مقالات وآراء

 المشروع الكبير القادم للمنطقة .. (الجزء الرابع)..

 

 

الكاتب والمحلل السياسي : سمير عبيد

 

 

 

 المشروع الكبير القادم للمنطقة .. (الجزء الرابع)..

 

* البريطانيون عائدون لتركتهم القديمة!!..

 

* مسرح العمليات البحري قد دُشّن ويمر على قوميات إيران!!..

 

 

البريطانيون عائدون ..

 

أولاً :

1- قبل أكثر من سبع سنوات كتبتُ عدة تحليلات عن عودة بريطانيا الى تركتها القديمة في منطقة الخليج والعراق والهلال الخصيب. وحينها دار جدلا حول الموضوع، ومنهم من سطّح توقعاتي بالسخرية. علماً هي ليست أمنية الكاتب أن تعود بريطانيا ؛ بل هو استنباط واستشراف استراتيجي مستند على قواعد التحليل العلمي ، وضمن سياقات العلوم المستقبلية .وتوقعت حينها خروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي. وجزمت حينها أن بريطانيا أسيرة انتمائها للاتحاد الاوربي. وسوف تخرج منه للتفتيش عن دورها التاريخي والسياسي خصوصا عندما تحركت الدول التي لديها إرث إمبراطوري واستعماري بالبحث عن طرق العودة الى هذا الإرث . لا سيما وان بريطانيا بمكانة الموجّه الأول لسياسات الولايات المتحدة في المنطقة والعالم.

2- وأكدتُ في تحليلاتي السابقة  ان بريطانيا تراقب الاندفاع القومي لتركيا وإيران في التركة البريطانية حصراً، أي في الخليج والعراق وسوريا واليمن وليبيا والصومال …الخ . أي أنها كانت تراقب اندفاع المشروعين المغلفين بالدين والعقائد والتنافس. وخضت جدالات سياسية وفكرية حول هذا الموضوع مع إصراري أن بريطانيا قادمة لتوقفهما في نقطة معينة وفي تاريخ قادم لا محال. وها هي بريطانيا تخطو الخطوات تلو الاخرى للعودة الى إرثها الجيوسياسي القديم لتوقف المشروعين المذكورين وهما :

أ: المشروع القومي الإيراني المُغلف بالتشيّع وعقائده، والذي يعمل على بث الروح والمعنويات نحو إحياء الامبراطورية الفارسية بغطاء ديني!!.

ب: المشروع القومي التركي المُغلف بـ “التسنن” وعقائده والذي يعمل على بث الروح والمعنويات نحو إحياء الإمبراطورية العثمانية بغطاء ديني أيضا!!.

بريطانيا معها من يتوجّس من هذين المشروعين أيضا..

1- المعارضات الإسلامية “سياسية وعقائدية” من نفس المذهبين (الشيعي والسني) للمشروعين المذكورين التركي والإيراني.

2- التّوجس العربي بشكل عام ، والتوجّس الخليجي بشكل خاص من المشروعين المذكورين الإيراني والتركي!!.

3- التوجّس الدولي من المشروعين الصاعدين التركي والإيراني ، بحيث سارعت الصين الصاعدة وبرفقتها روسيا للاستفادة من صعود المشروع الإيراني واستغلاله في تثبيت حدود محورهما الصاعد بقوة!!.

4- التوجّس الواضح من أوربا الغربية وفي مقدمتها ألمانيا والنمسا ودول شواطئ المتوسط من الصعود التركي والخوف من عودة العثمنة بهوية جديدة.

وبالمقابل لو أخذنا دول الخليج والهلال الخصيب فهناك توجّس حقيقي من الصعود الإيراني نحو الإمبراطورية الفارسية الجديدة ، لا سيما وأن العالم دخل مرحلة التنافس الشديد على حجز بطاقة الجلوس في كابينة قيادة العالم الجديد!!.

الخلاصة : أن جميع تلك الأطراف المتوجسة والتي مر ذكرها هي جاهزة لدعم عودة بريطانيا الى منطقة الخليج والعراق وبقايا التركة البريطانية القديمة.

ثانياً :

1- جميع المؤشرات تؤكد أن ساعة الصفر قد دقّت في لندن وعواصم أخرى لإيقاف اندفاع تركيا وإيران في التركة البريطانية القديمة ، والتي عاصمتها (العراق) إن صح التعبير ، لأن العراق بالنسبة لبريطانيا يمثل (الجوهرة اللامعة) في التاج البريطاني؛ أما غرفة عملياتها الأولى فهي (سلطنة عُمان) التي سوف تسلم من المتغيرات الدراماتيكية القادمة؛ لأن سلطنة عُمان سوف تعود إلى تاريخها الجيوسياسي والاقتصادي القديم بعد انقضاء العمر الافتراضي لبعض الدول الخليجية وتقسيم الأخرى منها!!.

2- هناك مخطط بريطاني نشرتُ عنه أيضا قبل أكثر من عشر سنوات، وكاد أن يتقدم على الأرض لولا حدوث بعض المتغيرات التي طرأت في الخليج والمنطقة، ومنها ثورات ما يسمى بـ “الربيع العربي” وأحداث داعش في العراق وغيرها ، وعندما تم إعداد المسرح العسكري واللوجستي لهذا المخطط البريطاني في الكويت والتي حينها نزلت قوات بريطانية توزعت في المزارع شمال الكويت ، وتم إعداد خطة (الألغام البحرية) الموجهة عبر الأقمار الاصطناعية التي تتحكم بدفعها وعبر موجات موجهة نحو الساحل الإيراني بالذات لتطويق منطقة “عربستان” الغنية بالنفط والثروات تزامنا مع تحريك مخطط الأدوات الناعمة التي أعدتها الولايات المتحدة الأميركية بهدف تفكيك الجسد القومي الإيراني ، أي دعم انفصال القوميات الرئيسية في إيران وبمقدمتها الشعب العربي في عربستان!!.

خطة الاستيلاء على منطقة الذهب الأسود..

1- لدى البريطانيّين مخطط تم إعداده منذ سنوات ، والذي أشرنا إليه قبل سنوات أيضا ، ونوهنا إليه أعلاه ، والذي من أجله أسست بريطانيا  ، ونكرر بريطانيا  وليس الكويت لـ (ميناء مبارك الكبير) لأن هذا الميناء ميناء بريطاني بواجهة كويتية، ومن أشرف عليه هو رئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير وشركاته الخاصة ، وتحديدا بعد انتهاء الحرب على العراق!!.

وإن من أوقف المخطط “الإماراتي – الإسرائيلي” ضد ميناء مبارك أخيرا هي بريطانيا ؛ لأنه كانت هناك خطة إماراتية إسرائيلية لتعويم هذا الميناء وإخراجه من الخدمة كأسلوب تأديبي للكويت عندما رفضت التطبيع مع إسرائيل ؛ فكانت الخطة الإماراتية الإسرائيلية ربط “ميناء البصرة” بالموانئ الإماراتية والإسرائيلية ، وتطويق “ميناء مبارك الكبير” وخنق الكويت. (وهنا ننوه وباختصار شديد أن الكويت في وضع لا تحسد عليه ، ويُنذر بربيع كويتي فيها ، أو حالة من الفوضى القادمة إليها – وسنشرح ذلك في المستقبل القريب إن شاء الله)!!.

2- فبريطانيا عائدة وهي التي أوقفت (حرب الموانئ) خوفا من فقدان نفوذها وتعكير عودتها ، هي عائدة وفي جعبتها مخطط الاستيلاء على مثلث النفط الأسود في (البصرة والكويت وعربستان) ؛ أي إنها عائدة نحو تنفيذ مخططها القديم الذي سيعيد لبريطانيا مجدها من خلال محاولة ربط المناطق الثلاث بإدارة اقتصادية بريطانية.

فلندن لن تسمح لإسرائيل بالتحكم الاقتصادي لوحدها في المنطقة ، وخصوصا في منطقة الخليج والعراق ، وإن عدم تماهي الكويت بالتطبيع مع إسرائيل أخيرا هو بإشارة بريطانية ، وفي نفس الوقت لن تسمح بريطانيا لروسيا والصين بالتقدم نحو منطقة الخليج من خلال حليفتهما إيران ؛ لا سيّما وأن إيران تخاف بريطانيا جدا ، وأكثر خوفا من الولايات المتحدة!!.

مخططات لندن ودعم واشنطن..

1- لدى واشنطن سيناريو قديم جديد وهو تفكيك القوميات التي يتألف منها الجسد الإيراني المتمثل بالجمهورية الاسلامية في إيران ، وذلك من خلال تحريك  الأدوات الناعمة داخل المجتمع الايراني ككل ، وداخل القوميات نفسها ؛ للمطالبة بالحقوق والانفصال ، ومن خلال الدعم الأميركي والغربي المقدم الى  المجموعات المعارضة للنظام الايراني والنشطة في تلك القوميات!

2- لندن واجبها :

أ: القيام بالتقاط الثمار القومية التي ستسقط من مخطط واشنطن بتفكيك إيران قوميا ، واستثمارها في صالح السيناريو البريطاني الذي يصب في آخر المطاف بالهيمنة الاقتصادية البريطانية على الثروات النفطية والغاز في اقليم عربستان كمرحلة أولى.

ب: ومن ثم ربط القرار الاقتصادي في عربستان بالبصرة والكويت (وهنا يحضرنا تصريح تلفزيوني لتلفزيون الكويت من زعيم المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق السيد محمد باقر الحكيم رحمه الله  في عام 2000  عندما قال : سنستمر بمعارضة نظام صدام حسين والضغط عليه حتى إسقاطه وحينها سيكون هناك ربط كونفدرالي بين الكويت والبصرة).

إنفجار مرفأ بيروت مفصل في السيناريو..

حتى الانفجار الذي حصل في مرفأ  بيروت وتزامنا مع بداية التطبيع الإسرائيلي مع بعض دول الخليج وبمقدمتها الإمارات لم يكن صدفة ، وليس بعيد عن المخططات التي باتت تتحرك وتتبلور في المنطقة واولها مشروع الشرق الاوسط الجديد ، وإسرائيل الكبرى ، وصفقة القرن ، وتحديد حدود المنطقة بعد الأزمة الاقتصادية بسبب جائحة كورونا.

فبعد انفجار مرفأ بيروت تغيرت خارطة الموانئ الرئيسية للشرق الأوسط الجديد.

فمرفأ بيروت كان شرياناً رئيسيًا للبنان وسوريا وحزب الله وصولا إلى العراق والاردن .والبديل البديهي هي الموانئ السورية. ولكن بما أن سوريا ترزح تحت العقوبات الأميركية، وآخرها قانون “قيصر” أصبح البديل موانئ إسرائيل وموانئ الخليج، وبمقدمتها الموانئ الإماراتية ، وجعل المصالح مشتركة بين إسرائيل ودول الخليج بحيث باتت  تمر على عدن اليمنية وجزيرة سقطرى اليمنية  التي نزل فيها الإسرائيليون الى جانب الإماراتيين ؛ لأن (عدن وسقطرى) اليمنيتان تحت الهيمنة الإماراتية بدعم إسرائيلي وهذا يشكل موطئ قدم إستراتيجي يمتد نحو الهند التي أغرتها الإمارات بالانضمام الى مشروع الشرق الاوسط الجديد من خلال بناء المعبد الهندوسي في الامارات ، والسكوت عن قمع المسلمين في الهند ، وكان هناك دعم سياسي ولوجستي  ودبلوماسيا لإسرائيل والإمارات للمضي قُدُما في ذلك من قبل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وصهره اليهودي جاريد كوشنير وشريكهما وزير الخارجية السابق بومبيو.

ولكن بعد فوز الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن غير المتحمس للتعامل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، وغير متحمس للتعامل مع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد أخذت الولايات المتحدة اتجاها آخر في السياسة الأميركية وهي (عدم التنازل عن المصالح الأميركية لأعداء الولايات المتحدة ، وكذلك عدم التنازل  لصالح حلفاء واشنطن حتى وإن كانت الثقة عالية بهم مثل إسرائيل) ؛ فباشرت إدارة بايدن بخطة إعادة تأهيل وتجديد في الموانئ والقواعد السعودية لتصبح بتكنولوجيا أعلى وتقنية أشمل ، وبالفعل باشرت :

1- بمناورات وتدريبات مشتركة بين القوات الأميركية والقوات السعودية وخصوصا الصنوف البحرية!!.

2- نزول قوات أميركية “بحرية وفنية وجوية” جديدة في القواعد السعودية!!.

3- الشروع في مخطط اعادة تأهيل البنية التحتية في بعض القواعد الجوية في السعودية ومنها قاعدة تبوك الجوية ، وقاعدة الطائف الجوية ، وقاعدة أبها الجوية ، وقاعدة ينبع البحرية (والاشتراط بتحويلها إلى عسكرية مدنية) وهنا تثار علامات الاستفهام حول ما هو قادم ، واشترطت إدارة بايدن أن يتم تجديد تلك القواعد بالتكنلوجيا والتقنيات الحديثة!!.

والواضح أن إدارة بايدن مصمّمة على التمركز في (المضايق البحرية) لتتحكم في المصير الاقتصادي للعالم عبر التحكم بمرور الطاقة لمعظم الدول وأولها الدول الأوربية ، ولهذا هي تحاول الهيمنة على (باب المندب ، وسواحل البحر الاحمر) ولكن أنصار الله الحوثيّين يمنعونها من تحقيق ذلك من خلال رفضهم للمبادرة السلمية إلا بعد رفع الحصار الجوي والبحري والبري والاقتصادي عن الحوثيّين ووراءهم روسيا بذلك عندما اشترطت رفع العقوبات عن الحوثيّين أولا.

فالولايات المتحدة لا تريد فقدان هويتها ومصالحها في تلك المنطقة ، ولن تعطيها لإسرائيل التي تحاول تأمين الطريق البحري نحو السويس حتى موانئ اسرائيل واليونان ، ولهذا وبالتنسيق مع واشنطن نزل الفرنسيّون في لبنان بعد طرد الأتراك بمحاولة للحضور في لبنان لتكون بوجه إيران ، وفي داخل المتوسط بوجه تركيا ؛ فباتت المنطقة مغلقة بوجه الصين خصوصا عندما نجحت واشنطن من طرد الصين من إسرائيل.

ومن الجانب الآخر دفعت فرنسا بتاريخ 25 آذار 2021 بحاملة الطائرات الفرنسية “شارل ديغول” إلى مياه الخليج في إطار مهمة مكافحة تنظيم “داعش” الإرهابي ، وتأكيد “حرية الملاحة” في مناطق بحرية شهدت توترات متزايدة حسب “الوكالة الفرنسية” ، ودفعت مع الحاملة فرقاطتين وسفينة إمداد ، وغواصة فرنسية ومعها ثلاث سفن غير فرنسية وهي :

1- فرقاطة بلجيكية : ترمز للاتحاد الاوربي على أن المهمة جماعية ، وفرنسا ليست لوحدها!!.

2- فرقاطة يونانية : ترمز لأقصى حدود الإتحاد الاوربي وهي باعتبارها رسالة لتركيا أن اليونان ليست وحدها!!.

3- مدمرة أميركية : وهي باعتبارها رسالة أن الفرنسيّين والأوروبيّين حلفاء للولايات المتحدة وأن التحرك الفرنسي بتنسيق مع الجانب الأميركي.

إيـران تشعـر بالخطـر..

 ولهذا شعرت إيران بالخطر الإستراتيجي والأمني من جهة، وشعرت بأنها ستفقد تواجدها وتأثيرها في المياه العمانية واليمنية والبحر الأحمر ، وبالتالي سوف تضعف علاقتها وتواصلها مع الحوثيّين في اليمن ؛ فقررت استهداف السفينة التجارية الإسرائيلية في بحر العرب يوم 25 آذار 2021 وهو يوم دخول حاملة الطائرات الفرنسية ومن معها (ولقد أكدت إسرائيل أن صاروخا إيرانيا استهدف سفينتها في بحر العرب) ويبدو أن الإيرانيّين قرّروا ذلك للأسباب التالية :

1- هو رد إيراني على إسرائيل التي فجرت ١٢ سفينة إيرانية في البحر المتوسط منذ عام ٢٠١٩ صعودا ، وحسب ما أكدته صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية!!.

2- ورسالة باللون الأحمر للأميركيّين والفرنسيّين بأن تلك المنطقة لها حراسها ولها أهلها ومنهم الإيرانيون!!.

ويبدو أن إيران أرادات الإفصاح عن الحرب السرية البحرية بين إيران وإسرائيل والجارية منذ زمن  في البحر المتوسط وسوريا ؛ فلجأت الى مقايضة إسرائيل (بحر العرب محرم على السفن الإسرائيلية) مفادها كلما استهدفت إسرائيل السفن الإيرانية في المتوسط سيكون الرد في بحر العرب ، وربما حتى بحر عُمان!!.

3- أرادت إيران تسجيل نفسها لاعبا في حرب الموانئ والمضايق البحرية وفي إعداد مسرح العمليات البحري قرب اليمن وعُمان والبحر الأحمر!! لا سيما وأن وراءها حليفيها الصين وروسيا ، خصوصا وأن رسم الخارطة الجديدة للمنطقة قد بدأ عندما تحالفت ايران والصين إستراتيجيا ولمدة ٢٥ عاماً قادمة!!..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى