بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

رباعية سادجورو في عمان..

عبدالحميد بن حميد الجامعي

 
 

رباعية سادجورو في عمان..

على وقع الأسى بفرط ابن أخينا الاستاذ عبد الرحمن صايمة الثاني ذي السنة والسبعة أشهر إلى ربه فجرَ اليوم بعد أخيه الأول جبران ذي الثمانية أشهر يومها قبل سنتين ونيّف، في تسارع لم يدم إلا سويعاتٍ لا تصل لعشر ساعات، وبعد النظر في موضوع هذه الحياة ومعناها العابر، فإني استحضرت سُنَّةَ المدافعة التي تستقيم بها الحياةُ بين لحظة ولادتنا ومماتنا، ووجوبَ أن يكون للواحد منا موقفٌ يشفع له عند ربه، ويرضيه هو قبل الآخرين في دنياه قبل آخرته.. من ثَمَّ قررتُ التعقيب على بعض المشاركات في خبر سادجورو الأخير لما لذلك الموقف من دلائل دنيا وأخرى، والله المستعان.
كنتُ اكتفيتُ بالخاطرة التي وردتني في زيارة سادجورو لعمان، واكتفيت يومها بمشاركتها من أعرف، ورغم ورود بعض المقال الناقم على الحملة ضد إقامة منصة ومنبر له وضد زيارته في برنامجه المحدد (مقال: مليون مرحبا بسادجورو في عمان)، إلا أن منطلقه ومحتواه المعادي للإنسان العماني مطلقا (مطوع وغير مطوع) ولثقافته الاسلامية الممتدة لأربعة عشر قرنا، مع ركاكة الحديث، وضحالة المنطق، وهشاشة التراكيب، وغياب الموضوعية في تناول متعلق العماني طبيبا وتاجرا ومعلما وحتى (شيبة في زواجه) جعلني أصرف النظر عمن طالب بوجوب الرد عليه، إذ هو لا يخرج عن كاتب منتحل غير عماني، أو كاتب مأجور مدفوع، أو كاتب واقع في عقدة نقص وسوء ظن بعمانيته، والأخير منهم يحتاج من يأخذ بيده ويعينه من الجهة الرسمية والاجتماعية.
إلا أن بعض المشاركات التي ظهرت لاحقا، في شكل تغريدة لأحد الدكاترة المحترمين، ومقالتين منفصلتين  لاثنين من الكتاب الأجلاء (سادجورو… هل نخشى الآخر؟! و ماذا لو دعي سادجورو لندوة الإلحاد؟)، ومقطع ڤيديو أخير من سلسلة “حصن عقلك” وكادرها الكريم القائم على جهد عظيم، جعلني ملزما بالتعقيب والتعليق.
لقد أجْمَعَتْ هذه المشاركاتُ على ذات المنطلق واجتمعت عليه، وهو كونُ الرفض قائما على اعتبار أنه إنسان مختلف، وأنه هندوسي العقيدة والدين والهوى، وأنه يشكل خطرا بأفكاره المسمومة على صغارنا وكبارنا وعلى عقيدتنا، وهو ضد “التسامح” الذي جُبل الإنسان العماني عليه، ورغم احتمال وجود من يعتقد ذلك حصرا، إلا أن الواقعَ يُسقطُه، والتعايشَ القائمَ في عُمان يرفضه، فالعمانيون كما العالم على اطلاع بما يفعله الهندوس في المسلمين في الهند على أساس عَقَدي ديني بحت، رغم ذلك لم يتأثر الهندوسي في عُمان بتلكم الأحداث، ولم يُحَمِّلْهُ العماني إياها، لأنه إنسان متسامح، قاعدته مبنية على ثقافة عزيزة تخبره (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) [الزمر: 7]، رغم الحاجة الملحة الإنسانية والأخلاقية والدينية لرد فعلٍ رسمي من الحكومة العمانية ووزارة خارجيتها للتعبير -أقلَّ الأمر- عن قلق ما يصل من الهند في هذا، والدعوةِ لحكومتها بتوحيد الصف الهندي على أساس الوطن المشترك -مما هي عادتها في كثير من الأحداث-، لذلك فالماء اليوم -في دعوى رفض سادجورو لمجرد هندوسيته والخوف منه على عقيدتنا- قد كذَّب الغطاس، فالهندوس معنا وحولنا! ولو كنا في خوفٍ من مجرد هندوسيته لكان خوفُنا ممن حولنا أولى، ولو كنا أيضا نرفضه ردةَ فعلٍ لإجرام الهندوس في المسلمين في الهند لكنا أقربَ أن تكون ردةُ فعلنا على القائمين منهم بين ظهرانينا.. وهو الذي لَمَّا يكنْ ولَمَّا يحدثْ!
إن التغريدة والمقالين ومقطع الفيديو للأسف لم يستنطقوا الشارع، ولم يستشهدوا الواقع، ولم يكن لهم موقفٌ مستقلٌ إلا ما سبق من اصطفاف وإلا لظهر لهم ما قدمنا، ولكنهم جميعهم التبس عليهم الأمر، وكانوا هم -من حيث لا يحتسبون- ضحيةَ أخيلةٍ وأحكام مسبقة، تجعل الناس على فريقين، متدين (متشدد منغلق)، وآخر “معتدل” واع متسامح، وكانت دعوتهم للأوائل ليكونوا من الأواخر، وظنوا أن رفض حضور سادجورو هو رفض لدينه وفكره وإلحاده، وقد كانوا -كما سيظهر- مخطئين.. 
إن ما فاتَ هذه المشاركاتِ الأربعَ هو أن الرفض كان استجابةً لواجب شرعي ومنطقي وقانوني، فالرجل سبق عُمانَ بثلاث محاضرات ضمن ذات السلسلة في برنامجه “التوعوي” عن حماية التربة، وفي هذه المحاضرات الثلاث -وبشكل لا نعلم علاقته بالتربة- تعَدّى على الذات الإلهية واستهزأ بها، وحط من قدرها، فضلا عن الحط من قدر الإنسان وعلائقه، والإيحاء بتفكيك مكونه.
إن الواجبَ الشرعيَّ لردةِ فعلِ كثيرين برفض إقامة منصة أو منبر له -وليس لمجرد زيارته- وازعُه وداعيه نصُّ آيةٍ قطعيةِ الدلالة والحكم، منطقيةِ المبدأ والمعاد، مُخاطَبٍ بها وبحكمها أصحابُ التداخلاتِ الأربعِ وغيرهم من المسلمين، بل ومن عدول العالمين، وهي توجيهُه سبحانه: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140))، وهو نوعٌ من المدافعة والمقاومة مُشاهَدٌ حتى في الاجتماعات الأممية في شكل انسحاب الوفود تعبيرا عن الرفض، واعتراضا على السياق، وهو تعبير راقٍ لا شك، ولو استطاعت الوفود فوق هذا التعبير حجبَ ذلكم السياقِ ومنعَه لفعلت، ونحن قد رأينا محاضرات الرجل ضمن ذات السلسلة، وتِردادَ محتواه الذي ينال فيه من الذات العلية دون حياء ولا تقدير للأرض وأصحابها وثقافتهم، من ثم كان لزامًا المطالبةُ بمنع تلكم السلسلةِ أن تصل في شكل صاحبها لعمان، ليس خوفا ولا رهبا، ولا عدمَ تسامحٍ وقبولٍ للآخر، ولكن خضوعا لتوجيه الله، وتوجيه المنطق من تنزيه الله الواجب، وتنزيه آياته من استخفاف الناس، وقلة أدبهم في حقه.

إن تنظيمَ محتوىً ينتهك شيئا من الخطوط الحمراء للدول (حاكمِها، قضائِها، دينها، أعراقها.. إلى آخره حسب الدول ودساتيرها) يُعَدُّ جريمةً بحد ذاته، توجب العقوبة، والعقوبةَ المغلظة في أحايين كثيرة، وقَبولُ الجريمة منها ولو تعبيرا باللسان أو حتى سكوتا وغضَّ طرفٍ لا يعد تسامحا ، بل هو مشاركة في الجريمة والإثم، وتلبسٌ بهما، من ثم فالعمل على منعها -ابتداء- واجب، وهذا ما مارسه كثيرون -ممن جاءت التغريدة والمقالتان والڤيديو لنقدهم- بشكل تقدمي راقٍ في مطالبتهم برفض إقامة منصة أو تظاهرة للرجل  بصورة شبه رسمية في معلم ثقافي وطني كمركز عُمان للمعارض في سياق حملته التي عابها ذلكم التهكمُ بالله وبالإنسان عبر مقاطع الڤيديو المنتشرة عنه، وعبر التسجيلات.
لا شك أن عدم قدرة هذه المشاركات الأربع استجلاءَ هذه الزاوية الواجبةِ عليهم وملاحظتَها كُتَّابا ومؤسسات، وانطلاقَها من زاوية لا يؤسس لها السياقُ العماني، ولا يصدقها الواقع يعد أمرًا مؤسفا حقا، لما فيها من جلدٍ للذات في غير محله، وظنٍّ بكثير من العمانيين لا يَجْمُلُ بهم، فالعماني الرافض للزيارة ما زال جاره هندوسيا وزميله في العمل هندوسيا، لم يتعرض لهما بمكروه، فهل يتعرض لسادجورو لهندوسيته؟ أو يخاف على دينه أن يتخطفه، وهو من يحيط به ما يحيط من تحديات العالم المنفتح اليوم؟! كما وإن المدافعة بين الناس هي من سنن العيش الآمن والعادل على هذه الأرض (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ…) البقرة: ٢٥١، ولولا هذه المدافعة لتكلم سادجورو في عُمان بما تكلم به في الأردن والبحرين في ذات الخالق، ولو لم يكن في هذه المدافعة إلا التنبيه على أخطائه أن تتكرر في عُمان بحق الله من قبل الجهة المنظمة أو الجهات الحكومية ذات الصلة لكفى، ولو لم يكن إلا تفاعل مؤسسات المجتمع المدني الإيجابية اتجاه ملف الفعالية لكفى، ولو لم يكن إلا غياب البريق والزخم الإعلامي عنها، وكأن لم تكن لكفى، وكل ذلك يحسب عند الله وعند الناس وعند سادجورو ذاته -تنبيها له من الاصطدام- يحسب لهذه الفئة التي جاء الأربعة ناقدين لها، ولولا تحركهم لكان كل أولاء في حَيْصَ بَيْصَ لو نطق الرجل في عُمان بِشرِّ ما نطق به من قبل في الأردن والبحرين…. ولو تعذر تلبيةُ عدم زيارته، وإكمال برنامجه رأسًا، فالشكر لهم ولوقفتهم واجب على مؤسسات الدولة وعلى الأفراد وعلى سادجورو ذاته ليأخذ حذره ويرتدع.

أخيرا فالرجل شخصية مشهورة، وجيرانه في الهند مسلمون، وبعضهم يسميه “الحكيم العالمي”، فيندر أن يكون -وهو فيلسوف معروف- قد فاتته القراءة في الإسلام حتى يقال لماذا لا يفتح له دعوة تعريفية في عُمان ليتعرف على الاسلام أكثر من خلال ندوة الإلحاد مثلا وغيرها؟! ورغم غرابة هذه الدعوة مع واقع الرجل كما قدمنا ومقام النقد وسياقه إلا أنها دعوةٌ ممكنة، نشجع الجهات المعنية وزارةً ومراكزَ ثقافيةً عليها، للتعريف بدين أهل عمان الإسلام وثقافته…. (لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا)!.

تعليق واحد

  1. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الهدى وسيد العالمين وافضلهم خلقا وخلوقا

    اولا جزاك الله خير على هذا المقال وبارك الله فيك وزادك من واسع فضله

    ثانيا احب ان اعلق على زيادة المدعو ساجور الى سلطنة عمان وباقي دول المنطقه التي زارها الاخير…

    ثانيا
    فيم يخص زيارته لبلادي وبقية البلدان ارى ان السماح له بهذه الزيارة لها ابعاد تلامس واقع المسلمين الموجودين في جمهورية الهند وهيه رساله واضحه لحكومتهم كي تتخذ الاخيرة التدابير التي تضمن ممارستهم لحقوقهم الدينيه على اكمل وجه

    ثالثا
    قال -تعالى-: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾،

    الا يجب ان نتعامل معى الطوائف الاخرى ودياناتهم بالحكمه والموعظة الحسنه
    فهم موجودون في اغلب بلدان العالم وقد اختلطت الشعوب وتداخلت بحكم المصالح التجارية والاقتصادية وغيراها من المصالح

    رابعا
    ارى ان العمل على ترسيخ القيم ومبادىء الدين الحنيف وحسن المعامله مع مختلف الاجناس ونقل الرساله الصحيحه الصريحه عن ماهية هذا الدين العظيم لها ابعاد كبيرة جدا على المدى الطويل بل ارى انها الوسيلة الانجع في استقطاب قلوب بقية الطوائف الى رحاب هذا الدين العظيم فالمعاملة الحسنه وبالاخص في هذا الزمن الصعب لها وقع عظيم لدى الكثير من خلق الله ….

    سبحانك اللهم وبحمد استغفرك واتوب اليك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى