وقـفـات مـع الـقـضـاء..
الدكتـور/ خالد بن علي الخوالدي
وقـفـات مـع الـقـضـاء..
طالعتنا الصحف الكويتية قبل أسابيع لخبر لم نألفه كثيرا ولم نتعود عليه، ومثل الخبر صدمة كبيرة ومحط حديث المجالس ووسائل التواصل الاجتماعي ويشير الخبر إلى أن (محكمة الجنايات تقضي بحبس 6 قضاة وعزلهم ومصادرة مركبات الرشوة والغرامة وحبس رجال أعمال وموظفين ومحامين بأحكام مختلفة في قضية رشوة القضاة والتزوير وغسل الأموال).
وشخصيا لم يمر عليّ الخبر مرور الكرام بل كنت مشاركا للمجتمع في استغرابهم وتعجبهم رغم إيماني العميق والمتجذر بأن القضاة في الأخير هم بشر وليسوا ملائكة ولا أنبياء ويقع الخطأ منهم وتميل نفوسهم إلى شهوات الدنيا مثلهم مثل أي واحد فينا، وهم موظفون في الدولة يقوموا بوظائفهم حسب ضمائرهم وما يتوجب عليهم حسب الدين والقانون، ورغم ما ذكر سابقا إلا إن الاستغراب والتعجب والدهشة تكمن في كون القضاء هو سلطة مهمة ومحورية ضمن السلطات الثلاث التي تقوم عليها الدول فإلى جانب السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية تأتي السلطة القضائية ركيزة أساسية، وإن كان القاضي يمارس وظيفة حكومية ولكنه يفرق عن الموظف الحكومي الذي يعمل في أي مؤسسة بأن وظيفته حساسة جدا ومؤثرة ولها تبعات خطيرة في حياة الناس وضمان حقوقهم كما إنهم يحكمون باسم الحاكم ولهذا كان تأثيرهم بالغ وكانت الحكومات تهتم بهم اهتمام كبير من خلال المكافئات والتحفيز والمنح حتى لا ينظروا إلى ما في أيدي الناس ويكونوا بعيدين عن تأثير المادة عليهم، وبحكم إن القضاء من السلطات الثلاث التي تقام عليها الدول، عليه فأن أي تأثير يصيب هذه السلطة يكون تأثيرها واضحا على أركان الدولة ومسيرة نجاحها أو فشلها.
وإذا كانت النفوس تميل إلى المال وإلى النساء وغيرها من ملذات الدنيا؛ فإن الأمر يحتاج إلى وقفة ذكية يمكن إن تعالج هذه القضية فيما يخص القضاء والقضاة حيث تقوم عدد من الدول بتعيين القاضي حسب مواصفات خاصة منها إن يكون كبيرا في السن بحيث لا يقل عن الأربعين أو الخمسين من العمر وهو الأمر الذي يوحي بوجود خبرة كافية في مجالات عديدة منها المحاماة والقانون واطلاعه على علوم مختلفة تساعد القاضي في الحكم، ومنها عدم اهتمامه كثيرا بتجميع المال؛ فبعد هذا العمر يكون الأغلب منهم قد كوّن نفسه تقريبا ماديا كما، أنه لا ينظر كثيرا لأمور اللذات الأخرى والشهوات، وبهذا يكون منبرياً فقط للقضاء، ويميل الكثيرون إلى هذا النهج وعدم الزج بالشباب في هذا السلك الحيوي والحاسم والخطير حتى لا يسقطوا في مثل هذه القضايا المؤثرة والتي لها تبعات حتى على الدولة.
ويمكن في الأخير أن نذكر هذه اللطيفة؛ حيث يُذكر أن ﺭجلاً كان عنده كلب عزيز على قلبه، وبعد عمر طويل مات الكلب، فقام صاحبه بدفنه في مقابر المسلمين، ﻓﺸﻜاﻩ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻟﻠﻘﺎﺿﻲ الذي أمر بإحضاره إليه على جناح السرعة، ولما صار بين يديه، قال : أمجنون أنت أيها الرجل حتى تدفن كلبك في مقابر المسلمين؟ قال الرجل : كانت هذه وصية الكلب يا سيدي القاضي! فقال القاضي : ويحك تجمع بين ذنبين عظيمين، دفن كلب نجس في مقابر المسلمين، وتستهزئ بالقاضي، أيوجد كلب يترك وصية يا أبله ! قال الرجل : أجل يا سيدي، إن كلبي هذا فقيه متعلم، وحتى أنه أوصى بألف دينار لمعاليكم لما سمعه من حسن قضائكم، عندها قال ﺍﻟﻘﺎﺿﻲ : ﺭﺣﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻜﻠﺐ الفقيه! ﻓﺘﻌﺠﺐ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﻦ ﺻﻨﻴﻊ ﺍﻟﻘﺎﺿﻲ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﻘﺎﺿﻲ : ﻻ ﺗﺘﻌﺠﺒﻮﺍ ﻟﻘﺪ تأملت في سيرة ﺍﻟﻜﻠﺐ ونسله فوجدته ﻣﻦ ﻧﺴﻞ ﻛﻠﺐ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﻜﻬﻒ.
وسررت جداً لما وجدت إعلان في إحدى المحاكم يطلب فيه مجلس شؤون القضاء معنا في السلطنة تسجيل الملاحظات والاقتراحات التي تختص بالقضاء والمحاكم وهي خطوة رائعة من المجلس، وهذه الوقفات التي وقفتها مع القضاء تصب في نفس روح الإعلان بصورة عامة، والأصل أننا ننزه كل القضاة في عُماننا الغالية ونفخر بما وصل إليه القضاء العماني من نزاهة وعدل وإنصاف وإحقاق للحق، ونشد على أيديهم في المحافظة على ما وصلوا إليه طوال مسيرة النهضة المباركة وندعو الله بالتوفيق والسداد والتمكين لهم ليكونوا حامين لمسيرة عُمان ومجدها طول الزمان، وندعو الله أن يبعدهم عن الحرام، ويوفقهم لحمل الأمانة العظيمة، ودمتم ودامت عُمان بخير.