بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

الخَمْر في عُمان .. هَلْ هيَ ضُرورة ؟؟..

الكاتـب/ حمـد الناصـري

 

الخَمْر في عُمان .. هَلْ هيَ ضُرورة ؟؟..

 

بَعد عام 1970، كانَ بَيع الخَمْر وشُربه في سَلطنة عُمان مُقْتَصِراً على السُواح وفي الفنادق ، ولا يُسمح لأحَد أنْ يَحْمِله او يُسَوّقه أو يُتاجِر به ، بَلْ يُعَد جريمة ، وشَرّعَت السلطنة قانوناً جزائياَ ، فتناولت المادة (٢٨٥) عقوبة (كُل مَن حازَ أو صَنع أو جَلَب أو تعامَل في الخُمور أو هَيّأ أو أعَدّ مَحلاً لِتَعاطِي الخَمْر أو المُسْكِرات أو مارسَ أيّ نشاط مُتَعلّق بها دون ترخيص مِن الجهات المُختصة بالسِجْن مُدة لا تَقِل عن (٦) شهور ولا تزيد على(٣) سنوات).

وقد يَعْتَرض البَعض ويقول : إنّ هُناك مَن تَمَثّل الخَمْر جُزءاً مِن حياتهِم اليومية !! ونَرد عليهم أنّ ذلكَ البَعض قد تكون المُخَدّرات أيْضاً جُزءاً من حياتهِم .. فَهَلْ نَبِيح المُخَدّرات لإرضائهم.

ويَرد البَعض الآخر أنّ في إباحَة الخَمْر فوائد سِياحيّة وماديّة وذلكَ عُذْر أقْبَح مِن ذَنْب فأغْلَب سُوّاح العالَم يَبْحثُون عَن بِيْئَة نظيفة وآمِنَة وهادِئَة وخالِيَة مِن أيّة مُلَوّثات وبَعِيدة عَن صَخْب الحياة الغربيّة ولو أرادوا شُرب الخَمْر فهو مُتوفّر في بُلْدانِهم ولا حاجة لهم بالقُدوم إلى بَلدنا المُسْلِم المُلْتَزم وقد يُزايد غيرهم فيقول : إنّ في الخَمْر فوائِد وكأنّ كُلّ الأغْذِية والمَشْروبات الحلال فيها ضَرَر والخَمْر فقط هيَ النافِعَة رَغم أضْرارها المُدَمّرة على الصِحّة والعَقْل وانْهاكها للجيب .

ناهيكَ عَن أنّ الخَمْر مُحَرّمة بِنَص دِيْنِي إلَهِي وفي القُرآن نَقرأ قول الله تعالى : “يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”(90) المائدة. ذلكَ أنّ الله جلّ جلاله لمَ يُحرّم شيئاً إلاّ لِعِلْم إلَهِي لا يَقْبَل الشَك فيه بِضَرر ذلك الشيء للإنْسان! وفي الآية الشريفة نقرأ كلمة التَجَنّب بمعنى الابْتِعاد فالاجتناب هُنا أقوى مَعنى مِن التَحريم العادي، فهو يَعني الابْتعاد الكُلي ويَعني أنّ التَقرٌب منه به خُطورة بالغة .! وبالتالي تكون نَتيجة ذلك الابْتعاد هو الفلاح والنَجاح ، ولا فلاح مع وجود الخَمْر ، وذلك الوَعْد إلَهِي.

ولِتبْيان الحقيقة التأريخية أقول : إنّ الخَمْر كانَ شائعاً كما هو مَعروف في زمَن الجاهلية الأولى ولِقُرون طويلة ولذلك لما حرّم الله تعالى الخَمْر جعَل ذلك تدريجياً لكيْ لا يَقع الناس في غيّها ثم يُعاقَبون بِعُقوبة الجَلْد.؛

ولا غروَ فقد توسّعت مقاصِد واتّجاهات التَحريم القُرآني والمَقْصَد الأوّل والأهَم مِنه هو حِماية المُجتمع والرٌدع عَن كُل فِعْل أو سُلوك يَضُر الناس أو النَفس البشرية والنَهْي عَن كُل تَصرّف لا أخْلاقي مُؤْثم ومُخالف لِلفطْرَة البشرية.

كذلك نَجد أنّ النظام العام في دُولنا الخليجية سارَ إلى ما يَحفظ حياة الناس مُجتمعياً ، ولذلك كانَ لِلشّرع أهمية كُبْرى في سَن ووضْع القوانين والدٌساتير وبالمُقابِل نَجد أنّ التَشريعات القانونية، حملتْ واسْتندت ايضاً على ذلك المبْدأ الاخْلاقي المَنصوص في الشريعة .. فقد يَتدخّل المُشَرّع الحكيم مِن مَبدأ التَعامُل الإنساني والرّحمة على الجُناة ويَردعهم عَن الانْحراف السُلوكي بأقلّ الخسائر وأخف العُقوبات .. ولكن وبكلا التَوجّهَين سَواء القانوني أو الشَرعِي فإنّ الغاية كانَت وسَتبقى الإصْلاح والرّدْع وليس الانْتِقام والقصاص وإنّما تهدف إلى حماية المَصْلَحة المُجْتمعية ..

وضِمْن نفس الموضوع قرأت تفاعُل الشيخ احمد الخليلي باركه الله تعالى وأبقاهُ ، مع الحملة المُجْتمعية التي دشّنها عُمانيون لِلمُطالبة بإغْلاق مَحلات الخمور في السلطنة ؛ فسماحة المفتي ، ابقاه الله وحفظه .. هو ذلكَ الرّجُل الحصِيف العاقِل النابِغَة الذي لا تأخُذه في الحقّ لَومَة لائِم ، يأخُذ كُلّ التَشْريعات بمبْدأ التَحَقّق العِلْمِي والمُقارنات الشَرعية، ويأخُذ بالمُشَرّعات الوضْعِيّة ، تَشْريعات وقوانين جزائية وعُقوبات واحْكام مَع حَمْل ذلكَ إلى العَقْل والمَنْطِق .؛ فقال عَن هذه الحملة التي دشّنَها العُمانيون في رَفْضِهم الخَمْر في عُمان (إن الخمر هي منشأ أنواع الفساد ومصدر ضروب الآثام، وقد ألححنا في المطالبة بمنعها برًا وبحرًا وجوًا، وإذا بنا نفاجأ بفتح مخمرة جديدة ضخمة، فيا للعار والخسار !!).

وقرأتُ في ذات الحملة تَصْريح للشَيخ وائِل بن سيف الحراصي (هذه رسالتي للوطن والسلطان أضمها مع أصوات المخلصين من أبناء عمان. أسأل الله العلي القدير ان ينفع بها وأن يرفع بها الشر عن عمان وأهلها. وكان عنوانها ، كلمة حق يجب ان تُقال لوقف الخمر في عُمان) .

إنّ العالم الغربي الذي تَعَوّد على شُرب الخَمْر واخْتَرع أكْثَر أنْواعه بدأ في مراجعة نفسه وأصبحت حكوماته تحَذّر مِن أضْرار الخَمْر الكارثيّة ليس فقط صِحيّاً بَل اجْتماعياً وبِيْئيّاً وأخْلاقياً فأغْلَب الجرائم وحوادث السيارات والأخْطاء المُدمّرَة في العَمَل يَرتكبها مُدْمِنو الخَمْر ناهيك عنْ الناحية الصحية والتي تجعل شارب الخمر عُرضة لأمراض خطيرة مِنْها تليّف الكبد والزهايمر وعَجز الكلية وغيرها مِمّا لا شِفاء له  وفي سابقة غريبة أنّ الغرب فاضَ به الكَيْل ؛ فقد اعْتبرت وزارة الصحة الفرنسية أنّ الخمور هيَ مِن الخبائِث الرئيسية سنة ٢٠٠٩ وفرنسا كما هو مَعروف مِن أكْبَر مُنْتِجي الخمور في العالم !! وتقول الاحْصائيات الرسمية أنّ الخُمور تَقْتُل أكْثَر مِن ٤١ ألف شخص سنوياً في فرنسا وحدها!!.

إنّ شُرب الخَمْر آفة اجْتماعية مُخِيفة ومُدَمّرَة لِلْمُجْتمعات والأٌسَر ويَعترف بذلكَ كُلّ حكومات العالم وأوّلها الحكومات الغربية وبِكَبْسَة زُر يُمكن مَعرفة حَجْم التأثير المُدَمّر لتلك الآفة حول العالم.

إنني أرى أنْ يَقِف الجميع بما فيهم المسؤولين مع المَشْهَد الإجْتماعي الرّافِض بِكُل ما يِحْمِله مِن مَوجة غضَب كبيرة وواسِعَة حِمايَة لِمُجْتَمَعِنا ووقايَة لِديْننا الحَنِيف واسْتنهاضاً لوطننا عُمان ، ووفاءً لمكانتها وثوابتها والْتِزاماً لمبادئها واخْلاقها .. ونُطالِب وفَوراً بإغْلاق مَحلات الخُمور في السَلطنة .. واقْترح توجيه عُقوبة إلى الشَركة / الفُندق الذي أعْلَنَ عَن نِيّته إقامَة مَعْرَض لِبَيع الخَمْر وتَحذيره مِن مَغَبّة إقامَة مِثْل تلكَ المعارض المرفوضَة اجْتماعيا والمُدانة شَرعاً.

نَحن نُحب وطننا العزيز ونَفتديه بكُل ما نَملك ، فقد ألِفْناه مُنذ نُعومة أظْفارنا نَظِيفاً طاهِراً مِن كُلّ دَنَس ونَرفُض أنْ نَبِيع ذلكَ الطُهْر والنَقاء مُقابل ريالات مَعْدُودة سَتكون وبالاً علينا الآن ومستقبلا، ونُريد لوطننا عُمان أنْ يِبْقَى نَقِياً طاهِراً إلى أنْ يَرثَ الله الأرض وما عَليها..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى