العـمل البـلدي الحاضـر الغائـب !!..
طـلال بن حـمـد الـربـيـعـي
العـمل البـلدي الحاضـر الغائـب !!..
تمثل البلديات في معظم دول العالم السلطة المحلية المسؤولة عن تنظيم وإدارة الأعمال وشؤون الناس في المنطقة الجغرافية الواقعة في حدودها الادارية ، حيث تقوم بالمساهمة في إنشاء البنى الأساسية والمرافق الخدمية المختلفة وتطوير المدن وضمان تنمية مدنية متوازنة وتحسين جوانب التطور العمراني كماً ونوعاً و تشمل عملية التنظيم المحلية موضوعات الترخيص البلدي لمؤسسات الأعمال والشركات وتسجيلها ومتابعتها ، بالإضافة الى خدمات النظافة العامة والصرف الصحي والمياه ، وخدمات الحدائق والمنتزهات والبيئة، وخدمات المباني والسكان ، وكل ما يتعلق بخدمات المواطنين والشكاوي وغيرها من الخدمات الهادفة إلى تأمين مجتمع سليم وصحي من جميع النواحي. وقد حّدد المرسوم السلطاني رقم 101 / 2020 بإصدار نظام المحافظات والشؤون البلدية في الفصل السادس المادة (22) اختصاصات البلدية بتقديم كافة الخدمات البلدية في نطاق المحافظة ومنها:
إعداد، وتنفـيذ برامج التوعية والإرشاد لرفع مستوى الوعي المجتمعي ، لتعزيز التواصل الاجتماعي ، واتخـاذ الإجـراءات اللازمة للمحافظة على الصحة العامة والنظافة ومكافحة الآفات ، وذلك بالتنسيق مع الجهات المختصة بالإضافة إلى تحسين ، وتجميل الشوارع والميادين العامة في المحافظة ، وذلك بالتنسيق مع الجهات المختصة.
ولمساندة هذه الجهود وتطويرها بالشكل الافضل، صدر المرسوم السلطاني رقم 46 / 2009 المتعلق بإدارة وتشغيل قطاع النفايات من قبل الشركة العمانية القابضة لخدمات البيئة “بيئة” في التاسع من أغسطس عام 2009 ؛ حيث نص المرسوم في مادته الأولى : تتولى الشركة العمانية القابضة لخدمات البيئة – شركة مساهمة عمانية مقفلة مملوكة بالكامل للحكومة – تنفيذ سياسة الحكومة بشأن قطاع النفايات، وإدارة وتشغيل أنشطة القطاع بما يتفق مع استراتيجية القطاع التي تعدها وزارة الاقتصاد، وبأنشاء هذه الشركة اصبحت هي المسؤولة الرئيسية عن عملية جمع النفايات ليصبح دور البلديات مكمل لها .. وفي أكتوبر من العام 2011م ، صدر المرسوم السلطاني رقم 116 / 2011 بإصدار قانون المجالس البلدية وجاء من ضمن مهامه حسب المادة 16 في المرسوم: يختص المجلس، في حدود السياسة العامة للدولة وخططها التنموية، بتقديم الآراء والتوصيات بشأن تطوير النظم والخدمات البلدية في نطاق المحافظة.
بعد اكثر من عشر سنوات من إنشاء المجالس البلدية الكل يتساءل عن دورها وعن ما آل إليه العمل البلدي ؟ ولا غرابة في ذلك فهذا الموضوع يحظى بقدر كبير من الاهتمام في أوساط الناس وفي مجالسهم ، باعتباره من الموضوعات المتعلقة بخدماتهم الضرورية، التي كنا نأمل من خلالها ان تتغير أشياء كثيرة تنقص معظم الولايات والقرى في بلادنا ، ومنها على وجه الخصوص اضفاء اللمسات الجمالية على المباني والطرقات والجسور ، وإعادة الإشراقة والابتسامة إلى وجهها، بداية بالأرصفة الملونة، والشوارع النظيفة والمنسقة والحواجز الحديدية المتطورة في الشكل والنوعية التي تساهم في الانضباط وتحدد مسارات المشاة الذين يمارسون الرياضة اليومية بالإضافة إلى الحدائق التي يكسوها اللون الأخضر في كل قرية ، والخضرة والشتلات والأشجار والمساحات الخضراء التي من شأنها أن تمنح الأحياء السكنية والشوارع الرئيسية لمسات من الجمال والأنسنة ، وتمتص جزءاً من التلوث الذي ينتشر في الجو .. لقد رسمنا هذه الاحلام في مخيلاتنا ولكن للأسف الشديد الواقع عكس ذلك تماما فما نراه اليوم من غياب في التنسيق والتعاون بين البلديات المحلية و شركة بيئة والمجالس البلدية ومؤسسات القطاع الخاص انعكس سلبا على واقع الخدمات المقدمة في الولايات والقرى التابعة لها فمن التطوير والتجميل والأنسنة اصبحنا نحتاج إلى من ينظم عملية إزالة المخلفات المتراكمة والمشوهات وغصون الاشجار واكياس القمامة التي اصبحت منتشرة في كل قرية مما يشكل خطرا على الصحة العامة والبيئة وتشويه للشوارع والاحياء السكنية بالإضافة إلى أنه منظر غير حضاري.
ما يحز في النفس أنه بالرغم من الصلاحيات الكبيرة والموازنات الممنوحة للمحافظات إلا أن البلديات المحلية والمجالس البلدية وشركة بيئة كل يعمل في اتجاه بدون ادنى تنسيق أو إطار عمل واضح وشفاف يوضح المهام والاولويات التي تتشارك فيه مع المجتمع ومع مؤسسات القطاع الخاص التي من المفترض ان تساهم بشكل فاعل في العمل البلدي وان يتم فتح المجال امام رجال الأعمال والشركات الوطنية للمساهمة والمشاركة في تحسين المشهد الحضري وفي تنفيذ المبادرات الوطنية ومعالجة وازالة بعض المخلفات والمشوهات وتشجيع الشراكة بينها وبين القطاع العام لخدمة القطاع البلدي ، كما انه يجب ان يكون للبلديات دور اقتصادي اي ان يكون للبلدية دائرة اقتصادية تُعنى بهذا الموضوع؛ فأغلب البلديات في دول العالم ، يكون لديها دائرة اقتصادية تقرر دور البلدية الاقتصادي، بحيث تجتمع هذه الدائرة المعنية مع رجال الاعمال والرؤساء التنفيذين للشركات وأعضاء المجالس البلدية وتناقش خطط التطوير وما تحتاجه كل ولاية ؛ فمن من أهم أسباب نجاح العمل البلدي هو المزج بين الإدارة والرقابة والمشاركة الشعبية على الخدمات وبين إدارة الخدمات العامة بصورة احترافية، وللأسف هذا الدور مغيب لدينا، حيث من يتابع هذا الامر عن قرب يجد هناك حلقة مفقودة بين البلديات وبين المجتمع والمؤسسات الأخرى؛ هناك فراغ سلبي لا يعطي للجهود التي تقوم بها الدولة ومؤسساتها المختلفة واقعا ملموسا لدى الغالبية من المجتمع بسبب غياب التواصل؛ فالتواصل مع المجتمع بمختلف شرائحه هو “الخيط الذهبي” الذي يعطي الممارسة الكاملة لإدارة التغيير ويساعد على التخطيط والتنفيذ بشكل جيد ومقبول؛ فالتعاون والتنسيق والتواصل والمتابعة مع أعضاء المجلس البلدي كل في منطقته ، من اهم مرتكزات العمل البلدي الصرف في مفهومه الحقيقي كونه عملاً إنمائياً واجتماعياً وخدمياً.
وانطلاقا من هذا المفهوم فإن ممارسة شخص ما او جهة ما للعمل البلدي يجب أن يكون الهدف الرئيسي منه هو خدمة المواطنين وتطوير المنطقة .. فالبلديات والمجالس البلدية وإن كانت لا تتمتع بدور تشريعي ، إلا أنها تلعب دورا بالغ الأهمية في إطار المجتمع المدني ، والخدمة الاجتماعية على مختلف الاصعدة ، فهي أشبه ما تكون بسلطة أهلية مدنية ذاتية تعنى بشؤون المجتمع والمواطنين ضمن جغرافيتها حيث إنها تمارس اختصاصات خدمية واسعة وكبيرة لصيقة بالمواطنين لذلك هناك مبادئ عامة يجب أن تحكم العمل البلدي ، ومن اهمها ضرورة تحقيق مشاركة المواطنين محلياً في إدارة شؤونهم الذاتية ؛ فبدون ذلك سيكون من الصعب تحقيق الأهداف التي رسمتها الدولة بشكل ملموس ، وسنظل ندور في نفس الحلقة المفرغة.