بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

الحرب الروسية الأوكرانية .. واقع الحرب كما هو لا كما الأهواء..

المستـشار/ عبدالعزيز بـدر القـطان

مفـكـر وكاتـب كـويـتـي

 

الحرب الروسية الأوكرانية .. واقع الحرب كما هو لا كما الأهواء..

 

على هامش منتدى دافوس الاقتصادي، قال وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، هنري كيسنجر : إن على أوكرانيا القبول بشروط روسيا، لإنهاء حالة الحرب، فإن مضى شهران، ستكون الحرب ليست من أجل حرية وديمقراطية أوكرانيا، بل ضد روسيا نفسها، روسيا التي لطالما كانت جزءاً لا يتجزأ من أوروبا، وكانت الضامن للأمن الأوروبي.

المتمعن في هذا التصريح، يتأكد أن لا أحد من العقلاء يريد الحرب، ومن يُذْكي نار الحرب عليه أن يتحمل تبعات هذا الأمر، لذا نحن أمام حقائق جديدة، حقائق قد يغيبها الإعلام الغربي، لذلك يجب معرفة التفاصيل لبناء الرأي السديد.

في مقالنا هذا سنخوض تفاصيل تطورات الحرب الروسية – الأوكرانية كما يقول الواقع لا كما تقول كل جهة.

سنـسلط الضوء على أهم تطورات الحرب الروسية – الأوكرانية، بعد أكثر من 100 يوم من الحرب، آلة النار هي المستعرة، وباقي ذلك تفاصيل إما أن تخلق عالم جديد متعدد الأقطاب، وإما سنكون أمام جبهات مفتوحة في كل أنحاء العالم، ولا أحد ضمنياً يريد ذلك، لكن عندما تنتفض المصالح، يكون غير ذلك مجرد تفاصيل لا قيمة لها.

بالأمس دعا الرئيس الروسي إلى أوراسيا الكبرى، تحالف قوي إن كبر ونما سيستقل عسكرياً واقتصادياً وثقافياً وأمنياً، ومن كافة النواحي، سيكون التبادل بين الشركاء في أقوى حالاته، معاً في السلم وفي الحرب، عملة موحدة أو على الاقل التعامل بالعملات المحلية، تبادل تجاري واسع، فما تملكه روسيا من موارد دون أدنى شك قوّض العالم، لقد أثرت الحرب على كل الدول خاصة الغربية منها وتحديداً الصناعية، حتى وإن وجدت تلك الدول بديلاً عن النفط والغاز الروسي، فهي أمام تكاليف باهظة سترتد ضرائب عالية على الشعب الذي سينتفض معها رفضاً لسياسات حكوماته، وآخر ما آلت إليه الأوضاع، هو وقف الحزمة السادسة من العقوبات التي أقرها الاتحاد الأوروبي، لأن هناك دول اعترضت، فهي لا تملك منافذ أخرى لجلب إمدادات الغاز، فهي مضطرة لشراء الغاز والنفط بالعملة الروسية “الروبل”، كالمجر التي قالت إن “فرضنا حظراً على النفط الروسي سينهار اقتصاد بلادنا”، كذلك موقف صربيا التي ذاقت الأمرين في حرب البوسنة والهرسك وهي تعرف جيداً تدخل الناتو في شؤون الآخرين عموماً وشؤون أوروبا الشرقية على وجه الخصوص، فتجربتها في تسعينيات القرن الماضي خير دليل على ذلك.

إيطاليا التي وقفت موقف أقرانها من الدول الأوروبية، يواصل رئيس وزرائها الاتصال المستمر بالرئيس بوتين من أجل ضمان إمداد الغاز، ومن بعده النمسا التي طلبت من بوتين أن تملأ مخازنها شركة غاز بروم بالغاز، أو ستضطر لوقف التعامل معها، وهذه ليست إلا إشارة بأنها تريد الغاز الروسي، وبلغاريا على ذات السياق، عملياً الدولة الوحيدة التي أمنت نفسها مؤقتاً هي ألمانيا ولكن لن يحصل هذا التأمين إلا مع حلول العام 2024، من خلال توقيعها عقداً لتوريد الغاز من قطر لمدة 20 عاماً، بينما فرنسا المترنحة مرة تعادي روسيا ومرة أخرى تخفف من لهجتها، ليكون المستفيد من هذا السجال كله “الهند” التي تواصل شراء الغاز الروسي بأسعار رخيصة، فآخر ما شحنته كان سعر البرميل الواحد 70 دولاراً رغم أن السعر المسجل عالمياً كان 100 دولار، ولا ننسى الصين، والآن تعاون تجاري بين إيران وروسيا وبالعملات الوطنية، كذلك أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أنه لن يقطع علاقته مع روسيا وسيشتري الغاز الروسي ولن يتوقف، كل هذه الأمور شئنا أم أبينا أتت لصالح روسيا.

على المقلب الآخر، بينما روسيا تحاول فتح طرق جديدة لإنعاش تجارتها والحفاظ على مستوى عملتها المحلية، تقوم أوكرانيا بطلب الأسلحة ولا تريد إلا مساعدات مالية وعسكرية، ومن يستغلها صراحةً الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا وبولندا، واشنطن ولندن تريدان تقويض روسيا وهذا أمر معروف للقاصي والداني، وحلمهما رؤية موسكو مدمرة من كافة النواحي، أما برلين ووارسو فالإرث التاريخي مهم عندهما وهناك أطماع واضحة، ألمانيا الدولة الصناعية إن استحوذت على المصانع الأوكرانية فهذا أكبر انتعش تحققه في حياته، بالمقابل تحلم بولندا باسترجاع الماضي الحصيف وضم الحدود الغربية إلى بلادها، وكييف ستعمل أي شيء في مقابل ألا تتوقف هذه المساعدات أو تنهار الدولة الحالية، فعسكرياً غامرت بحياة سكانها ووضعت القناصة في الأحياء المأهولة، حتى أن هناك بعض الصحفيين الفرنسيين زاروا ماريوبول مؤخراً وأصروا على لقاء مدير مشفى التوليد فيها للاطلاع على حقيقة الأمر، ليتبين أن أوكرانيا أخلت المشفى من المرضى والرضّع والأطقم الطبية ومن ثم تم قصفه، ولا يهم من أي جانب تم القصف لكن المؤكد وبحسب شهادة مدير المشفى أنه كان خالياً تماماً من أي تواجد مدني، ليس هذا فقط، فبالأمس نشرت صحيفة الواشنطن بوست مقابلة مع أحد الضباط الأوكرانيين، الذي تحدث بشفافية حول حقيقة الأوضاع، أنه يتم إرسال الجنود إلى المعارك قبل نصف ساعة فقط وكل جندي يزود فقط بـ 30 طلقة، سيقاتل بها ويدافع عن بلاده بثلاثين طلقة لأن ذريعة القيادة بأنها مكلفة، وهذا ليس الخبر، بل أنه بعد المقابلة تم اعتقال الضابط وسجنه على خلفية تلك التصريحات.

الواضح أن أوكرانيا والغرب لا يريدون إيصال الحقيقة للناس، الغرب مغيب تماماً عن حقيقة أن خيرسون وزابروجي الأوكرانيتين يريدان الانضمام إلى روسيا، وأن الناس داخلهما يتعاملون بالروبل وأصبح مشغل هواتفهم يحمل رمز روسيا (+7)، وأن الإنترنت دخل مناطقهما من شبه جزيرة القرم، والأكثر من ذلك تم ضبط توقيتهما على توقيت موسكو، لا يوجد تقديم أو تأخير للساعة مع كل صيف وشتاء، وبدأ العمل في المدينة والنشاط، الحقيقة التي وجدتها بعد متابعتي اليومية للأحداث وقراءة الجانبين، وجدت أن روسيا تريد أن تحافظ على أوكرانيا ووحدتها، ولا تريد جعلها مطية للغرب، إن توسع الناتو فيها ما هو إلا مقدمة لزعزعة استقرار كل المنطقة وهذا ما قرأته وتدركه موسكو جيداً، زد على ذلك مسألة المعامل البيولوجية الأمريكية في أوكرانيا، فإن لم يُعرف بعد ما ماهية ما كان يُخطط، أخبركم أصدقائي بأن “جدري القردة” خرج من أفريقيا، وتم الكشف عن وجود أربع معامل بيولوجية على الأقل في نيجيريا، والقوات الأمريكية أخذت اللقاح من هذا المرض، فهل هناك نية لانتشاره وجعله أشد فتكاً من كورونا؟ كل شيء ممكن.

أما على نطاق الأسلحة، يواصل الغرب مد أوكرانيا بالسلاح، لكن لا تجد أحد منهم يحاول جر كييف للعودة إلى طاولة الحوار، فعدا عن أن أوكرانيا زرعت ألغاماً بحرية، يتهم الغرب روسيا بأنها سبب الأزمة الغذائية التي ستحدث، متناسياً عقوباته، لكن روسيا وافقت على شحن الحبوب مقابل رفع العقوبات عنها، وإزالة الجانب الأوكراني للألغام من البحر، فهل تجرؤ سفينة على المغامرة والدخول إلى بحر قد ينسفها في عرض البحر، ناهيك عن أن الغرب عبر الدنمارك سيرسل أسلحة مضادة للسفن، وأما الولايات المتحدة راعية الديمقراطية فتقول إنها لن تدخل في صراع مع روسيا بسبب أوكرانيا، لكنها سترسل قاذفات ميلرز ذات المدى البعيد، حيث يصل مداها إلى 100 كلم، أي أنها قادرة على الوصول إلى الداخل الروسي، وهذا إن حدث سيكون العالم أمام سيناريو سيندم كل مسؤول عربي وأمريكي على نكش عش الدبابير، لأن أول من سيدمر هو أوروبا.

وعن سيناريو الفشل الروسي وتكبدها الخسائر في العديد والعتاد، يبدو أن إعلامنا العربي يعتقد أن الغرب يهتم ويتابع نشراته التي اختارت الانحياز إليه، يجب أن يعلم أن روسيا فتحت باب الانضمام إلى منظمة معاهدة الأمن الجماعي أمام العرب، رغم يقيني أن ما من حكومة ستجرؤ على الانضمام خوفاً من أمريكا، لكن وفق خارطة القتال وإحاطة وزارة الدفاع الروسية التي أحرص كل صباح ومساء على قراءتها، تعترف روسيا أن هناك خسائر وهناك قتلى وهناك ضحايا، لكن في كل يوم هناك تحرير جديد، أما أوكرانيا فهي تنتظر أسلحة رادعة لتغيير موازين القوى متغافلة عن ترسانة روسيا الجوية من أحدث المقاتلات، ومتعامية عن صواريخ إسكندر، ولو لم تكن كذلك لرأينا أن الناتو والولايات المتحدة الأمريكية أول المشتركين في الحرب عليها.

بالمحصلة، هذا غيض من فيض كثير، روسيا تقاتل بثبات ومن أجل مصلحتها العليا، لمجرد أن شعرت ان عرشها سيهتز بدأت حرباً قد تكون صعبة، لكنها كشفت عن عورات الغرب الذي صدحت حناجرنا ونحن نقول للجميع إن من يحمل جينات استعمارية لا يمكن أن يكون راعي سلام، وأوكرانيا للأسف لم تقتنع حتى الآن أنها بيدق بيد الرؤوس الكبيرة وحتى إن تحولت إلى ركام ورماد فلن يهتم الغرب لها ولا لمدينيها، الذين بدأوا يُطردون من المنتجعات التي فُتحت أبوابها لهم في بداية الحرب، الآن باتوا حملاً ثقيلاً فقط بعد 100 يوم من الحرب، فكيف لو كانوا بدل العراق لأكثر من عقدين من الزمن أو مثل سوريا عشر سنوات وأكثر أو أفغانستان أو اليمن أو ليبيا ومنذ عام 1948 مثل الشعب الفلسطيني الصامد، فهل تدخل الغرب يوماً لإنقاذ الشعوب، بالطبع لا، لكن نأمل أن تنزاح هذه الغمّة وأن يعم السلام، ولو أن ذلك مستحيل، لكن يبقى الأمل هو الذي يقوينا ويصبرنا أمام هول هذه الويلات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى