بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

الأوليغارشية (حكم الأقلية) الروسية .. هل هي فقط في روسيا ؟؟..

حـمـد الـنـاصـري

 

الأوليغارشية (حكم الأقلية) الروسية .. هل هي فقط في روسيا ؟؟..

 

الـ Oligarchy او الأوليغارشية شكل من اشكال السُلطة السياسيّة حين تكون السُلطة بيد فئة صغيرة من المجتمع … تتميّز بالمال والجاه والنسَب والسُلطة . اشتقت مُفردة ” الاوليغارشية ” من اليونانية اوليغارخيا او ὀλιγαρχία ، يتألف نظامها عادة من عائلات مُتنفّذة محصورة في طبقة بيدها سُلطة المال ويٌتم توريثها بنفس القوة والنفوذ المالي من جيل إلى آخر.. ويُعتبر افلاطون هو أوّل من أشار إلى حُكم الأوليغاركية في كتابه “الجمهورية” وقسّمها إلى ثلاثة أنظمة ، الدولة المثالية يوتوبيا “جمهوريته” ثم الدولة الديمقراطية ثم الأوليغاركية وفي كتابه “السياسة” قدّم شكل تلك الانظمة ، منها ما تتقيّد وتحترم القانون وربما تلك الإشارة إلى المثاليّة والجمهورية والثالثة الأخرى التي لا تلتزم بالقانون وهي حُكم الأوليغارشية.. وجاء أرسطو بَعد أفلاطون وقدّم مزيداً من التفاصيل لحكم الأقليّة واشترط نصاباً مالياً مُعيناً في الذي يتمتّع بصفة المواطن، مُضيفاً على صِفَة الحُكم أنْ يتوقّف على الثروة والملكية. وبذلك عمل ارسطو على اتساع توصيف طبقة ذي الأملاك والثروة والمال.

باختصار طبقة ” الاوليغارشية” جاء مُرادفاً في كتاب السياسة عند ارسطو لحكم الأثرياء أو البلوتوقراطية ثمّ توسّع ذلك المُصطلح إلى المفهوم الحالي ” الاوليغارشية”. وهو حسب فهمي السُلطة الحاكمة بقوة المال.؛ وذلك ما دفع أغلب أنظمة الحُكم التي تعتمد الاوليغارشية إلى التفرّد والاسْتبداد، وسَيطرة الأقليّة الغنية على مُقدرات وثروات البلد.

واسْتخدم هذا التَعبير في العصر الحديث لوصف الحكومات التي تعتمد على مجموعة محدودة من رجال المال والأعمال والتي تكون عادة بلا رصيد جماهيري بحيث تعتمد على دوائر التأثير المالية في مسْك زمام السُلطة.

ورغم أنّ الموضوع أثير مُؤخراً لوصف نظام الحُكم في روسيا بصفته نظام يعتمد كُلياً على طبقة من كبار الأثرياء وأصحاب الشركات الكبرى في ادارته للعمليّة السياسية والاقتصادية على حد سواء إلاّ أنّ هذا النظام أصبح شائعاً حتى في أكبر ديمقراطيات العالم كالولايات المتحدة والهند وبعض الدول الاوربية حيث يُوفّر الحُكام الحماية لطبقة الاثرياء مُقابل الدّعم المالي المفتوح خصوصاً في الحملات الانتخابية.

وبالرجوع إلى كتاب مُعاصرين كالكاتب سايمون جونسون الذي يرى ” أن إعادة تشكيل النظام الأوليغارشي المالي في أمريكا هو أمر قد حدث بالفعل.” أمّا الكاتب جيفري وينتر فهو يرى أنه  ” يمكن للأوليغاركية والديمقراطية أنْ تعملان ضِمْن نظام واحد، والنظام الأمريكي هو مثال حيّ لتفاعل هذين العاملين”. ويُعارضه الرأي العديد من الاقتصاديين أمثال بيرني ساندرز الذي ارتأى أنّ “الطبقة العليا من العائلات الثرية من شبه المستحيل عليها التعايش مع الرؤية الديمقراطية للطبقة المتوسطة التي جعلت الولايات المتحدة في موضع حسد من العالم.. وإن تلك الأقلية مصممة على خلق الأوليغاركية التي يتشارك فيها الحكم والمال عدد قليل من العائلات للسيطرة على الحياة الاقتصادية والسياسية في الولايات المتحدة”.

وفي ضوء الحرب الروسية على أوكرانيا وتبايُن وجهات نظر المجتمع والناس والساسة والاقتصاديين فإننا نرى سعياً حثيثاً في التوجه نحو عودة الاوليغارشية مقرونة بنظام حديدي كالنظام الذي كان في حُقبة الاتحاد السوفياتي في اقتران غريب بين الديكتاتورية والاوليغارشية .. ونرى أيضاً، أنّ طبقة من المليارديرات الروس ظهرت فجأة على السَطح بعد سُقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991. وأنّ التاريخ يُكرّر نفسه بطريقة مُختلفة .. فما يحدث في الأزمة الحالية مثال حيّ وواضح على عودة الديكتاتورية بغطاء اوليغارشي هذه المرّة .. وقد انتبه الغرب وحلّل ودرس نظام الحُكم في روسيا وتطوّره ليصل إلى وضعه الحالي واكتشف أنّ أكثر طريقة فعّالة لكبح جماح الرئيس بوتين لا تأتي من خلال مُجاراته عسكرياً او سياسياً بل من خلال قصقصة أجنحة الاوليغارشية واحْتواء وتجميد رؤوس اموال الطبقة الثريّة التي تدعمه داخلياً وخارجياً وهي طريقة رغم كُلْفتها العالية ولكنها بدأت تأتي أكُلها وأصبح الاقتصاد الروسي في مأزق خانق ، وانْسداد مُقلق ومُعطّل وسيكون له عواقبه في المنظور الحالي والمستقبلي .. ومهما كانت التصريحات للمسؤولين الروس مُتفائلة إلا أنّ التأثيرات الهائلة للعقوبات الاقتصادية على روسيا أعظم من أنْ يُتم تجاهلها.. فقد شدّد الغرب العُقوبات على البنوك الروسية ومجموعة محدودة من الأثرياء الروس، الذين وصفتهم وسائل الإعلام الغربية بـ “أصدقاء بوتين”.

ولكيْ نُسلط الضوء على مثال من الاوليغارشية الروسية نرى  رجل الاعمال الروسي رومان أبراموفيتش، صاحب نادي تشيلسي لكرة القدم، أشهر وأعرق الأندية الكروية في المملكة المتحدة .. وتُقدّر ثروة أبراموفيتش بنحو 14.3 مليار دولار. ومن ابرز رجالات الاوليغارشية الروسية أيضا ألكسندر ليبيديف، المصرفي والضابط السابق في المخابرات السوفيتية، وقد كان ابنه يفغيني مالكاً لصحيفة إيفنينغ ستاندرد اللندنية. ويحمل يفغيني الجنسية البريطانية، وقد عُيِّن عضوا في مجلس اللوردات.

وفي تقرير للمعهد الأوكراني للمستقبل (UIF مُنظمة مُستقلة مقرّها كييف) فقد ألقى التقرير  باللّوم على التأثير الواسع للأوليغارشية على المجتمع والصناعة والسياسة الأوكرانية، في التنمية وتعثّرها وبُطء الانتعاش في البلاد، التي تُعتبر من أغنى دول العالم بالموارد والثروات  . وقال المعهد في تقريره إن “الاوليغارشية القديمة” في البلاد تنامَت وانْتعشت تحت رئاسة ليونيد كوتشما، رئيس أوكرانيا سابقاً بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في التسعينيات.. وجاء في التقرير أن “الاوليغارشية” حصلت على مُعظم أصولها وأملاكها عبر التواطؤ مع المسؤولين وعبر الخصخصة بصورة تعوزها الشفافية، ومنذ ذلك الحين، باتت السيطرة على النظام السياسي تشكل أمرا محورياً في حفاظهم على أعمالهم ومصالحهم”.

يقول المدير التنفيذي للمعهد الأوكراني للمستقبل، فيكتور أندروسيف، في حديث خاص عام 2019، إن الاوليغارشية هم “طبقة خاصة” من الأشخاص، ولديهم “طريقة خاصة لممارسة الأعمال التجارية” كما أنّ لديهم “طريقة خاصة للعيش والتأثير”. وخلال حديثه في مركز ويلسون بواشنطن في الولايات المتحدة، أضاف أندروسيف : ” إنهم ليسوا رجال أعمال حقيقيون، بل مجرد أثرياء، لكن الطريقة التي أصبحوا بها أثرياء مختلفة تماما عما يحدث عادة في دولة رأسمالية فاعلة”. وانهم “لم يؤسسوا شركة، بل وضعوا أيديهم على شركات وأعمال مملوكة للدولة”. وقد أُجبر بعض الأوليغارشة الأصْليين الذين رفضوا الانصياع لبوتين، مثل المصرفي بوريس بيريزوفسكي، على الفرار من البلاد. كما أنّ ميخائيل غودوركوفسكي، الذي كان يُعتقد أنه أغنى رجل في روسيا، يعيش الآن في لندن.

وعندما سُئل بوتين عن الاوليغارشية الروسية عام 2019 في مُقابلة مع مراسل صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية أجاب “ليس لدينا أوليغارشية بعد الآن”!!.

واليوم وفي العالم الجديد بأنظمته وحكوماته واقتصاداته نرى أن ما يُميّزه هو عدم التوازن وفقدان العدالة الاجتماعية والسياسية فأغلب دول العالم تتحكّم بها ، إمّا أنظمة أوليغارشية أو على علاقة وطيدة بتلك الطبقة .. طبقة تمكّنت من بناء إمبراطوريات تجارية سياسية هائلة من خلال علاقات المنفعة المتبادلة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر :

* ويكيبيديا.

* صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى