بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

الجاهل والمثقف وبينهما المتعلم..

الدكتور/ محمـد المعـمـوري

باحث وكاتب عـراقي

 

الجاهل والمثقف وبينهما المتعلم..

 

تشرفت بأن أكون ممن تداخل مع الأستاذ المبدع (الدكتور أسامة محمد صادق) في برنامجه “المبدعون” وكان محور حلقته عن الفرق بين المتعلم والمثقف ، استوقفني اختياره لهذا العنوان المهم الا انني وجدت في نفسي رغبة لان اقارن بين الجاهل والمثقف وربما لم تكن لي “النية” في العروج على المتعلم لأنني ومن خلال متابعتي لما يجري في الساحة العربية بشكل عام والساحة العراقية بشكل خاص أدركت أننا نذهب متسارعين نحو “الجهل” وإن كنا متعلمين، وإن مثقفنا أصبح “يقلب يديه” على ما يراه أمام عينيه من تصرفات لا تليق بمجتمع أعطاه الإسلام صفة التعلم وغادر الجاهلية في أول سورة أنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم (إقرا باسم ربك الذي خلق ….) فتعلمت البشرية منذ ان بدأت الرسالة المحمدية ان من واجبنا كبشر أن نقرأ.

وهنا عليّ أن أبين شيئاً مهماً، وهو أن المجتمع الجاهلي قبل الإسلام كان يشجع القبلية والتفاخر بالأنساب وتأخذ كل عشيرة “أبطالها” لكي تبين للقبائل الأخرى مدى قوتهم ولكي تخشي القبائل سطوة القبائل ذات العدد والقوة وتتميز تلك القبائل عن بعضها وتبقى القبائل الضعيفة تذهب يمينا وشمالا بين يدي القبائل القوية لا حول ولا قوة لها وربما يأخذ عزيزها فيذل ويفعل بهم ما كان يفعل، لذلك غادرها الإسلام ونهى عنها، وكان أحب الناس إلى المسلمين أكثرهم تقوىً وحباُ لله ورسوله؛ بل أكثرهم قوة هو من ينفذ قوانين السماء لتكون دليلاً لعمله بدل أن تنفذ قوانين الأرض فيأخذ جاهه، لذلك فإنني أرى ليس كل متعلم مثقف، بل إنني أرى كثيراً من المتعلمين يمتلكون صفة الجهل… الجهل بما يدور حولهم، وهنا عليّ أن أدمج صفة الجهل مع بعض المتعلمين لأقارنها بصفة المثقف.

نعم عليّ أن نعلم ان الجهل عاد إلينا، وأن الجهل يكمن في استعلاء القبيلة على القانون، وإن الجهل يكمن في إيجاد المسارات غير الصحيحة للنيل ممن ينتهك حقوق الفرد.

والمجتمع والجهل يعني أننا نسلم أنفسنا لروح القبلية لتتحكم بمصير وجودنا بين من نعيش معهم “دون ان يتحرك بعض المتعلمين لإنهاء. تلك الظاهرة بل يؤيدونها”، والجهل أن نعطل القانون ليتميز الفرد بعشيرته ويتفاخر “بشيخه” وقوة رد فعل أهله وإن ظلموا من ظلموا ليس مهم، والمهم أن نرفع رايات نكتب عليها فخاراً متفاخرين، وأن نترك القانون ليكون بعيدا عن حمايتنا “ويكون المتعلم هو من يسعى لها”.

أاما الفرق بين الجاهل والمثقف فأنا أعتقد أن الفرق بين المتعلم والمثقف هو نفسه الفرق بين الجاهل والمثقف .. كيف ؟؟.

ما معنى الجهل ؟؟..

الجهل أن نكون بعيدين عن ما يدور حولنا، الجهل أن نسعى لأخذ الدرجات العليا في الدراسة، وأن نحصل على شهادات تؤهلنا إلى الوظائف وربما تكون وظائف رفيعة دون أن نتعب أنفسنا في قراءة كتاب، الجهل هو أن لا نسعى للتعرف على ما حولنا، الجهل هو أن نعمل لنعيش فقط، الجهل هو أن نسعى فقط لنتميز بين أقراننا في أمر ما… “دون أن نميز أنفسنا بثقافة تؤهلنا أن نكون مؤثرين داخل مجتمعنا”، الجهل أن نكون منغمسين في ثقافة مجتمعنا دون مغادرة ما لا يليق بنا، الجهل أن نرجع لروح القبلية، الجهل أن نتفاخر بالأنساب، الجهل أن لا نعلم كيف نميز الطيب من الخبيث، الجهل أن نتبع هوى النفس دون أن يرعنا عقل فيرجعنا.

ولذلك فأنا أرى المثقف هو من له الفلسفة الصحيحة والعقل المتفتح الذي اكتسبه من “الجيد” في ثقافة مجتمعه وثقافات ما يدور حوله من الثقافات التي يتواصل معها في القراءة والاطلاع وتكوين خط مميز له يستطيع أن يكون ذا تأثير على مجتمعه أو على الأقل على من حوله؛ فإن المثقف يستطيع أن يدخل كل عقل يتناقش معه ويستطيع أن يؤثر ولا يتأثر بما يسيء لثقافته سوى تلك الآثار من ثقافة مجتمعه أو من ثقافات تدخل دخيلة على مجتمعه، لذلك أمرنا الله سبحانه وتعالى بأن نقرأ لأن القراءة تنير القلوب، وتهذب السلوك، وتخلص الفرد من (عادات وتقاليد) قد نذهب به بعيداً عن الحكمة، والقراءة هي لغة الروح، وفلسفة العقل الصحيح.

وهنا عليّ أن أشير الى شيء مهم جدا وهو أنني أقدّر وأجل كافة القبائل؛ فجميعها قبائل تستحق الاحترام والتقدير، وعلينا أن نستغل وجود الحكماء من شيوخ القبائل لنبني بلداننا، وأن تكون بين القبائل الألفة والمحبة، وأن يكون سيد القبيلة يمتلك ما يمتلكه من الحكمة لإطفاء أي توتر بين القبائل وعلينا أن نفكر أن قبيلتنا جميعا هو وطننا؛ فإننا منسوبون إليه وهو من يميزنا بين الناس أينما ذهبنا، وإن قبيلتنا يجب أن تذوب حباً في هذا الوطن .

واخيراً أقول لا خير في علم لم يهدِ صاحبه الى الحكمة ويرشده الى الأصلح لبناء مجتمعه.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى