بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

حماية العامل هدف اجتماعي وغاية تشريعية .. الجزء (7)..

الدكتور/ سعيد بن عبدالله المعشري

محامي ومستشار قانوني

 

حماية العامل هدف اجتماعي وغاية تشريعية .. الجزء (7)..

 

يعتبر العمل المصدر الرئيس للإنسان لسد احتياجاته المعيشية، وإذ يعد المال الهدف والحافز الأكبر نحو سعيه إليه، ومن أجل ذلك خرج الانسان منذ العصور الأولى للبحث عن العمل لإشباع متطلبات حياته الاساسية من مأكل وملبس ومسكن، وفي سبيل تحقيق ذلك كان الهدف والمسعى للإنسان هو الأجر (أي المال) مقابل العمل الذي يقدمه فقد يكون عينيا أو نقدياً، إلا أنه لم يكن بلوغ هذا الهدف والمسعى عادلاً أو سهلاً للعامل في كل الأحوال فكثيراً ما يواجه الصعوبات والعقبات المتمثلة في الاستغلال والابتزاز من وراء اقتضاء حقه من الأجر، وقد يحصل عليه ولكن دون أن يعادل مقابل ما قدمه من عمل، أو قد يستعبد بسببه.

ونتيجة لذلك حازت قضية حماية الأجر الاهتمام الدولي في ظل التطورات التشريعية الدولية والمحلية بشأن العمل والعمال وخاصة في ظل ظهور المواثيق الدولية لحقوق الانسان، وعليه أبرمت أول اتفاقية لمنظمة العمل الدولية رقم (95) بشأن حماية الأجور النافذة في عام 1952م، التي تُلزم الدول المصدقة على الاتفاقية أن تدفع الأجور المستحقة بالعملة السائدة بها قانوناً، ولا تجيز دفعها على شكل سندات إذنيه أو قسائم في أي شكل آخر يحل محل العملة القانونية، وأجازت للسلطة المختصة أن تسمح دفع الأجور بشيكات مصرفية أو بريدية أو أوامر دفع في الحالات التي تكون فيها الطريقة للدفع معتادة أو ضرورية بسبب ظروف خاصة، أو يقضي ذلك اتفاق جماعي أو بموافقة العامل. كما تجيز هذه الاتفاقية دفع جزء من الأجور بشكل عيني في الصناعات أو أن تكون في المهن التي يكون الدفع فيها بهذا الشكل ولا يجوز الدفع بها في شكل مشروبات روحية أو عقاقير، شرط أن يكون الدفع على شكل عيني صالحا للاستخدام الشخصي للعامل وأسرته وأن تكون القيمة المقدرة عادلة ومعقولة، وكما تحظر على أصحاب الأعمال تقييد حرية العامل في التصرف في أجره بأي شكل كان. أو إجباره لشراء سلعة من منتجات مصانعه، ولا يجوز الاستقطاع أو الحجز على أجر العامل إلا بالطريقة التي تقرره القوانين واللوائح الوطنية. كما تحمى الأجور من الحجز أو التنازل بالقدر الذي يعتبر ضرورياً لحياة العامل وأسرته.

وكذلك قبل هذه الاتفاقية أبرمت اتفاقية أخرى للمنظمة رقم (26) بشأن طرائق تحديد مستويات الدنيا للأجور النافذة في عام 1930م، والتي بموجبها أقرت أن تتعهد كل دولة عضو في منظمة العمل الدولية تصدق على هذه الاتفاقية بأن تقيم أو تعمل على وجود طرائق لتحديد المستويات الدنيا لأجور العمل المشتغلين في بعض المهن أو فروع بعض المهن (وخاصة التي يمارسها العمال في منازلهم) التي لا توجد أي ترتيبات لتنظيم الأجور فيها تنظيما فعالا عن طريق اتفاق جماعي أو غيره وتكون فيه الأجور منخفضة، وعلى كل دولة تصدق على هذه الاتفاقية لها الحرية في أن تقرر طبيعة وشكل وطرائق تحديد المستويات الدنيا للأجور وأساليب تطبيقها على أن يجب عليها أن تستشير أصحاب الأعمال وممثلو العمال المعنيين، وعلى أن يشتركوا في تنفيذ هذه الطرائق بالقدر الذي ينص عليه في القانون ويجب أن تكون المشاركة فيما بينهما بالتساوي، وأن تكون المعدلات الدنيا للأجور ملزمة ولا يجوز تخفيضها باتفاق فردي أو اتفاق جماعي ما لم يكن هناك ترخيص عام من السلطة المختصة.

وكذلك ابرمت اتفاقية رقم (63) للمنظمة بشأن الأجور وساعات العمل في الصناعات الرئيسية في المناجم والصناعة التحويلية بما في ذلك البناء والتشييد والزراعة، وهي تلزم الدول المصدقة على الاتفاقية بتزويد المنظمة بالإحصائيات عن الأجور وساعات العمل في هذه الصناعات بقصد الاطلاع على وضع العمال وحمايتهم من خلال وضع الحلول المناسبة بشأن الأجور ومدى توافقها مع ساعات العمل التي يقضونها في هذه الصناعات، وكذلك أيضا أبرمت اتفاقية للمنظمة رقم (76) بشأن الأجور وساعات العمل وأعداد العاملين على ظهر السفن تهدف لنفس الغاية بالاتفاقية المشار إليها.
وهناك ايضاً اتفاقية للمنظمة رقم (173) بشأن حماية مستحقات العمال عند افلاس صاحب عملهم والمبرمة في عام (1992م) التي رتبت أن تضع القوانين الوطنية بأن تكون مستحقات العمال عند اعسار صاحب العمل امتيازا قبل حصول الدائنين غير الممتازين على حصتهم، وبأن يضمن دفع هذه المستحقات عن طريق مؤسسة ضمان إذا لم يستطيع صاحب العمل دفعها بسبب افلاسه. وهذا ما تم تلبيته جزئيا بالسلطنة بموجب المرسوم السلطاني رقم (82/ 2020م) بإصدار نظام الأمان الوظيفي.

ولذلك حظى أجر العامل بالحماية في القانون العماني، حيث الزمت المادة (23-4) من قانون العمل على أن يتضمن عقد العمل تحديد الأجر الأساسي وأية علاوات أو مزايا أو مكافآت يستحقها العامل بموجب شروط الخدمة السارية، وطريقة وموعد أداء الأجر المتفق عليه، وكذلك المادة (٤٩) من القانون نصت على أنه تؤدى الأجور وغيرها من المبالغ المستحقة للعامل بالعملة المتداولة قانونا وذلك ما لم يتفق على أجر عيني، وأما بشأن تحديد الحد الأدنى للأجور فقد خولت المادة (٥٠) مجلس الوزراء تحديدها وفقا لما تقتضيه الظروف الاقتصادية وله أن يضع حدا أدنى لأجور فئة بذاتها من العمال الشاغلين لوظائف أو مهن تقتضي ظروف أو طبيعة العمل بها هذا التحديد، وكذلك حددت المادة (51) من القانون طرق أداء الأجور وبأن يتم أدائها في أيام العمل.

وما يلاحظ في مسالة تحديد الحد الأدنى في تحديد الأجور بالسلطنة وفقا لما تقدم، نجدها لا تراعي مقتضيات الظروف الاقتصادية من حيث التضخم وفي غالبها لا تراعي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للعامل، حيث يتم تحديدها بحد أقل عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي السائد، ولذلك يكون من المناسب أن يتم وضع معايير واضحة تتفق والمعايير الدولية الاقتصادية والتشريعية لتكون ملائمة وعادلة لأجر العامل للمقابل الذي يقدمه من عمل مربوطاً بمستوياته المهنية والتعليمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى