالها عِمارتَها.. أمّا الذين لم يُؤمِنوا ولم يَنْتفعوا بِعَزْمها وظَنّوا أنّهم قادرين عليها، غَرّتهم أمانِيهم وكذبوا على أنفسهم، بأنّ كُلّ شيء صارَ سَهْلاً، وكانت عاقبة عَيْشهم خُسْراً وَوبالاً ولاقَتْ القرية شَناعة سِيْرتهم وفظاظة سُلوكهم وشدِّة قسوتهم فعَتَتْ بصلافةٍ وَوقاحة، وكأنّها لم تكن القرية الشامخة التي كانتْ بالأمْس قدراً آمِناً والحياة عليها مُطْمئِنة، فقد حوّل رِجالها واقِعَها إلى قرفٍ وشتاتٍ وتَفرّق وبُؤس.. يومئذ كانت الحاجة إلى الخلاص حَتميّة، إذ لا توفِيق بين الرّجال ولا تقارب بين كبارها ولا تعايُش بين صِغارها وبدا مَنْطق الحاجة إلى العدالة واجبة فلا مَصْدر لِلْعَيش والتّعايُش في القَريتين، وغَدت الوُجوه كالحة والجباهِ مُسْودّة وعطاء الرّجال مَجذوذ ومَقْطوع وبدتْ الحاجة إلى الخلاص مَشروعة وتُوازي ظُهور بَذرة التاريخ غاية وهدفاً وثَمنا!.

اسْتغرقت حالة المخاض في القرية العتيقة وقْتاً غير يَسِير من الزّمن كي يَخْرج الرّجال منها إلى القرية التي أَحْدثها الرّجال على إثْر خُروجهم من القرية العَتِيقة، وكما يُقال، الخيار الصحيح له ثَمن بِقَدْر التجربة؛ فكان للسّماء مَنطق بالغ الفَلْسفة الكونية، فعاقبت الرّجال بالتفرّق والشّتات، واضْطربت القرية وتَضَعْضَعتْ أركانها وتشوّشَ الرّجال، وحال وِفاقَهم إلى اخْتلاف وقُوّتهم إلى ضَعف وتآلفهم إلى انْتكاسة وقَلق وخوف، وفشِلوا في الأَمان والتّسامح واضْطربَ هَدفهم واهتزّت سَطْوتهم وبلغتْ زُمْرتها حدّ القلق المُرعب، وفاقَ رُعْبها ضَرْبة منصّة الموت؛ وهرع أكثرهم إلى سُبُل الغِواية، فتفرّقت مآربهم وتباعدتْ افْكارهم، ونبذَ بعضهم بعضاً، فتباغَضوا وتخاصَموا وانْقسموا على أنفسهم، فطعن بعضهم بَعْضاً، كما يطعن الرجل أخاهُ، ويُدير ظهر الأُمومة بألم الفاجعة ويَنْقضّ على آثارها بأذْيال الوجع، وبدا يَلُوح في الأُفق الإِنْقسام والإِنْشقاق ولم يَعُد للرشْد أثر باقٍ، ولم يَعْترف صَغيرهُم بكبيرهم ولم يتمسّكون به، وكان كبيرهُم في مَعْزلٍ، ونادى كبير الرجال رجاله : يا أيّها الرجال كونوا مَعنا ولا تكونوا في مَعزل عنّا .. فصاح الرّجال، نَحْن في مَعزلٍ عنك لا حاجة لنا بك ، كُنْ في مَعْزِل عنّا.

غضب كبيرهم واحمرّ وجهه وغضبَ الذين وقفوا معه، فقال كلمة قاسية في موقف صَعب وهو يرى الرجال في شتات وانقسام : كانت تلك هي عاقبة الرّجال ، عاقبة بَئيسة يَسْتحقونها جَمعتْ بين خَيْبة الأمل وسَيّئات الخُذلان!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى