بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

فن الدبلوماسية وإتيكيت فن التعامل مع الأشخاص..

الدكتور/ سعدون بن حسين الحمداني

دبلوماسي سابق – كلية عُمان للإدارة والتكنولوجيا

 

فن الدبلوماسية وإتيكيت فن التعامل مع الأشخاص..

 

كما هو معروف لنا أن فن الإتيكيت هو آداب السلوك الفردي المهذب في مختلف المناسبات والأنشطة بحياتنا اليومية والتي تعكس كاريزما وشخصية وثقافة وتربية الإنسان في المجتمع ، والإتيكيت هو الفن الرفيع والذوق والمشاعر الرقيقة التي تعبر عن أجمل ما في الروح وأحاسيس القلب وعقلانية العقل بالتصرفات المثالية التي تكون مرآة لشخصية الإنسان سواء امرأة أو رجل.

والمدارس الدبلوماسية تؤكد كثيراً على فن التعامل  الأمثل مع  الأشخاص سواء (الرجال أم النساء) لأن هناك احتمال كبير نفقد أشخاص أعزاء وقريبين على قلوبنا بسبب سوء فهم مضمون الصداقة أو العلاقة الرسمية، وبالعكس ممكن نكسب أصدقاء قريبين عليك ويضحون لك بمجرد فهم مضمون الصداقة، وبالتالي فأن علم النفس الاجتماعي يؤكد دائماً  على إختيار النية الصادقة وليس الكلمة أو تلميع الكلام التي قد تصدر بصورة غير مباشرة كحالة نفسية معينة أو ضغط عائلي أو اجتماعي، لذلك لا تؤول مدارس فرويد ونظرياته على الكلمة وإنما تستند كثيراً الى مفهوم المضمون والأحاسيس والمشاعر الاصلية وهذا ما تأخذ به المدارس الدبلوماسية فالعلاقة تبنى على صدق ومضمون العلاقة بدون استغلال الطرف الآخر سواء كانت شخصية أو رسمية.

وفن الإتيكيت يوضح لنا طريقة التعامل المهذب مع الآخرين والذي يبدأ من العائلة وصولاً الى هرم الدولة الذي يعتبر هو القدوة للمجتمع والناس الذي يقودهم ؛ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِه”ِ) متفق عليه)وهذا الحديث يعتبر مدرسة قَيمة في فن التعامل مع الأشخاص من خلال الاهتمام بمهارات الاتصال والتواصل.

وفي مجتمعنا العربي هناك حكمة تقول بأن الناس معادن والمقصود فيها هو أكبر دليل على إتيكيت التعامل مع الأشخاص،  والمعادن المقصود فيها هنا هو (الذهب والنحاس) فالأثنان نفس اللون والهيئة، فالنحاس  يذهب لونه وشكله بمجرد فركه أو تركته  لفترة وهو دلالة على أنه معدني وقتي رخيص الثمن مقابل الذهب وليس ذات أهمية كبيرة، وبنفس القياس يدلل على  الأشخاص ذو الوجهين  حيث يستغل طيبة ومنصب صديقه لإنجاز ما يحتاجه ولكنه بمجرد انتهاء مصلحته فهو يتركه بكل هدوء لأن انتهت غايته وحاجته منه؛ وهو ما يدلل  على  معدن النحاس الرخيص لكون شخصية استغلالية ابتزازية فقط ، وبالعكس فأن معدن الذهب يبقى في كل الأوقات براق وأصيل دون تغير برغم جميع الظروف  وهو ما ينطبق على الأشخاص ذات الأخلاق والأصالة العالية التي تؤول عليهم كثيراً المدارس الدبلوماسية وإشغالهم المناصب العليا والمهمة في الدولة لكونهم ذات معدن أصيل وهو ما يشابه الذهب لكون  هذا الشخص يضحي ويخدم صديقه دون مقابل لأنه من معدن أصيل وهذا هو السلوك المهذب والرقي التي تركز عليه المدارس الاجنبية وكذلك العربية لانهم سوف يبدعون في أعمالهم ويكونون الصفوة والقدوة للبقية.

التعامل مع الأشخاص مما تكن مناصبهم الرسمية والاجتماعية والعمرية في غاية الأهمية لأن أي عدم فهم في مضمون الصداقة والاحترام والنية قد نفقد هؤلاء الاشخاص الذين هم على درجة في غاية الأهمية وبالتالي فقدان هؤلاء الرجال قد يؤثر على الهدف الاقتصادي أو السياسي المخطط له لذلك يركز فن الدبلوماسية على إتيكيت إدارة الحديث بكل جوانبه والحفاظ على الشخص وأن كان بعيد كل البعد عن الصداقة والعلاقات الاجتماعية.

وأن حسن استخدام وصياغة الكلمات المهذبة والراقية في المعنى ونبرات صوتية هادئة غير مرتفعة تعتبر من أهم سمات إتيكيت التعامل مع الأشخاص بالإضافة الى البساطة والتواضع من أغلى صفات فن الإتيكيت لأنها أصل جمال الروح ومثالية العقل ،  لذلك علينا أن تتعامل مع الجميع بروح التعاون والوضوح والبساطة والمصداقية بعيداً عن إستغلال الأشخاص بسبب مكانتهم الاجتماعية والوظيفية وهي من السمات المنبوذة في المجتمع.

من أهم أوليات فن إتيكيت التعامل مع الأشخاص الابتعاد كل البعد عن النفاق ونقل الكلام بين الاشخاص لان ذلك سوف يشعل النار في الخشب لذلك على الشخص أن يتعامل مع الآخرين بكل معاني المحبة والشفافية والصدق ويبتعد عن استغلال مركزه الاجتماعي والوظيفي ولا يكون سيفاً على رقابهم حين الضعف ويستغل طيبة قلبهم وتعاونه وخدمته له.

إن السلوك المهذب وجمال الذوق في الكلمة وفن إدارة الحديث ولغة الجسد ومصداقية مضمون العلاقة مهما كان نوعها واحترام وفسح المجال للمقابل كي يتحدث بكل صراحة دون المساس بمشاعر الآخرين يعتبر من سمات فن التعامل مع الأشخاص.

وفي الختام فإن أرقى معاني إتيكيت التعامل مع الأشخاص هو الصدق في التعامل والابتعاد عن إستغلال الصديق للمصلحة الشخصية والتحلي بأصالة الاخلاق الاسلامية الراقية بخدمة الصديق دون مقابل لأن هذا هو المعدن الأصيل والذهب الصافي والوقوف معه في السراء والضراء واختار الصديق الصدوق الذي يتابع مفردات حياتك بكل تفاصيلها خوفا عليك من الاقدار بدون مقابل وليس صديق المرحلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى