بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

العراق بين الماضي والحاضر .. صعود وهبوط..!!

المستـشار/ عـبـدالعـزيـز بـدر القـطان

كاتب ومفكر – الكويت

 

العراق بين الماضي والحاضر .. صعود وهبوط..

 

تأثر الوضع الإقليمي كله في منطقة الشرق الأوسط من الناحية الأمنية والاقتصادية والسياسية بغزو العراق، والأخير نفسه بكل تأكيد، 19 عاماً كانت كفيلة بتدمير حضارة كاملة على الصعيد العراقي، وتدمير الجوار العراقي بأكمله، ضمن مخطط صهيو – أمريكي محبوك الصناعة تحت عناوين زائفة لسنا بصدد الحديث عنها الآن.

العراق قبل الغزو الأميركي كان دولة، أما بعد الغزو وحتى بعد الانسحاب الأميركي عام 2011 لا توجد دولة حقيقية، كان الجواز العراقي من أقوى الجوازات على المستوى العالمي، وكان الجيش العراقي من أقوى الجيوش في المنطقة، هو حضارة متكاملة امتدت لقرون، أرادوا تدمير التاريخ وتدمير هذا البلد، بلد العظماء والحضارات، بلد العلم والعلماء والمدارس، بلد الدين والعلوم والأدب والاقتصاد، بلد الكرم والشهامة والإباء.

لقد خرجت من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، الحجة تلو الأخرى، لاقتناص فرصة واحتلال العراق، هذا ما أكدته وثائق حكومية سرية بريطانية، عن وجود علاقة قوية بين شركات النفط وغزو العراق، فالحكومتان الأمريكية والبريطانية لديها مطامع بالاستحواذ على الثروة النفطية الهائلة في العراق، وبحسب وثائق عُرضت على الإعلام الأمريكي العام 2002، أن قرار غزو العراق اتخذ بعد ساعة واحدة فقط من وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، قبيل الغزو الأمريكي للعراق كلنا يتذكر كيف كانت الأحداث تتسارع وتشير إلى أن امراً كبيراً سيحدث في منطقة الخليج العربي، ما يؤكد ذلك هو توقيع وزير الدفاع الأمريكي، دونالد رامسفيلد على قرار تعزيز كبير للقوات الأمريكية قبل شهرين ونصف من الغزو، وذلك في قطر والكويت والبحرين، حيث توجه 35 ألف عسكري أمريكي إلى منطقة الخليج، وذلك استعداداً لحرب محتملة مع العراق.

مطلع يناير/ كانون الثاني العام 2003 أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج دبليو بوش، أن بلاده جاهزة ومستعدة للتحرك عسكرياً، إذا رفض العراق نزع أسلحة الدمار الشامل حسب الرواية الأمريكية، كل ذلك بتنسيق بين لندن وواشنطن وتحديداً طوني بلير وبوش، وتم تحديد موعد الغزو مبدئياً، ليكون في العاشر من مارس/ آذار 2003، اللافت هنا أن بعض القوى العراقية تحت مسمى معارضة أيدت هذا الغزو مع شديد الأسف وهذا لا يمكن إلا أن نسميّه “خيانة عظمى”، إلا أن الشعب العراقي بدأ يشعر باقتراب هذه الحرب، وبدأ يترقب إلى ما ستؤول إليه الأمور، هنا لا يمكن إغفال أن الجيش العراقي استعد جيداً للمواجهة لأن وحده الخائن من يسلم بلده دون مقاومة، وحدثت الحرب، حينها قال كبير مفتشي الأمم المتحدة “هانز بليكس” قال: إن واشنطن شنت الحرب عندما بدأ العراق بالتعاون الحقيقي للأمم المتحدة”، وأضاف: “وأن الحرب كان مخطط لها منذ زمن بعيد”، وهل ينسى أحد منا معركة “أم قصر” ومعركة “المطار” التي كانت من أشرس المعارك خلال الحرب، وكما تقول الأنباء في تلك البصرة أن معركة الدبابات التي حدثت في البصرة قاومت الاحتلال البريطاني في أعنف مواجهة لم تحدث منذ الحرب العالمية الثانية، وفي التاسع من أبريل/ نيسان 2003 وقعت الفاجعة ودخل الأمريكيون بغداد وكان أول ما قاموا به إسقاط أحد تماثيل الرئيس العراقي الأسبق، صدام حسين، وبعد ذلك وطوال كل تلك السنوات ما بعد الغزو، كانت تلك الحرب كفيلة بتدمير هذا البلد ونشر الفوضى والدمار، وأجج الأمريكيون الطائفية التي أحدثت شروخاً كبيرة داخل المجتمع العراقي، بالتأكيد كان هناك خسائر من جانب الاحتلال الأمريكي البريطاني، وبحسب المصادر أنها بضعة آلاف، لكن الحقيقة والتوقع أن الأعداد أكثر من ذلك بكثير، لكن الخسارة والفاجعة الأكبر، كانت من نصيب الشعب العراقي قتلاً وتشريداً، من بين 2003 – 2018.

كل ما سبق، لم آتي من خلاله بجديد، ولم ينساه أحد لأذكره به، لكنه مقدمة مهمة لمعرفة تفاصيل الغزو المشؤوم، والمخطط الخبيث لتدمير الشرق الأوسط من البوابة العراقية، فبإسقاط العراق والتربع فيه يصبح صيد بقية الدول أسهل مما كان متوقعاً، والمتابع للأحداث يعلم ذلك جيداً إن كان في سوريا أو ليبيا واليمن وبالطبع لا يمكن استثناء العراق نفسه من تربع الأمريكي العام 2014 بذريعة محاربة الإرهاب وقبل ذلك دخل تحت مسمى شركات أمنية “بلاك ووتر” وما شابهها، زد على ذلك أن المخطط هو فعلاً خطير ولا نقول ذلك من باب الحديث فقط، بل على كل العرب وكل دول الشرق الأوسط أن تقي نفسها بالطرق التي تراها مناسبة لأن من كان اليوم فدور الباقين في الغد وهو قادم لا محالة بما فيها دول الخليج.

كل ما سبق يعيدنا إلى تسعينيات القرن الماضي، عندما أخذ الغرب الاستعماري ممثلاً بالولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، قرار إضعاف العراق القوي والذي كان قوة يُحسب لها ألف حساب، فقد انطلقت موجة التطرف والإرهاب لإنهاك البلد المنهك أساساً، لتبقى الولايات المتحدة الأمريكية في العراق وسرقة كافة مقدراته من جهة، والولوج إلى بقة دول المنطقة، من جهةٍ أخرى، وبعض جوار العراق كان له مصلحة في تدميره وإنهاكه، وتحقق ذلك، وكم قال ساسة العراق إن الدور سيأتي على الجميع لكن لم يصدقهم أحد حينها، إلى أن وقعت الكوارث، ورأينا الإنهاك الاقتصادي لكثير من الدول وفي مقدمتهم العراق البلد الغني بثرواته وعقول أبنائه وحضارته الممتدة على مدى التاريخ.

وهل من عاقل يتقبل فكرة إهداء الخائن الأول والذي حمل معه ذنب ملايين العراقيين، دونالد رامسفيلد، سيف الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، ففي ذلك خيانة للتاريخ الإسلامي قبل العراق، وبعد مرور أكثر من 18 عاماً على الوعود التي قدمها رامسفيلد، إلا أن أياً منها لم يتحقق للعراقيين الذين يعتبر بعضهم ما قاله رامسفيلد والحكومات العراقية “مجرد وعود لا أكثر”، فهل هناك دليل أكثر من ذلك على صدق ما نقول.

وإذا عدنا بالسنوات بعض عقود قليلة، وقارنا بين الواقع الحالي وستينيات وسبعينيات القرن الماضي على سبيل المثال، يتبين لنا أن أصالة هذا البلد متجذرة وضاربة في عمق التاريخ، فقد كان العصر الذهبي للعراق المعاصر، ففي تلك الفترة، كانت كلمة حرب لا تمثل العراقيين، بغداد كانت مدينة جميلة و نظيفة ومبانيها الكبيرة كانت جميلة و جديدة وشامخة، و كانت هذه المدينة الرائعة قد بدأت تتجمل و تنهض و تحاول أن تلحق بركب العواصم الأوربية الأنيقة، وبدأت تطبق القوانين الحضارية، المراكز التجارية (المولات) على سبيل المثال كانت منتشرة في العراق منذ خمسينيات القرن الماضي  حسو اخوان) و (اورزدي باك) في شارع الرشيد، وأما التعليم وبحسب تقارير لليونسكو، كان النظام التعليمي في العراق من أفضل أنظمة التعليم في المنطقة.

وتؤكد الدراسات الإجتماعية في ذلك الوقت أن الحكومة ساهمت بقدر كبير في تعميم التعليم على مجمل سكان العراق، فقد ازدادت نسبة المدارس الابتدائية بما يقارب الـ 30%، فالفترة التي أعقبت إزاحة الملكية من العراق عام 1958 شهدت بناءً ملحوظاً للاقتصاد إبان حكم أحمد حسن البكر، إذ اتجهت البلاد نحو النفط كأساس للدخل الاقتصادي، وخصص من وارداته 70% للإعمار و 30% للموازنة، وهو ما أنعش العراق ليشهد تقدماً عالمياً في تلك الفترة، وتمكن العراق من تأسيس سكة حديدية والنهوض بالتعليم حتى أصبح مساوياً للدول الإسكندنافية باعتراف منظمة التربية والعلم والثقافة (يونسكو)، و”وضع الكثير من أسس النهضة الحديثة”، وكانت كل رؤوس الأموال للخزينة العراقية توضع لتقوية البنى التحتية وتمويل مراكز البحث العلمي، وسيادة القانون وتكافؤ الفرص واجتثاث الفساد وغير ذلك لتطوير العراق لتحقيق نهضة رائدة تبوأت فيها العراق مكانة عالية بين الدول المتقدمة.

بالتالي، كل الفترة ما بعد الملكية إلى تاريخ الغزو الأمريكي عملياً، ولو أن فترة التسعينيات كما أشرنا لم تكن جيدة على العراق، وحصاره الخانق، لكن مقومات الدولة ومؤسساتها كانت موجودة ولا أحد يستطيع إنكار ذلك، العراق بلد متقدم ومتطور أريد إضعافه وإنهاكه لتدمير بما فيه، الذرائع والأعداء معروفين، لكن مع شديد الأسف الوقود كان من داخل العراق وبعض الجوار الذي استثمر فيه سلباً، فلم يدخل الأمريكي لإسقاط النظام العراقي بقدر ما دخل لإسقاط المنطقة برمتها، لتدمير الحضارات المتعاقبة فمن قرأ التاريخ يعلم جيداً كيف كانت بلد السلام والعلم والدين والأدب، وكيف اهتم الخلفاء على تعاقبهم بتطوير الأمة الإسلامية التي كان مركزها في يوم من الأيام “دار السلام وعاصمة الرشيد” بغداد، والآن أين هي العراق؟ وماذا حدث لها؟ هل حققت بعض الشيء مما كانت عليه؟ مع شديد الأسف دولة غنية تعاني مثلها مثل افقر دولة تملك ما يجعلها في القمة ولكن المتربصين يسيطرون على كل شيء، الاستعمار والصهاينة والمحتلين لا يريدون قادة أقوياء لا للعراق ولا لأي بلد آخر، كما حدث مع رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، الذي وبتغريدة واحدة عرّى الولايات المتحدة الأمريكية، فانتفضت الجموع في كثير من الدول دعماً للحق قبل أن يكون دعماً لخان، هذا الرجل الذي صنع من باكستان دولة مستقلة وقوية، وهذا لا يناسب تطلعات الغرب، فهل سنسمح بأن تنهار العراق وهي المالكة لكل المقومات التي تحصنها من شرور المتربصين؟

لن أتحدث عن الحلول، لأنها معروفة، لكن ليتفق الساسة فيما بينهم على إخراج القوى الأجنبية ويبنون هذا البلد العظيم بتاريخه وحضارته، لا شيء مستحيل عندما تتوحد القلوب، ولنتعظ مما يحدث حولنا، ولنصنع مجدنا أو على الأقل نحييه لأننا كنا وسنبقى أمة عريقة حكمت بأخلاق وتعاليم الإسلام، نصف العالم في يوم من الأيام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى