ذاكـرة ضـعـيـفـة !!..
رحمـة بنت مبـارك السـلـمانية
ذاكـرة ضـعـيـفـة !!..
النسيان بحد ذاته ليس مشكلة كما يعتقد البعض بل هو نعمة عظيمة منَّ بها الله علينا لننسى مرارة أوجاعنا وآلامنا وهمومنا ومخاوفنا، وفي المقابل هناك ذكريات لا تنسى أو بالأحرى لا نرغب ولا نتمنى نسيانها لأننا نريد بقاءها لتطل علينا من عمق الذاكرة بين الفينة والأخرى، ولكن عندما تخذلنا نعمة النسيان في موقف نرغب في نسيانه بشدة، أو شيء ما نريد تذكره ولكن يصعب علينا تذكره بسبب ضعف الذاكرة أو انخفاض مستوى كفاءتها هنا تكمن المشكلة، إذ يعاني الكثير من الناس بمختلف أعمارهم من كثرة النسيان وصعوبة التذكر، ذلك اللص الخفي الذي يسرق منا أسعد اللحظات وأجمل الأحداث، والذي يشخّصه البعض مازحاً بالزهايمر المبكر، في الواقع قد يكون أحدهم مريض بالفعل ولكن يتغافل عن الأمر ولا يلجأ إلى طبيب مختص من أجل التشخيص الفعلي للحصول على علاج.
الكثير منا لا يعير مشكلة كثرة النسيان أو ضعف الذاكرة أهمية كبيرة، ولا يبالي بالأمر أو يحمله على محمل الجد، بل يعتبره كأمر عادي أو شيء طبيعي يعاني منه أغلب الناس، في الوقت الراهن أضحت هناك فئات معينة من الناس يعانون من حالة نسيان أو عدم القدرة على تذكر أشياء مهمة رغم صغر سنهم وهم يجهلون أسباب ذلك، قد تكون التقنية الرقمية سببًا في تسريع هشاشة ذاكراتنا وهرمها؛ لأنها ساهمت في تجميد عقولنا بالفعل، فسهلت لنا معظم الصعوبات وأنجزت لنا الكثير من العمليات، وقدمتها لنا على طبق من ذهب، ووفرت الاسترخاء والكسل لأبداننا وأذهاننا، فهيأت لنا سبل الراحة والرفاهية وقللت من بذلنا للأنشطة البدنية.
على الجانب الآخر تمتع آباؤنا وأجدادنا بذاكرات من حديد تمكنوا من خلالها من حفظ القرآن الكريم والأحاديث الشريفة والسيرة النبوية والقصائد الشعرية، وإجراء عملية حسابية دون الحاجة لاستخدام آلات حاسبة أو وسائل مساعدة، وتمكنوا من سرد بطولاتهم وصولاتهم وجولاتهم بكافة أحداثها وتفاصيلها منذ الطفولة وحتى عقود طويلة من الزمن، رغم أنهم كانوا كثيري الحركة، ويقطعون مسافات طويلة سيراً على الأقدام، ويبذلون الكثير من الجهد البدني في سبيل الحصول على قوت يومهم وفي جميع أعمالهم اليومية، ولم يداهمهم شبح الخرف أو الزهايمر رغم أن الكثير منهم قد تجاوز السبعين عامًا.
مرض الزهايمر سُمي بهذا الاسم نسبة إلى مكتشفه الطبيب الألماني (أليوس الزهايمر)، وهذا المرض بشكل عام هو نوع من الخرف يصيب كبار السن في الغالب الذين تجاوزا الستين من العمر، أما الزهايمر المبكر فهو مرض يصيب صغار السن ممن هم تحت الستين عاماً، وهو اضطراب عصبي يسبب تلف خلايا الدماغ وموتها وقد يحدث بسبب طفرات جينية وراثية وقد يحدث بسبب إصابة في المخ أو الرأس تعمل على إضعاف الذاكرة وخفض كفاءتها، أو قد يحدث نتيجة التعرض لصدمات عاطفية قوية فالمشاعر السلبية والقلق والحزن تتسبب في موت بعض الخلايا الدماغية الحساسة، ويبدأ مرض الزهايمر بنسيان بسيط ثم يتحول إلى نسيان شديد ومتكرر يصاحبه اكتئاب وعزلة الشخص المصاب، وعدم قدرته على التعبير عن رغباته أو مشاعره، ومعاناته من صعوبة في أداء المهام وحل المشاكل.
أصبح مرض الزهايمر المبكر مشكلة حقيقية تؤثر على المريض فتتأثر مهاراته العقلية فيستعصي عليه تذكر أسماء أبنائه مثلاً أو الأصدقاء أو التعرف على بعض المقربين من حوله، فيقضي وقت أطول لإنجاز المهام اليومية، كما يعاني الحرمان من تذكر واسترجاع لحظات جميلة ومهمة في حياته، مما قد يؤدي إلى فقد علاقاته الاجتماعية ووظيفته، وفي الواقع ليس هناك علاج محدد لمرض الزهايمر ولكن توجد عقاقير وأدوية علاجية للسيطرة على أعراضه ومحاولة إبطاء تقدمه وتأخير تطوره، كما أن هناك حلول وممارسات كثيرة للتخفيف من حدة مرض الزهايمر أهمها ممارسة الرياضة بصفة منتظمة حيث تعمل على الحفاظ على صحة الدماغ فهي تحد من تطور مرض الزهايمر، وكذلك تقليل الاجهاد والحصول على ساعات نوم كافية، ومن المهم أيضًا التواصل الاجتماعي مع الأهل والأصدقاء وقضاء بعض الوقت في لعب الألعاب الذهنية وحل الألغاز وممارسة القراءة والكتابة، ولا بد من العمل على تحفيز المريض ذهنيًا من خلال تعلم أنشطة أو مهارات أو لغات جديدة، حيث يساهم ذلك في انبات براعم عصبية جديدة مما يحفز الذاكرة والتركيز.
إن نعمة الإسلام هي من أعظم النعم التي مَنّ الله بها على الإنسان، والقرآن الكريم هو الكتاب المبين الذي أُنزل هدى ورحمة للعالمين، ومنهج رباني عظيم لتقويم مختلف جوانب الحياة الانسانية، والعقل الإنساني نعمة من بين نعم كثيرة لا تعد ولا تحصى والتي يجب على الإنسان أن يشكر الله عليها ويدعوه أن يحفظها من الزوال، وفي القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تساعد على تقوية الذاكرة وتنشيطها، فهو علاج وشفاء لكل مرض أو خلل أو ضعف سواء كان بدني أو عقلي أو نفسي أو خُلقي.
فقد ذكرت الكثير من الدراسات والأبحاث أهمية القرآن الكريم في علاج مرض الزهايمر، لذلك فإن مواظبة الانسان على قراءة القرآن الكريم وحفظ آياته يسهم في تقوية الذاكرة وانعاش الأدمغة الصدأة، حتى الأطفال الذين يقرؤون القرآن في الغالب يكونون أكثر فطنة ولديهم سرعة بديهة، ويمتلكون القدرة على التعلم والحفظ بشكل أفضل وأسرع من غيرهم.