بأقلام الكُتّابمقالات وآراء

ميـراث مُعـلّـق منـذُ 30 عاماً !!..

مدرب ومحاضر في البروتوكول والإتيكيت الوظيفي

 

ميـراث مُعـلّـق منـذُ 30 عاماً !!..

 

قال لي بنبرة صوت حزينة : (بأن ميراثنا من والدنا – رحمة الله تعالى عليه – وعلى الرغم من ضآلته، إلا أنه معلق منذ ثلاثين عاما ونحن نعيش في عوز شديد؛ والسبب الاختلافات بين الإخوة وعدم الاتفاق والتراضي، في كل ما من شأنه تقسيم الإرث، وقد زاد التدخلات الخارجية البغيضة من بعض البشر في أمورنا الخاصة سوءاً، مما أدى الى ظهور اختلال واضح في العلاقة بين الأخوة جميعا، وقد فتَرت تلك العلاقة الدافئة بيننا واختفى بريقها الذي عهدناه في أيام وجود والدنا بيننا، وأصبحنا رسميّين في التعامل مع بعضنا البعض وتمر شهورا بدون أن يرى كل منا الآخر).

ونقول هنا بأنه أمر محزن للغاية مثل هذه المواقف في العلاقة بين الأخوة بعد غياب الوالدين او احدهما، وهو واقع مرير بدون شك، هذا وقد رأينا فعلاً أناساً أخرين اختلفوا في تقسيم التركة إلى أن توفي الجيل الثاني والثالث، وظلت تلك الحقوق معلّقة والعلاقات بين تلك الأجيال يسودها الكره والبغضاء والقطيعة، وهذا أمر تدمع له العين حزنا.

مما لا شك فيه أن الأم والأب هما الحاضنة التي تجمعنا ببعضنا، فهم بمثابة الملتقى الذي يتجمع فيه الإخوة والأخوات للاطمئنان عليهما، ومعرفة أخبار بعضنا، وبغيابهما تتغير طبيعة العلاقة مع بعضنا دون سبب، لمجرد انقطاع الحبل الأساس الذي كان يجمعنا،  برحيل أعمدة البيت (الأب والأم) عن الدنيا وتعيش بعض الأسر بعدها في مرحلة من الاختلال والاختلاف، وخاصة اذا كان البعض منهم لديه نزعة السيطرة والأنانية للاستيلاء على الإرث من اخوته جميعا، ونرى منهم من يوافق والاخر يعارض، فيؤدي كل ذلك الى الدخول في معمعة من الانفعال عند مناقشة أي امر في توزيع الإرث مما قد يسبب تأخير وصول الحقوق الى أصحابها وتزيد الشحناء بين الأخوة جميعا ويظهر الشقاق واضحا في الأسرة بأكملها.

أوضح علماء الاجتماع من جانبهم بأن السبب في تغيير طبيعة العلاقة بين الإخوة بعد وفاة الوالدين أن البديل وقد يكون الاخ الأكبر الذي يتحمل المسؤولية لا يمتلك القدرة على تحمل العبء في استيعاب الجميع، أو ان تكون لديه نزعة السيطرة الممزوجة بأطماع مبيَته مما يؤدي ذلك إلى تحديد شكل العلاقة بين الإخوة سلبا وإيجابا.

ويذكر احد الأخصائيين النفسيّين : “بأنه بعد فقد الوالدين أو أحدهما مباشرة تتشكل صدمة قوية كأول استجابة للأبناء ولا يستطيعون الخروج من آثارها إلا بمرور الوقت، فمعيار استمرار العلاقة المستقبلية بين الأبناء بالسلب او الإيجاب مرتبط بعدد كبير من التغيرات، منها عمر الأبناء، والمدة التي قضاها الوالدان معهم، ومقدار العلاقة التي تشربوها من الوالدين قبل الفقدان”. حيث ان كل هذه العوامل مجتمعة هي التي تحدد معدل ونوع العلاقة القادمة بين الأبناء جميعا،  فإذا كان الأبناء صغار السن ولم يصلوا الى فترة المراهقة بعد نجد بانهم أكثر قربا من بعضهم البعض وتظهر علاقة وجدانية تقربهم وتوحدهم وتعوضهم فتعم الألفة والترابط بينهم، أما أذا كان عمر الأبناء أكبر من ذلك فإن طبيعة الشخصية تختلف، في هذه الفترة العمرية حيث تميل الى الاستقلالية والاعتماد على الذات، ونلاحظ هنا بأن البعض منهم يميل الى العزلة وبالتالي الابتعاد عن المحيط الأسري؛ لهذا تنقلب العلاقة الأخوية الى علاقة رسمية خالية من العاطفة المعهودة في وجود الوالدين.

إن النقاط التالية ستساعد بدون شك على وضع بعض الأمور في نصابها :

  • لا بد على رب الأسرة أن يهيئ قائدا بديلا للأسرة في حالة غيابه لأي سبب من الأسباب ويكون مقبولا من جميع أفراد الأسرة، حتى لا تحدث أي أزمة قيادة أو اهتزاز في أركان الأسرة، حتى في غيابه بسبب الوفاة لا قدر الله.
  • يتحمل عادة الابن الاكبر سواء كان ذكرا، او انثى مسؤولية اسرته في حال غياب الاب سواء بالوفاة او لعدم وجوده داخل الاسرة لظرف ما، وهناك فرق كبير بين اهتمام الأخ الأكبر بإخوته وبين التسلط عليهم، فالاهتمام هو حب وعطف وتفاهم ومساعدة في حل المشكلات التي قد يواجهونها، بينما التسلط هو فرض رأي، وتحكم وتسخير الآخرين للخدمة، فعلى الأخ الأكبر ان يكون رحيما عطوفا نصوحا وموجها لإخوته، وعليه أن يُبدي حرصه وخوفه عليهم، ولابد أن يكون قدوة صالحة لهم، وأن لا يتعامل معهم بفوقية واستعلاء.
  • أذا كان الاخ الأكبر غير قادرا على تحمل مسؤولية الأسرة بعد وفاة والده لسبب انشغاله الدائم، أو لأي سبب آخر فليس من العيب أن يمرر المسؤولية لأحد إخوته القادرين على متابعة شؤون الأسرة بكل اقتدار، وأن يكون مقبولا من جميع أفراد الأسرة ويكون عضدا لهم.
  • تكاتف الأسرة جميعها يساعد القائد البديل للأسرة على تحمل المسؤولية في حال فقدان الوالدين ويقلّل من تبعات غيابهما.
  • يمكن للبيت الكبير للأسرة أن يُجعل ملتقى لهم جميعا وكذكرى رائعة لهم وللأجيال القادمة كبديل عن بيعه أو إغلاقه.
  • يقول أصحاب الفقه إن تأخير توزيع التركة على مستحقيها يؤدي إلى المشاحنات بين الاخوة وكذلك قد يجلب التدخلات من خارج الأسرة بسبب عدم التعجيل في الأمر وقد يسبب ذلك الى قطع الرحم، وخاصة إن كان بين المستحقين المحتاج وصاحب العوز.

وعلى الخير نلتقي، وبالمحبة نرتقي..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى