أضـاعـوني .. وأيُّ فـتـىً أضـاعـوا..
زاهـر بن حـارث الـمـحـروقي
أضـاعـوني .. وأيُّ فـتـىً أضـاعـوا..
من يوم الثلاثاء 22 أغسطس 1989، إلى يوم السبت 22 أكتوبر 2022، احتاجت الأندية العمانية إلى 33 سنة وشهرين، لكي تضيف إنجازًا جديدًا للكرة العمانية – وهي فترة طويلة بكلّ المقاييس الرياضية وغير الرياضية – عندما أضاف نادي السيب لقبًا جديدًا للكرة العمانية، بفوزه بكأس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، مهديًا اللقب لعُمان للمرة الأولى، وهو إنجاز طال انتظاره، يُسجّل – بكلّ تأكيد – بأحرف ذهبية، هو الثاني على مستوى الأندية، بعد فوز نادي فنجاء ببطولة أندية مجلس التعاون لكرة القدم التي أقيمت في المنامة عام 1989.
لم يكن فوز نادي السيب بالبطولة القارية اعتباطًا؛ فقد كان وراءه تخطيط سليم، لا ينبغي لي أن أكرر الكلمات الإنشائية التي قيلت وتقال في مناسبات مثل هذه، ولكني كنتُ قد أشرتُ في مقال سابق بعنوان “أنديتنا ليست بخير” إلى افتقار هذه الأندية إلى استثمارات دائمة إلا القليل التي قد لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، ونادي السيب من هذه الأندية التي اهتمت بالاستثمار، وأصبح لها دخل ثابت مع استقرار إداري ومالي، ممّا أهّل النادي أن يشارك في الألعاب كافة، وأن يفوز بكأس صاحب الجلالة للشباب أكثر من مرة، ويحتل المركزين الثاني والثالث أيضًا أكثر من مرة.
وإذا كانت مسابقة كأس جلالة السلطان للشباب قد هدفت إلى “دعم وإبراز الجهود المبذولة من قبل الأندية بهدف تنمية وتطوير أدائها على كافة المستويات الرياضية والشبابية والإدارية والمالية وفق معايير التقييم المعتمدة”؛ فإنّ نادي السيب قد نجح في تحقيق هذه الأهداف في السنوات الماضية حتى فوزه بكأس الاتحاد الآسيوي.
وبما أنّ سكرة الفوز قد ذهبت وجاء وقت الفكرة، فإني أرى أنّ نادي السيب قد حقّق إنجازًا تاريخيًا، إلا أنه ليس معنى ذلك أنّ النادي لم يقع في أخطاء؛ فقد وقع في الخطأ نفسه الذي وقعت فيه بعض الأندية، عندما ركزت على التعاقدات مع النجوم على حساب بناء القاعدة؛ فكثيرٌ من أبطال الإنجاز سبق لهم أن حققوا إنجازات محلية مع أندية أخرى، وهكذا فعلوا مع فنجاء وظفار والسويق، وكان ذلك على حساب بناء القاعدة، التي هي عماد المستقبل. والذي أقصده هنا، هو أنّ اهتمام الأندية بالأشبال والناشئين والشباب أهمّ بكثير من التعاقد مع النجوم؛ فالمواهبُ موجودة في طول البلاد وعرضها، وأينما تُولّي وجهك فثم ملعب وأكاديميات تدرّب النشء على أساسيات الكرة، وولاية السيب شاسعة وذات كثافة سكانية، وموقع النادي يتوسط الولاية وتحيط به الملاعب والأكاديميات، فكان الأولى الاهتمام باكتشاف وتقديم المواهب بدلًا من التعاقدات التي تفيد على المدى القريب فقط.
والحديثُ عن إنجاز نادي السيب لا بد له أن يأخذنا إلى الحديث عن نادٍ آخر حقّق أول بطولة رياضية على مستوى الأندية في عُمان – لعل البعض يتذكره – وهو نادي فنجاء الذي رسم البسمة في وجوه الرياضيين العُمانيين بفوزه ببطولة مجلس التعاون للأندية عام 1989؛ فأوضاعُ النادي لا تسرّ صديقًا ولا عدوّا، وقد عصفت الخلافات أبناءه وأعضاءه، وأصبح ناديًا يقتات من اسمه فقط؛ فلا إدارة .. ولا لاعبين .. ولا جمهور، والمؤلم أن يجمّد نشاطه الكروي تحت طائلة العقوبات المفروضة عليه من الاتحاد العماني لكرة القدم، بسبب ديونه على اللاعبين، ثم يقرر المشاركة في الدوري الأدنى فإذا هو “استراحة الفرق”.
وفي ظني أنّ الموسم الحالي هو أسوأ موسم مرّ به نادي فنجاء منذ تأسيسه صحيح أنّ وزارة الثقافة والرياضة والشباب مسؤولة عمّا آل إليه وضع النادي بسبب عدم تدخلها، لأنّ النادي عبر تاريخه، قدّم لاعبين للمنتخبات الوطنية، وقدّم مدربين وفنيين وإداريين للاتحادات الرياضية المختلفة، إلا أنّ المسؤولية الأكبر تقع على أبناء النادي؛ فأولُ خطوة في العلاج والإصلاح أن تُطرح الخلافات جانبًا؛ فالخلافاتُ ما دخلت بيتًا أو عائلة أو وطنًا أو دينًا إلا مزقته، وهذا هو الحادث مع نادي فنجاء حاليًا، ومع بعض الأندية أيضًا، إلا أننا هنا بصدد الحديث عن فنجاء، وعسى أن يتجاوز الفنجاويون مشاكلهم، بعد القرار الذي أصدره سمو السيد ذي يزن بن هيثم وزير الثقافة والشباب والرياضة، يوم الثلاثاء 25 أكتوبر 2022، بتشكيل إدارة مؤقتة لتسيير أمور النادي، لأنّ التركة ثقيلة جدًا تنوء بأولي العصبة أولي القوة، والذي يبدو أنّ النادي سيبدأ ليس من الصفر وإنما تحت الصفر، ورئاسة النادي هي مغامرة كبرى، لأنّ رئاسة نادي فنجاء بأوضاعه الحالية هو مغرم وليس مغنم، ويحتاج الأمر إلى أولي العزم.
لقد سمعتُ عبارةً لها مغزاها من شخصية رياضية ارتبطت بالرياضة العمانية وهو الأستاذ عبد الله بن زهير الفارسي، يصف حال نادي فنجاء عندما قال لي متألمًا على لسان النادي : “أضاعوني .. وأيّ فتى أضاعوا”، ووجدتُ فعلًا أنها معبرة عن حال النادي المؤسف، وكأنّ الشاعر عبدالله بن عمر العرجي لم يكن يصف حاله فقط، بل يصف ما آل إليه النادي، فالذي أراه أنّ هناك فِرَقًا أهلية تملك من الإمكانيات المادية والإدارية والتنظيمية أكثر وأفضل من كثير من الأندية المُشْهَرَة رسميًا، ومنها نادي فنجاء بوضعه الحالي؛ إذ توجد فرق الحواري في مستوى أفضل منه بكثير، فما نراه الآن من أبناء النادي ليس إلا تراشقًا وتنابزًا بالألقاب عبر صفحات تويتر، بدلًا من الاهتمام بترميم البيت.
وكثيرًا ما أتساءل مع نفسي : ماذا سيكون موقف مؤسس النادي الشيخ خلفان بن ناصر الهدابي لو قُدّر له أن يعرف مصير ناديه ؟، وماذا سيكون موقف السيد سامي بن حمد كذلك ؟ وإذا تركتُ الأموات، فأتساءل أين السيد خالد بن حمد ؟ وأين أعمدة النادي مثل د. سالم الإسماعيلي، ومحمد بن عامر البرواني، وسالم البرواني، ود. وحيد الخروصي، وعبد الله بن زهير الفارسي، وعلي بن سالم البوسعيدي، وسيف بن سعود المحروقي، وتميم بن سيف المحروقي ؟، وأين الرؤساء السابقون واللاعبون القدامى، وهم أصحاب خبرات وإنجازات ؟، وغيرهم وغيرهم ؟! لقد قرأنا عن مبادرات الإنقاذ، ورأينا اجتماعات تحت مسميات مختلفة كثيرة مثل “العزوة” و”الفزعة”، واستبشرنا خيرًا بعودة النادي إلى مكانه الطبيعي، لكن كلّ ذلك ذهب أدراج الرياح بسبب الخلافات الشخصية، على حساب النادي.
في أحد نقاشاتنا مع الدكتور سالم بن ناصر الإسماعيلي في فترة مبكرة جدًا، وكانت مصاريف الأندية حينها أقلّ بكثير من الآن، وكان الولاء والإخلاص هما سيّدَي الموقف في الأندية، قال : “ستلف وتلف، وتكتشف أنّ المشكلة تكمن في الفلوس”، وقد صدق في ذلك، وإن كنتُ أعتقد أنّ هناك أشياء أخرى غير المادة، مثل الحب والإخلاص والتخطيط، لكن ستبقى المادة هي الأهم، لذا ركزتُ كثيرًا في مقالي السابق عن الأندية حول أهمية الاستثمار، فلا مستقبل لأيّ نادٍ بغياب استثمارٍ حقيقي، ولا تنفع الندوات ولا اللقاءات الإعلامية إذا كانت النتيجة هي طرح أفكار فقط، بل يجب أن تُطبّق تلك الأفكار وتُحوّل إلى واقع ملموس.
والمرجو أن تهتم وزارة الثقافة والرياضة والشباب بتوصيات أعمال “مختبر الاستثمار في قطاع الرياضة”، الذي تنظمه الوزارة بدعم من وحدة متابعة تنفيذ رؤية “عُمان 2040″، من يوم الاثنين الماضي 24 أكتوبر ويستمر حتى 17 نوفمبر، بمشاركة ممثلي عدد من الجهات المعنية الحكومية والخاصة، والاتحادات والأندية الرياضية، ومجموعة من الأكاديميّين والخبراء في القطاع الرياضي، لأنّ ما نُشر عن أهداف المختبر يبشر بخير إذا تم التطبيق، “إذ يهدف إلى الخروج بمشروعات استثمارية في قطاع الرياضة في سلطنة عُمان، ودراسة الممكنات والقوانين والتشريعات التي تسهم في دعم القطاع.
ويركز المختبر على 3 مرتكزات في الاستثمار الرياضي، وهي :
– المشروعات الاستثمارية.
– والفعاليات والأحداث الرياضية.
-والسياحة الرياضية.
لكي تكون أنديتنا أندية حقيقية، وحتى تحقّق إنجازات على المستوى المحلي والإقليمي والقاري والدولي، لا بد أن يكون لها دخلٌ واستثمارٌ اقتصاديّ ثابت مباشر وغير مباشر، حتى لا تعتمد على التمويل الحكومي فقط، وهذه أصبحت بديهة من البدهيات في عالم الرياضة، فيحتاج الأمر أن يترشح للإدارات أصحاب رؤى استثمارية تُطبّق على أرض الواقع.
من الصعب أن ننتظر 33 سنة أخرى لنحقّق إنجازًا خارجيًا آخر؛ والشبابُ العماني بالتأكيد مؤهّل لتحقيق الإنجازات في الرياضة والثقافة والأدب والفن والابتكارات، متى ما كانت البيئة صالحة ومشجعة ومحفزة، ولدينا أمثلة كثيرة في الآونة الأخيرة.